شبكة قدس الإخبارية

بيني وبين لينا 82 كيلو مترا وحرب

شذى حمّاد

أنا وصديقتي لينا الطويل جيران، على الرغم أنه يوجد بيننا أكثر من 82 كيلو متر، فهي من مخيم النصيرات جنوب مدينة غزة، وأنا من سلواد شرق مدينة رام الله، إلا أن صواريخ المقاومة اختصرت هذه المسافات، فقبل أيام فقط دوت صفارات الإنذار في "عوفر" منذرة بقدوم صواريخ تحمل كرامة وعزة وفخر، تحمل حرية، تحمل رائحة بحر غزة، ورائحة صديقتي لينا.

بالأمس شممت رائحة "الملوخية" تتصاعد من مطبخهم، فأمها كانت منهمكة بتحضير الفطور، بينما كانت لينا تنقل لي أخبار النصيرات وما يدور في محيط منزلها، وأنا أتابع معها أخبار صواريخ المقاومة وأنقل لها فرحتنا بها.

بالحقيقة لم أشم رائحة "الملوخية" فعليا، بل لينا من شمتها وهي أخبرتني بذلك، ولا أدري كيف عشعشت رائحتها في أنفي، ربما  لأني أحاول جاهدة  أن أعيش أجواء مدينة غزة في ظل عدوان الاحتلال عليها عسى أن أخفف عن صديقتي لينا وأشاطر كل واحد في غزة ما يمر به من ألم وحزن.

كلما غابت لينا عن الفيسبوك أبعث لها "لينا... موجودة؟" وترد هي "لساتنا على قيد الحياة"، ولكنها في تلك الليلة لم ترد، فركضت أبحث عنها في قوائم الشهداء والجرحى، وأقلب المحطات والوكالات بحثا عن أي خبر من مخيم النصيرات.

ربما ستغضب لينا لو علمت ماذا فكرت وكيف فقدت الأمل بسرعة وتوقعت أسوأ الاحتمالات، فلينا كباقي أهالي غزة لا تسمح بأي تفكير سلبي، لينا التي دائما تخجلني بقوتها وعزيمتها وإصرارها وشجاعتها ومعنوياتها العالية، لينا التي يحيط بها الموت، وتتساقط القذائف كل يوم في محيط منزلها، تحب الحياة وتسعى لها ضعف حبي وسعيي إليها آلاف المرات، ففي غزة ورغم الحصار تعيش لينا بكرامة، فهناك مقاومة تنتقم لكل قطرة دماء يسيلها الاحتلال.

سأحدثكم عن لينا أكثر الآن، لا أذكر متى تعرفت عليها فقد حاولت تقليب رسائل الفيسبوك التي بيننا إلا أنني لم أصل للبداية، ولكن ما أذكره وهو الذي لن أنساه أبدا، أن القدس هي من جمعتنا، القدس التي نجتمع أنا ولينا في أننا محرومتان من الوصول إليها، هي من جمعتنا... نعم، فلينا المذيعة والمعدة المتألقة في إذاعة الأسرى بدأت بالتواصل معي لإيصال قضية المقدسيين ومعاناتهم للأهالي في غزة، فرغم أن لكل منهم معاناته إلا أنهم جنود في ذات الخندق إلا جانب أخوتهم في الضفة وفي الداخل الفلسطيني المحتل.

لينا تحب الموالح على عكسي تماما فأنا أحب الحلويات، ورغم هذا الاختلاف إلا أنه بيننا وعد اتفقنا فيه أن نأكل الكعك والفلفل على درجات العامود في أول لقاء لنا في القدس، وعندما أزور غزة... ستكرمني لينا كرم الغزيين الذي يضرب فيه المثل، وكرم أهالي قرية المغار المهجرة الذي تتفاخر به لينا أيضا، وأنا حينها لن أطلب منا سوى سمك مشوي على شاطئ بحر غزة، وخلال تناول الغداء سأحدثها عن اختلاف طعم سمك غزة عن طعم سمك حيفا وطعم سمك عكا، الذي سنجربه لاحقا معا بعد عودتنا لها.

لينا... اسم معناه الفاتنة المُغْرِية، وهو مختصر مادلين المحوَّل عن مجدلين، والذي أصله "مجدل" الكلمة الآرامية المطلقة على عسقلان المحتلة والمقصود بها البرج والقلعة والمكان العالي المشرف.

طالبة جامعية ما زالت لينا، أكثر ما تعشقه جلسة تجمعها مع صديقتها وسط الجامعة، إلا أنها مثابرة ونشيطة، تدرس وتعمل وتتطوع. وللينا شقيقة لتسعة أخوة، بينهم أخ مقبل على الزواج قريبا، وآخر يخطط لذلك، فالعائلة وبعد انتهاء العدوان على غزة، ستشق فرحتها ولو بالقوة، وستفرح وتحقق أحلامها، وترزق بأحفاد، وتكبر وتتسع، وتزيد الميلون في غزة عشرات وعشرات.

الآن إن استطاعت لينا أن تنام، ستنام بملابسها بعد أن تحضر حقيبتها وتضعها على باب منزلها، فطيران الاحتلال يغير في أي وقت، ولا يتوانى عن قصف منازل الآمنين النائمين، لكن لينا ستصنع من العدم فرصتها في الحياة، ككل الغزيين.

وأنا أيضا سأصنع فرصتي... سأزو لينا وأجلس معها على شاطئ غزة، سترد على رسائلي دوما وتقول لي "ما زلنا على قيد الحياة".