طريح الفراش يقضى الطفل عكرمة معن إبراهيم (7 سنوات) جُلّ وقته، وبالكاد يزيح رأسه ويديه نحو اليمين تارة وأخرى جهة اليسار إذ يصعب عليه تحريك سواهما من أجزاء جسمه النحيل، ليس لأنه مصاب بالشلل أو ما شابه وإنما لمعاناته من مرض نادر يعرف بـ"العظم الزجاجي" (osteogenesis imperfecta).
والعظم الزجاجي كما يعرفه الطبيب علاء عزمي اختصاصي جراحة الأطفال ورئيس قسم العظام بمشفى النجاح الوطني بنابلس، مرض خلقي ينتج عن خلل ببعض البروتينات بتركيبة خليه العظام وتكوينها، بحيث يُخلق المولود ضعيفا في بنية عظامه التي يسهل كسرها.
ثمة ابتسامة لا تفارق محيا الطفل الصغير تحكي لزائريه بمنزله في بلدة قريوت جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية ظروف معاناته، وما آلت إليه أحواله الصحية بفعل المرض.
حين توجهنا إليه، كان عكرمة قد عاد قريبا من مدينة بيت لحم حيث يتلقى جرعته العلاجية بين الفينة والأخرى في أحد المشافي هناك، على نفقة والده الخاصة، بعدما خذلته وزارة الصحة الفلسطينية وجهات مسؤولة في توفير علاجه "رغم وجوده في مخازن الوزارة"، كما يقول معن والد عكرمة.
كسور بلا نهاية
ويضيف والده متحدثا للجزيرة نت إن حكايته بدأت منذ اليوم الرابع من ولادته بعد أن تعرّض لكسر بإحدى رجليه تلاه كسور أخرى في أنحاء متفرقة من جسمه، "وللوهلة الأولى ظننا أنها كسور طبيعية حتى اهتدينا لطبيب مختص ليكشف لنا عن مرضه الحقيقي".
من هنا بدأ مسلسل المعاناة لمعن وطفله الصغير، بعد أن غدا يطرق أبواب المسؤولين واحدا تلو الآخر لتوفير العلاج فيجد نفسه في دوامة من الصد والرد، ويحصل بعد جهد كبير على جرعة علاجية واحدة عبر وزارة الصحة ومبلغ مالي قدر بـ300 دولار قدمت كمساعدة رئاسية عقب مناشدات بوسائل الإعلام.
واشترطت وزارة الصحة -حسب معن- أن يعطى العلاج للمريض داخل مشفى حكومي فقط، مؤكدا أن المشفى المذكور "رديء للغاية"، وهو ما جعله يشتري العلاج على نفقته الخاصة "700 دولار أميركي تكلفة الجرعة الواحدة" ويعطيه له في مشفى آخر جنوب الضفة.
ويحتاج المصاب بهذا المرض -الذي تنقسم شدته لأربعة مستويات- لأخذ الدواء بانتظام على ست جرعات لمن يقل عمره عن السنتين وأربع لمن دون الرابعة وثلاث مرات لمن هم فوق عمر أربعة سنين.
جدير بالذكر أن الدواء المتوفر هو لأغراض الوقاية ومنع حدوث الكسور، وليس لعلاج المرض بحد ذاته.
العلاج المتكامل
ويرى الطبيب المعالج علاء عزمي أن الدواء بات متوفرا لدى وزارة الصحة وبسعر معقول، لوجود حالات مشابهة.
وأكد للجزيرة نت أن الأهم من العلاج هو أن المريض يحتاج لعمل طبي جماعي بمركز متخصص، بحيث يتوفر طبيب للأطفال وآخر للكلى والمسالك البولية وثالث للأشعة بمكان واحد، "وهذا ما تفتقر له وزارة الصحة".
ويشير إلى أن الآثار المترتبة على المريض تكمن بالكسور المتكررة وما ينتج عنها من تشوهات "وهذه يمكن علاجها"، إضافة لتأثير الأدوية على أجزاء الجسم الأخرى، ولا سيما الكلى، "وحالة المريض تظل كما هي والخشية تبقى فقط من الكسر".
وتغيب الإحصائية الرسمية لدى وزارة الصحة عن عدد المرضى المصابين نظرا لعدم انتشار المرض، كما لا يتم الإبلاغ عنه كالأمراض المعدية والخطيرة الأخرى.
أما العلاج فهو من حق أي مريض كما يقول عنان المصري وكيل وزارة الصحة, الذي يؤكد للجزيرة نت أنهم يوفرون أي دواء يحتاجه أي مريض، وإن كان العلاج لمرض نادر "ولكن بعد دراسة حالة المريض من لجنة متخصصة تعرف بلجنة المداوة والتداوي".
ذكاء خارق
وتمكنت عائلة عكرمة من إحصاء ما يفوق 200 كسر في جسده منذ ولادته، بعضها تكرر بالمكان الواحد مرات عدة رغم أنها تتعامل معه بحذر شديد للغاية.
ويفتقر "الطفل الزجاجي" لأبسط احتياجاته من التعليم أو حتى الرعاية من المؤسسات المعنية رغم ما يتمتع به من "ذكاء خارق" كما يقول والده ويؤكد الطب وتصرفاته المميزة ذلك.
عاطف دغلس/ الجزيرة نت