في ظل الحديث المتناقض من قبل الجانب المصري عن أن الوفود المتفاوضة في القاهرة لتثبيت وقفا لإطلاق نادر دائم بين الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة في قطاع غزة قد توقع على اتفاق دائم متوازن يلبي شروط جميع الأطراف، يبرز تساؤلات عديدة عن ماهية الدور الذي تقوم به مصر كوسيط بين الطرفين، ومدى حيادية مصر في هذا المجال خصوصا وانها بصورة مفهومة لدى الجميع طرف في فرض الحصار الخانق على قطاع غزة منذ عدة سنين.
منذ انطلاق جولات المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في القاهرة برزت عدة تقارير صحفية إسرائيلية تتحدث عن وجود تناغم كبير بين ما تطلبه حكومة الاحتلال كشرط لوقف إطلاق النار، وبين ما تطلبه مصر المتمثلة برئيسها الجديد عبد الفتاح السيسي لإعادة فتح معبر رفح المتنفس الوحيد لقطاع غزة.
فصائل المقاومة من جهتها قدمت عدة شروط لإعطاء موافقتها على وقف إطلاق النار المتبادل والدائم مع الاحتلال الإسرائيلي، أولى هذه الشروط رفع الحصار الظالم عن قطاع غزة وثانيها إنشاء ميناء بحري لقطاع غزة ومطار دولي يربط القطاع بدول العالم، الغريب في المواقف التي صدرت أن الموقفين الإسرائيلي والمصري من هذه المطالب كانت متطابقة بشكل كامل، ووضعتا شروطا مقابل الموافقة على هذه الشروط أهمها نزع سلاح المقاومة وتدمير الأنفاق وإعادة السلطة إلى قطاع غزة للإشراف على المعابر الحدودية مع مصر والداخل المحتل الأمر الذي لم يلق موافقة من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية.
مصر تتذرع برفضها لإنشاء ميناء أو مطار دولي في غزة أن هذا يؤثر على أمنها القومي بحيث يبعد ذلك عيون أجهزتها الاستخبارية عما يخرج ويدخل من وإلى قطاع غزة، وبالتالي فإن عمليات تهريب لسلاح من وجهة نظرها ستكون اوسع وأسهل، كما أن مصر تتذرع بأن هذا الطرح يزيد من الشرخ بين قطاع غزة والضفة الغربية بحيث يصبح كل منهما كيانا مستقلا بذاته".
هذه الأسباب التي تسوقها مصر متناغمة تماما مع الأسباب التي تسوقها "إسرائيل" فدولة الاحتلال تتذرع بأن إنشاء هذين المرفقين الحيويين في غزة سيسهل المهمة على السفن والطائرات الإيرانية من الوصول بشكل مباشر للقطاع وتهريب ما يحلو لهم من السلاح بشتى أشكاله، وهو ما تخشاه مصر أيضا، كما تتذرع إسرائيل بأن فكرة الميناء النقلي (ترانزيت) برقابة دولية لا تسمح برقابة إسرائيلية على عملية التحميل، فضلا عن ذلك، في داخل السفن توجد فضاءات كبيرة يمكن فيها تهريب وسائل قتالية ومخربين بحجوم هائلة.
المفكر العربي عزمي بشارة قال في تصريحات صحفية "إن الموافقة على إنشاء ميناء ومطار دوليين في غزة يعني خسارة النظام المصري الجديد ورقة ضغط قوية في المحافل الدولية وعلى المصريين انفسهم، والتي غالبا ما كانت تتذرع بها من اجل تمرير مخططاتها، إلى جانب أن مصر وإسرائيل معا لا يريدان لحماس أن تسجل انتصارا آخرا على الأرض بعد المعارك البطولية التي خاضتها مع الاحتلال في غزة.
وأورد بشارة تصريحات لوسي بيلين الوزير السابق في حكومة الاحتلال وأحد هندسي عملية "أوسلو" قال فيها "إن موقف النظام المصري من مطالب المقاومة أصبحت أكثر تطرفا من الموقف الإسرائيلي فيما يتعلق بإنشاء الميناء"، في إشارة إلى أن المعضلة التي تمنع توقيع اتفاق لوقف النار ليس الموقف الإسرائيلي وإنما هو الموقف المصري".
وهذا ما اكدت عليه صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية التي قالت "إن "محادثات القاهرة أشبه بالسيرك الفكاهي الذي يدور في ثلاث دوائر هي المصرية- الإسرائيلية- الفلسطينية؛ العربية؛ والدولية، ويديرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إن الجانب الإسرائيلي موافق على معظم شروط المقاومة في غزة إلا أن القاهرة هي التي ترفض هذه المطالب بهدف تطويع حماس".
وأضافت الصحيفة ""إن من ينكل بوفدي حماس والجهاد الإسلامي في القاهرة ويرفض كل مطالبهم بشكل غير معقول وغير متوقع هم المصريون، فإسرائيل لديها مقترحات تستجيب لغالبية مطالب المقاومة حتى الميناء، لكن "مصر منشغلة في ترويض النمر الحماسي"، وترفض هي وحدها جملة من هذه المطالب".