منذ فترة أريد أن أكتب، يمنعي بالدرجة الأولى، خوفي على مشاعر الأسرى، وذويهم، ومشاعري أنا أيضاً، فكفايتي من السلبيات وصلت أوجها، لكن كيلي قد طفح، وكيل البلد كذلك، وحان الوقت كي نواجه أنفسنا، نعري ما بها من ظنون، ونقف لحظة.
لست من أنصار "حماس"، ولم أكن لأناصر "فتح"، حتى اليسار الفلسطيني لم أكن من مؤيديه يوماً، لكنني اليوم ناقمة عليهم جميعًا، فمن الجلي والواضح في هذا الإضراب الذي دخل شهره الثاني على التوالي أن الجميع مساهم بتحجيم فعاليات الأسرى، واقتصارها على أوساط المدن. ليس هذا فقط ما يثير النقمة، فهذه الفعاليات على قلتها خاوية! إحدى صديقاتي في رام الله بكت لحال الخيمة هناك، كما أن صورة لخيمة جنين أظهرت أن كل من كان فيها لحظة التقاط الصورة، شخص واحد! في غزة يوسعون الخيمة لتتسع لعدد أكبر، وفي نابلس، خيمة كبيرة على دوار الشهداء، والكتل الطلابية تنصب خياما في حدائق الكليات، الكتل التي كانت تقود الانتفاضات، تعتصم داخل جامعاتها... الرحمة!
هل أنا ضد هذه الخيام؟ طبعاً لا! أنا ضد تحجيمها، ضد خلوها، ضد عدم وقوفنا بجانب أمهات الأسرى، أهالي الأسرى، أبناء الأسرى، أيفرحكم أن هناك أطفالاً لآباء في الاعتقال الاداري، تزوجوا، ولم يتمّوا بعد مع آبائهم ٥ أعوام، وصلت رحلة العمر بهم إلى ٢٥ عاماً، عاشوا ٢٠ منها "أيتامًا"، وكي تعرفوا أكثر، الإداري محروم من زيارات الأهل، ونحن ندير ظهرنا ونذهب دون سبب، سوى أننا "مشغولين، لدينا مشاغلٌ دنيوية أهم منهم، وبعضنا لا يذهب خوفاً من أن يطاله المنع الأمني.. تُرى لو أتى عليك الدور، واعتقلك محتلنا كيف سيكون شعورك لو تركت وحدك؟".
المشكلة الأكبر كانت تواجد مؤسسات "مشبوهة" في هذه الخيام، ومنها مؤخراً خيمة مدينة نابلس، التي ضمت الثلاثاء أعضاء من مؤسسة "صوتنا فلسطين" * التطبيعية، تخيلوا أن هذه الخيمة حوتهم لساعات، وأطلقوا منها حملة تضامنية مع أهالي الأسرى، ربما كان الحدث فرديا لكنه يعكس إلى أي مدى هناك تغييب للوعي السياسي والوطني، والمأساة اكتملت حين أخبرتني صديقة أخرى أن بعض المشاركين أولائك دخلوا وخرجوا تحت راية الفصائل، أي نعم... الفصائل!
ثم؛ هل على الفلسطيني أن يتضامن؟
الفعل التضامني هو فعل انساني، وإن كان من واجب الفلسطيني أن يتعاضد، ويقف لجوار أهالي الأسرى، إلا أن الحراك والفعاليات التي تحدث في الضفة الغربية وغزة، -غزة- التي يراها الفلسطيني نموذجاً للمقاومة، توسع خيمة "التضامن"، ليس التضامن من واجبات الفلسطيني، ليس كذلك، التضامن من واجبات المجتمعات المتضامنة وليس من واجباتنا.. فنحن أصحاب القضية، علينا أن نكون مؤثرين لا متضامنين، هناك أمور أقوى رسالة من التظاهر داخل المدن.
المفهوم "نحن لا يعجبنا العجب، ولا الصيام في رجب"
إضافة على ذلك، فكل فصيل يريد أن يكون هو عنوان الفعاليات، ويشاركه الآخرون، وكأن الموضوع "صورني، وأنا عامل حالي مش شايف"... بجد، هل أصبح الأسرى مجرد "صورة"؟ هل أصبحت إحدى قضيتهم فعاليات تضامنية وصورا تنشر على صفحات الجرائد؟ هل مات إحساسنا الوطني إلى هذه الدرجة؟
أخبرني أحدهم عن ثلاث فعاليات في الخليل من أيام، ثلاث فعاليات في ذات اليوم، لم يشارك في إحداها سوى ٢٠ شخصا، تفريق للجهود، ودعوات يحرص أصحابها على أن يكون كل شيء فيها "تحت راية الحزب"، وحتى تحت رايات الأحزاب... غالبية المشاركين في العادة من أهالي الأسرى! وحدهم في الميدان. منظمة التحرير تتفرج، المؤسسات الرسمية تبدو كالمكبلة تجاه كل ما يتعلق بالأسرى! المؤسسات العاملة... "سايقاها تسويق" للمسؤولين، كلفوا أنفسكم قليلاً وانزلوا لجوار أهالي الأسرى، ورجاءً... لا داعي للتصوير هذه المرة، اعتبروها زيارة أخوية. سيقول أحدهم، "وما المشكلة بأن تشاركي تحت راية حزب معين"؟ لا مشكلة في ذلك، مادام الحزب لا يتغنى بعبارات تمجده، عن نفسي، أشارك على مضض وأرفض ترديد عبارات التمجيد، سأكمل: للأحزاب الفلسطينية العاجزة عن الإتيان بحركة، هذه الحراكات مسموح أن يرعاها وينفذها بشكل مستمر، طلاب، ونشطاء ليس لديهم إطار، وليس لديهم تمويل، لكن أن تنفذوها أنتم... والله عيب!
هل تلعب هذه التحركات في الشارع دوراً في دعم الأسرى؟
أما وقد يئست، وأعرف أن أهالي الأسرى المضربين تعبوا، وأرهقهم طول البعد، والإضراب الذي لا يبدو له نهاية، خاصة مع كون الشعب الفلسطيني يطبق في هذه الأيام مقولة "أنت بحالك وأنا بحالي"... تطبيقا فعليا، شارك في مسيرة، وانظر للناس على أطراف الشارع.
أي نعم... أعرف أن لهذا الحراك دورا في تعزيز الأسرى وذويهم، لكني مقتنعه أن الموضوع أكبر، وأعمق، ويحتاج لفعلٍ جذري لإنهائه، مطلب الأسرى ليس سهلاً البتة، الموضوع متعلق بسياسة مخابراتية إسرائيلية لم ترسّخ في زمن قصير، لكن هذا كله لا يمنع التوحد تحت راية الإداري في الشارع وفي منازل الأسرى، فالواجب الوطني يستدعي ألا نترك زوجة الأسير وأبناءه وحدهم في الميدان، وهذه كانت وصية الأسرى على لسان جميع محرري الإضراب، ممن انتهت فترة اعتقالهم الإداري خلال الاضراب.
الأمل بحراك الشارع، الدعم والمؤازرة مطلوب، الفعاليات التي تتخذ منحى الضجيج، والتي تعلي صوت أمعاء الأسرى الخاوية، مهمة، وفعالة، لكنها حتىلا تتلاءم حتى الآن مع عدد الأيام التي مضت على جوع الأسرى وعطشهم، ولا حتى مع حجم معركتهم الكبيرة، وهذه الحراكات وإن كانت مهمة، ويمكن أن تكون فعالة… لكنها تشكل جزءا من الحل، لا الحل كله، نحتاج فعلا مقاومًا ينتصر للأسرى، كما نحتاج أن يتم تدويل قضيتهم.
ودمتم سالمين.
* مؤسسة صوتنا فلسطين واحدة من المؤسسات التي وصفتها حملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لـ "إسرائيل" بأنها من المؤسسات التي تهدف لـ “إقناعنا بأن الإحتلال والسياسات العنصرية الإسرائيلية ناجمة عن “حواجز نفسية تزول عند الحوار مع الطرف الآخر” أو التي تتجاهل كليا واقع الإضطهاد الإسرائيلي للفلسطينين، عرفت باسم بذور السلام و”صوت واحد” (أو صوتنا فلسطين كما تسمى محليا) والتي تستهدف الشباب الفلسطيني بشكل خاص لعقد لقاءات مشتركة مع إسرائيليين غير قائمة على أساس الاعتراف بحقوقنا الوطنية ولا تهدف مباشرة لمقاومة الاحتلال والاضطهاد الإسرائيلي لشعبنا. - موقع حملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لـ "إسرائيل" BDS.