شبكة قدس الإخبارية

"لا نريد أعداء لإسرائيل"؟!

٢١٣

 

سري حرب

قبل الخوض في المقولة الواردة في العنوان، أود التوقف لحظة عند بعض البديهيات التي تنبثق من منطق سياق الواقع الفلسطيني لشعب محتل. فمن المنطق، في حالة شعب يقبع تحت الاحتلال وكون سلطات هذا الاحتلال تصادر أرضنا، وتاريخها حافل بالمجازر، وعمليات التطهير العرقي منذ بداية الحركة الصهيونية، منطقي أن نكون نحن أولاً أعداء لـ"إسرائيل". ومن واجبنا أيضا، وبكل ما أؤتينا من قوة، أن نعمل على زيادة طردية لأعداء هذا الكيان، وحتى إن كان على حساب أصدقائنا، وذلك من منطلق المقولة الشهيرة " عدو عدوي صديقي". لكن يبدو أن المعايير اختلفت – أو ربما هي هكذا أصلاً- لدى قادة السّلطة، فهي لا تريد أعداء لـ"إسرائيل"، على الرغم من الفائدة الكبرى التي سنجنيها فلسطينياً من أعداء "إسرائيل". أما بالنسبة لأصدقائنا، فنحن نحددهم بمقدار عدائهم لـ"إسرائيل".

لم أعرف كيف أبدأ مقدمة هذه المقالة، فالامتعاض كبير، وبصراحة لا أعرف كيف يمكن لمسؤول فلسطيني أن يتفوه بهذه العبارة "لا نريد أعداء لإسرائيل". بهذه العبارة يوم السبت 12.4.2014، قبل أربعة أيام من ذكرى استشهاد القائد أبي جهاد صاحب المقولة الشهيرة "لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة"، وقبل خمسة أيام من يوم الأسير الفلسطيني، بهذه العبارة افتتحت محافظ رام الله والبيرة، عضو جهاز المخابرات الفلسطينية سابقاً، الدكتورة ليلى غنام كلمتها خلال عرض فرقة " كتاك" الهندية. هذا العرض الذي اعتبر حسب حملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لـ"إسرائيل"، والتي تعتبر جزءاً أساسياً من حركة مقاطعة "إسرائيل" وفرض العقوبات عليها وسحب الاستثمارات منها، عرضاً تطبيعاً خالصاً، كونه يخرق معايير المقاطعة، بعد أن أدت الفرقة الهندية عرضاً في تل أبيب.

وعلى أثر الاعتراض على هذا العرض تم اعتقال وضرب أربعة شبان فلسطينيين (أمام أنظار الدكتور ليلى) وتقديمهم للمحاكمة بكفالة 5000 دينار لكل منهم، لاعتراضهم المشروع والواجب على هذا العرض. لو كنا في زمن أبي جهاد، فأنا متأكد تماماً أن منظمي العرض سيقدمون للمحاكمة فلسطينياً على هذا الخرق الواضح للمبادئ الوطنية، لكننا اليوم في زمن التطبيع الرسمي.

خلال الأيام القادمة سوف يمثل هؤلاء الشباب أمام القضاء "الفلسطيني" بتهمة "إثارة الشغب والإخلال بالطمأنينة العامة"، هؤلاء الشباب هم الذين وقفوا خلال العرض وقالوا موقفهم من زيارة تطبيعية مثل هذه، فقامت القوات الأمنية بضربهم والتنكيل بهم واعتقالهم أمام صمت (وربما توجيه) محافظ رام الله والبيرة الرافضة لمعاداة "إسرائيل"، ومن ثم تم تقديمهم للقضاء تحت هذه الحجج الواهية، فعن أي طمأنينة تتحدث النيابة العامة الفلسطينية؟ هل هي طمأنينة الاحتلال أن لا أحد يلاحقه ويلاحق المطبعين؟

إستراتيجية المقاطعة حول العالم لم تؤثر إلا على طمأنينة "إسرائيل"، وفي هذا العام بدأ التأثير يتغلل أكثر فأكثر فيها. بالإضافة إلى تزايد عدد الفنانين في العالم الرافضين للذهاب إلى "إسرائيل" دعماً لحقوق الشعب الفلسطيني، حققت حركة المقاطعة انتصارات عديدة؛ منها خسارة شركة ميكوروت الإسرائيلية قبل عدة أسابيع عقدا بقيمة 170 مليون دولار في الأرجنتين نتيجة حملة قام بها نشطاء المقاطعة في أمريكا اللاتينية. أضف إلى ذلك خسارات نوعية تمثلت بقرار صندوق التقاعد الهولندي بمقاطعة 5 بنوك إسرائيلية، ومن ثم تبعه بنك " دانسك بنك " الدنمركي، أحد أكبر البنوك بالدنمرك وقف استثماراته في بنك "هبوعليم" الإسرائيلي. كل ذلك أدى إلى تحويل ملف المقاطعة لدى الاحتلال من وزارة الشؤون الخارجية إلى وزارة الشؤون الإستراتيجية، ورصد 100 مليون شيكل كحملة مضادة للتصدي لحملة المقاطعة. الأمر الذي يدل على درجة تأثر "إسرائيل" وتضررها جراء هذه الحملة.

أمام هذه الحقائق كلها، وأمام إنجازات عالمية حصدتها حملة المقاطعة، نتسائل عما تقوم به السلطة من محاكمةً لنشاطي حملة المقاطعة؟ ولمصلحة من يتم الاعتداء وقمع نشاطات داعمة لمقاطعة "إسرائيل" في فلسطين. وهو للأسف، المكان الوحيد في العالم الذي يتم فيه تجريم المقاطعة على يد كل من سلطة الاحتلال والسلطة الفلسطينية. ان محاسبة ومحاكمة الشباب في هذه الحالة ضربة توجه لنضال لحركة المقاطعة ضد الاحتلال، وهي شهادة عار للسلطة الفلسطينية والقضاء الفلسطيني، وكما قال الناطق باسم حركة المقاطعة، عمر البرغوثي، "إن تمت محاكمة الشباب، فيجب محاكمة السلطة".