يتناول كتاب د. ناصر عبد الجواد موضوع الأسرى من زاوية رؤية تختلف عن الوجهات السابقة للمؤلفات المتحدثة عن الأسرى المسلمين بشكل عام، والفلسطينيين على وجه الخصوص، من ناحية شرعية ، حيث حاول الكاتب تحديد وضع أسرى المسلمين في سجون الكافرين، وليس وضع الأسرى في سجون المسلمين، كما بحثت معظم المؤلفات الفقهية السابقة، وهو ما أشار إليه عبد الجواد في مقدمته.
من هذا المنطلق، نبعت إشكالية البحث والأسئلة التي سعىى الباحث عبد الجواد للإجابة عنها في ثلاث أسئلة أساسية يظهرها عنوان مؤلفه "الأسرى: حقوقهم- واجباتهم- أحكامهم"، فمقدمة تلك الأسئلة كانت في إشكالية ماهية حقوق أسرى المسلمين في سجون الكافرين والظالمين؟ ثم ماهي الواجبات المنوطة بهم في تلك السجون؟ وأخيراً ماهي أحكامهم في ضوء الشريعة الإسلامية؟ وكما بدا فإن الترتيب في تلك الإشكالات يفيد الأهمية، وكان لتلك التساؤلات التي حددت لدى عبد الجواد إشكاليات البحث، دور في إظهار عدة فرضيات في كتابه.
افترض المؤلف أن الأسرى المسلمين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي -بصفته الجهة التي تمثل الكافرين والظالمين- لا يعلمون تماماً بالواجبات المنوطة بهم وهم في تلك السجون،ومن جهة أخرى فإن أهل الأسرى والمجتمع المحيط بهم مقصرون إلى حدّ ما بواجبهم الديني والوطني تجاه الأسرى عامة، أي بحق الأسرى عليهم، فهم غير مدركون أحياناً لهذه الواجبات الملقاة على عاتقهم، وأحياناً أخرىمدركون وإنما متقاعسون عن واجباتهم كغيرها من الواجبات الكثيرة المطلوبة من المجتمع المحيط بالضحية، أيّاً كانت المسميات.
يفترض الباحث أيضاً وجود عدة أحكام في الشريعة الإسلامية تخص الأسرى المسلمين في سجون الكافرين، لم يتم الإنفراد بها فيما يخص حال الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الصهيوني، وهذا ما جعله يغوص في كتب الشريعة واجتهادات علماء الإسلام ليكشف النقاب عن أهم هذه الأحكام وما يصب منها مباشرة في حال أسرى فلسطين.
ولتلك الأخيرة تدرج الباحث في موضوعات كتابه ليصل بالقارئ إلى تلك الغاية العامة، مبتدأً ذلك بفصوله الأولى التي حملت مضامين تتعلق بفضل الأسر والسجن في سبيل الله وكون السجن واحد من سنن الابتلاءات للمسلم كمقدمة للكتاب كله، ثم خاضفي أدلة وجوب تحرير الأسير المسلم، وقليل من الشواهد التاريخية الدالة على اهتمام المسلمين بتحرير الأسرى ورفع الظلم عنهم، بينما تحدث في فصليه الثالث والرابع عن واجبات الأسرى على المستوى الشخصي والجماعي، والأخلاق الواجب تحلي الأسير المسلم بها، مسلطاً الضوء على ضرورة طلب العلم في وقت الفراغ. وفي ختام الكتاب تناول بشيء من التفصيل الأحكام الخاصة بالأسرى، مقدماً إجابات لعدة أسئلة وجدها الباحث لدى الأسرى عموما في السجون من ملاحظته وتجربته الشخصية، كمثل السؤال عن حكم رد السلام على رجال إدارة السجن أو طرحه عليهم، وحكم المصافحة معهم وتشميت العاطس منهم.
تماشياً مع تلك الموضوعات فلقد تم تصنيف الكتاب على أنه واحد من كتب "الأسرى في الإسلام" أو "أسرى فلسطين" في بعض المكتبات، وهذان العنوانان يعتبران واصفتان من واصفات تصنيف دوي العشري لرؤوس الموضوعات في المؤلفات عامة،وهما ينسجمان تماماً مع محتوى الكتاب، سيما وإن كان الاختيار للأولى وهو الأقرب للدقة، حيث أن ربطه كل فصل من الكتاب بدليل شرعي وحكم إسلامي جعل من تصنيفه في إطار "الأسرى في الإسلام" هو التصنيق الأقرب للصواب، أما التصنيف الذي اعتمدته دار النشر للكتاب بكونه يخص "أسرى الحرب" فلم يكن موفقًا تمامًا، بحكم أن الكتاب لم يتناول قضايا أسرى الحرب بالدرجة الأولى، ثم أنه لم يذكر إلا قليلا من القوانين الدولية الخاصة بالأسرى لم تتجاوز المقدمات، بمعنى أن شمولية موضوع "أسرى الحرب" لم تتوافق مع محدودية ما ورد بخصوصه في الكتاب.
منهجية الكتاب:
ولقد بدا الكاتب مهتماً بجمع المصادر الموثوقة التي يمكنه الاستناد على ما ورد فيها لدعم نصوص بحثه وأفكاره، تمثل هذا الاهتمام من جهة باستنطاقه المصادر الأم، أمثال مصادر الترمذي والبخاري والبحتري والألباني وابن الجوزي وابن تيمية والبيهقي وابن حجر العسقلاني وابن خلدون والأصفهاني وياقوت الحموي وسيد قطب وغيرهم، ومن جهة أخرى عودته إلى عدد جيد من الموارد المكتوبة باللغة العبرية، الأمر الذي يعكس توازن المؤلف في الانتقاء وجديته في انجاح مؤلفه.
عند الخوض في المنهجية التي اتبعها المؤلف في خطوات كتابته، نجده استخدم المنهج الاستقرائي التحليلي في معظمالكتاب خاصةالفصلالرابع "أحكاماﻻسرى" وهو ما يلزم لجمع النصوص والدلالات وأقوال الفقهاء، والبقية كانت للمنهج الوصفي التحليلي، مستعينا أحيانًابالمنهجالتاريخي كما في فصله الأول للكتاب.
جاءت هذه التعددية المنهجية التي انتهجها الباحث للتوافق مع الموضوع الرئيس في كل فصل، وما تعدد المنهجيات المتبعة إلا لتنوع الموضوعات التي تناولها الكتاب وتعدد إشكالياته، فلكل سؤال بحث اتبع طريقة تمكنه من إيصال المعلومة المناسبة للقارئ مستخدمًا لذلك منهجية مناسبة، وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على وعي الباحث، وإدراكه بخطوات المنهج الدقيقة في كل مرة، ومراعاة استخدام المنهج المناسب للإشكالية المناسبة تنم عن وعي منهجي وإدراك فذ لدى المؤلف جعله يلتزم بصرامة كل منهجية مستخدمة.
لكل ما ورد فإنه يمكن القول بأن الأهمية المعرفية والزمانية والمكانية للكتاب استقت حضورها من خلال معالجة الكتاب لقضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني من جانب إسلامي، فرغم وجود أدبيات سابقة تتناول قضايا الأسرى الفلسيطنيين في سجون الاحتلال، إلا أنها لم تتحدث عن الأحكام والواجبات والحقوق لهم من منطلق ديني إسلامي، فهذه الموضوعات تفتقدها المكتبات بشكل عام، حيث أنها تناسب الأزمنة الفلسطينية المختلفة والقادمة منها، فقضية الأسر والأسرى ليست قضية اليوم، وبالاعتقاد أنها لن تكون الحل المنتظر في المفاوضات الجارية حاليًا، وعليه فإن الكتاب يقدّم للقارئ معرفة جديدة مرتبطة بالأسرى الفلسطينيين على وجه الخصوص، والتي يزيدها أهمية تجربة المؤلف الشخصية للأسر ودراسته للفقه الإسلامي، الأمر الذي يدعم بشكل مباشر كتابته حول هذا الموضوع وقدرته على جمع المصادر اللازمة لتبيان مؤلفه.
ورغم تلك الأهمية التي قد تتوفر للباحث في هذا النطاق تحديدًا، فإن الكتاب لم تتم ترجمته إلى أية لغة أخرى، وبالتالي فهو متوفر للجمهور الإسلامي القارئ للغة العربية فحسب، ولربما لو ترجم إلى لغة أخرى -كالانجليزية مثلًا- لحظي بعدد أكبر من القرّاء والباحثين يمكنهم الاستفادة منه.
من هو الدكتور ناصر عبد الجواد؟
بالتعريف عنمؤلف الكتاب د. ناصر عبد الله عودة عبد الجواد، فهو فلسطيني الجنسية والنشأة،وأسير محرر بعد أكثر من ستة عشر عاماً من الاعتقال في سجون الاحتلال، وعلى الصعيد الأكاديمي فهو حاصل على شهادة الدكتوراة بامتياز في تخصص أصول الدين عام 2003، وذلك أثناء اعتقاله في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فكانت رسالته أول رسالة دكتوراة يتم إعدادها ومناقشتها في سجون الاحتلال وعبر هاتف نقال مهرب، كما وحصل على شهادتي الماجستير عام 1990والبكالوريوس في أصول الدين- قسم الحديث النبوي من الجامعة الأردنية.
ونجدللدكتور عبد الجواد أربع مؤلفات منشورة، وهي: أساليب التبشير في مدرسة راهبات الوردية- دراسة ميدانية، وفقه الأقليات في ضوء السنة النبوية، والحصانة المسلوبة- زفرات نائب من الضفة، والكتاب الذي يُقَدَّم له، بالإضافة إلى بحث بعنوان حكم النظر إلى العاري من الصور أعدّ داخل السجن، وقدّم عشرات الدورات المتخصصة للزملاء الأسرى في سجون الاحتلال على مدار ستَ عشرة سنة.
أمّا على الصعيد المهني فكما بين المؤلف طبيعة عمله في مقابلة أجريت معه قائلاً: "أنا عضو منتخب في المجلس التشريعي الفلسطيني عن محافظة سلفيت ولا زلت"( )، وعليه فإن طبيعة عمل المؤلف تتفق تماما مع الرسالة الأخلاقية والمعرفية للكتاب، فبعيداً عن كون الباحث أسير محرر، عضويته في المجلس التشريعي الفلسطيني تضمن إلمام ثقافي معرفي فيما يخص القضية الفلسطينية بشكل عام، وحقوق الأسرى وحالهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي بشكل خاص، والجانب المهم في ذلك هو الدراية بحال الأسرى وحال المجتمع المحيط، الذي كان من شأنه تخصيص فصول تتناول قضية حقوق الأسير وواجبات مجتمعه.
وفيما يخص مواقف المؤلف عبد الجواد السياسية والأيديولوجية، فلقد وضحها بشيء من التفصيل لدى السؤال عنها، فأجاب: "موقفي السياسي معروف ومعلن دائماً فأنا رجل أحمل المشروع الإسلامي وأعتبره المنقذ والمخلص لمشاكل الأمة العربية والإسلامية كلها، واعتبر المقاومة بكل أنواعها هي الاستراتيجية التي يجب تبنيها وهي الت يتوصل للأهداف الكبيرة لشعبنا وأمتنا، وانما يسمى بالمفاوضات هي مصيبة حلت بالشعب الفلسطيني وهي التي أخرت التحرير والحرية لسنوات، واعتبر الاعتراف بدولة الاحتلال على أرضنا من أكبر الجرائم التي طعنت بها قضيتنا، وأنا ضد ممارسات الأجهزة الأمنية في الضفة، واعتبرها جرائم ينبغي أن يعاقب عليها وفقًا للقانون"، وكما بدا فإن هذا الموقف السياسي للمؤلف يحمّل السلطة الفلسطينية مسؤولية تأخر التحرير والحرية، وبالتالي كانت سببًالوجود هذاالعدد الكبير من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الاسرائيلي، وبما أن الباحث عضو منتخب في المجلس التشريعي عن التغيير والإصلاح، فهو بالتالي عضو في حركة المقاومة الإسلامية حماس، حيث كانت التهم التي حوكم عليها كثيرة، تشمل فيما شملت "مقاومة الاحتلال من خلال كتائب عز الدين القسام.
على إثر تلك التهم قضى المؤلف مدة 16عام في سجون الاحتلال، عمل خلالهم على تأليف عدد من الكتب بموضوعات يحفّها الطابع الديني، باستثناء كتاب الحصانة المسلوبة، الذي يعد "وثيقة تاريخية، من وجهة نظر التيار الإسلامي الفلسطيني، توثق لمرحلة من أخطر المراحل التي مرت على القضية الفلسطينية في تاريخها المعاصر، وهي رواية مأخوذة من أفواه أصحابها، والذي تناول بشكل أساسي الحرب الشرسة التي تعرض لها النواب الإسلاميون في الضفة الغربية منذ انتخابهم سواء كانت موجهة من الاحتلال أو من السلطة الفلسطينية.
في الختام:خلاصة القول أن الكتاب يعتبر واحد من الكتب الهادفة لربط القضايا السياسية المختلفة بالوجهة الدينية الإسلامية، حيث أن الاستدلال بالأحكام الشرعية لدعم أو ضحد فكرة ما في كل فصل من فصول الكتاب، تجد أهميتها لدى شريحة معينة من القرّاء والباحثين المهتمين بقضية الأسرى الفلسطينيين أحكاماً وواجبات وحقوق من زاوية إسلامية بحته، وعليه فإني أنصح الباحث عن موضوعات أحكام وحقوق وواجبات الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال بالاستفادة من هذا الكتاب وقراءته، فهو كتاب مؤلف بعناية من الباحث د. ناصر عبد الجواد وبتسلسل واضح وتفصيلات تسهل على القارئ للكتاب فهمه دون الحاجة إلى الخوضفيه بعمق شديد. وكذلك فإنني أنصح القارئ الفلسطيني المسلم، سواء كان داخل السجن أم خارجه بقراءة هذا الكتاب والاستفادة مما جاء فيه قدرما أمكن، فكثير من معطيات الكتاب ليست في متناول ثقافة الكثير.