شبكة قدس الإخبارية

كيف اغتال الاحتلال الشهيد القاضي رائد زعيتر؟

هيئة التحرير

ذكرت مؤسسة "الحق" لحقوق الإنسان أنها انتهت من جمع وتدوين ودراسة مختلف الوقائع والمعلومات والشهادات التي قام فريق بحث المؤسسة الميداني والقانوني بجمعها عن ظروف وملابسات استشهاد القاضي الاردني رائد علاء الدين زعيتر برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي على نقطة التفتيش والأمن الأولى في معبر الكرامة (جسر أللنبي) بتاريخ 10 اذار/مارس 2014، حيث تم جمع مجموعة من الإفادات من شهود العيان الذين عبروا الأرض الفلسطينية المحتلة على ذات الحافلة رفقة القاضي رائد زعيتر، وتواجدوا بالقرب من الضحية لحظة إطلاق الرصاص عليه، فضلا عن التقييم والتحليل والفحص لمكان ارتكاب الجريمة الذي يعرفه جيدا باحثي المؤسسة. واعلنت المؤسسة في بيان رسمي النتائج والخلاصات التي توصلت إليها بناء على مجموع الإفادات والشهادات والمعطيات التي حصلت عليها، لتصل في النهاية إلى تصورها وتقديرها لمجموعة من النتائج الموضوعية المتمثلة بالوقائع والملابسات التالية:-

نحو الساعة 8:30 وصلت الحافلة التي يستقلها القادمون إلى الأرض الفلسطينية المحتلة من نقطة المغادرة على الحدود الأردنية الفلسطينية إلى محطة التفتيش الإسرائيلية الأولى قرب مياه نهر الأردن، حيث توقفت الحافلة بمحاذاة ساحة صغيرة محاطة بسياج حديدي وفيه مدخليّن، وحينها طلب جنود الاحتلال من القادمين النزول من الحافلة دون حمل أي متاع مهما كان حجمه ووصفه، إذ يحظر على الركاب في هذه المحطة إنزال أي متاع كان بما فيها حقائب اليد للسيدات، وحينها يصعد أحد الجنود لفحص الحافلة وبعد هبوطه يسمح للمسافرين بالعودة مجددا إلى الحافلة. عند تفتيش الحافلة يتواجد جنديان مسلحان أو أكثر لمراقبة المسافرين ويكونوا على مسافة تتراوح بين ثلاثة أو خمسة أمتار من المسافرين كما توجد حجرة بجانب ساحة انتظار الركاب يتواجد بها أيضا بعض الأفراد من أمن الإحتلال.

عند السماح للمسافرين بالعودة إلى الحافلة، بدأ الركاب بالصعود إليها وكان يقف القاضي رائد زعيتر قرب مقدمة الحافلة وكان هناك شخصا آخر أيضا يقف بالقرب من الباب الخلفي للحافلة، وكانوا يدخنان السجائر كما كانت هناك سيدة مع طفلها تنتظر انتهاء طفلها الآخر من استخدام مرافق المياه، بحيث كان الثلاثة إلى جانب الطفلين آخر الركاب المتبقين من مجموع ركاب الحافلة، علما بأنه في هذه المحطة الأمنية الأولى اعتاد المسافرين على استغلال فترة تفتيش حافلاتهم للتدخين كونه ممنوع داخل الحافلة وفي نقطة المغادرة الأردنية، ولهذا وضعت قوات الاحتلال أكثر من مكان مخصص لإطفاء السجائر. عندما أصبحت السيدة بمحاذاة باب الحافلة وعلى بعد نحو متر واحد من القاضي رائد زعتير الذي كان قرب مقدمة الحافلة دفعه الجندي الذي قام بجولة التفتيش في الحافلة، لتأخره عن الصعود، فرد القاضي بدفع الجندي عنه وتعارك الجندي والمسافر للحظات وقوفاً. مباشرة اقترب الجنديان الآخران في الموقع من الجندي الثالث وقام ثلاثتهم بدفع القاضي زعيتر إلى جهة الشارع أمام الحافلة ثم تراجعوا خطوتين، وبعد أن نهض القاضي عن الأرض اخذ بالصراخ وكانت يداه مرفوعة للأعلى ويصرخ متذمراً من إهانته وتقدم باتجاه الجنود.

في هذه اللحظة وكما أفاد شهود العيان صوّب الجنود أسلحتهم باتجاه القاضي الذي كان يبعد عنهما ما بين 3 -4 أمتار تقريباً، وسمع إطلاق رصاصة واحدة تلتها ثلاث رصاصات أخرى نحو القاضي الذي اهتز جسده من الرصاص وكان يتراجع عند إطلاق النار عليه حيث سقط على الأرض. في هذه اللحظات قام سائق الحافلة بالدخول إليها وإغلاق الأبواب، بعد فترة قليلة، تقدم أحد الجنود الإسرائيليين من سائق الباص الأردني وطلب منه إبلاغ المسافرين بالنزول من الحافلة الواحد تلو الآخر وبدأ المسافرين بالنزول، وتم إجبار الرجال والشبان على الانبطاح على الأرض ووجوههم نحوها، وتم التفتيش الجسدي لكل المسافرين على الحافلة وتم تفتيش النساء وقوفا كما تم تحسس أجساد الفتيات ولا سيما الأرجل وأحياناً كان يطلب من السيدات فتح الجاكيت، وقد نزل كافة الركاب لإجراء التفتيش بعدها أمر الجنود الركاب بالصعود مرة ثانية إلى الحافلة. خلال هذه المرحلة كانت جثة القاضي رائد زعيتر ملقاة على الأرض ولم يقترب أي شخص من الإسرائيليين منها لمعاينتها أو فحصها ومعرفة مصيره. بعد عدة دقائق عاد الجنود وطلبوا من ركاب الحافلة النزول مرة أخرى والتوجه نحو البوابة الحديدية( المقابلة لنقطة تفتيش الدخول الأولى التي تم فيها إطلاق النار على القاضي زعيتر) وهي البوابة الحدودية التي يتجه المسافرون منها إلى الأردن خارجين من جسر "أللنبي"، وأمر الجنود سائق الباص بالرجوع 20 متراً تقريباً، عن مكان وقوفه. في تلك اللحظات كما افد الشهود حضرت تعزيزات شرطّية وجنود إسرائيليين إلى المكان وأشخاص مسعفين يرتدون الزيّ الأبيض وشوهدوا من قبل المسافرين يقومون بمحاولة إسعاف القاضي زعيتر الملقى على الأرض وذلك من خلال الضغط على صدره، ثم قاموا بلف الجثة بالقصدير. بعد حوالي ساعة تقريباً من لحظة إطلاق الرصاص على القاضي زعيتر طلب أحد الجنود من الركاب أن يتقدموا كل 5 أشخاص على انفراد لكي ينقلوا حقائبهم بعد تفتيشها لحافلة أخرى، وأثناء قيام أحد شهود العيان بفتح حقائبه وتفتيشها حضر أحد ضباط المخابرات الإسرائيليين وسأله عن حقيقة ما جرى، حيث أبلغه الشاهد بما جرى وأنه وقعت مشاجرة بين القاضي والجنود تطورت لعراك ليتم في النهاية إطلاق النار على القاضي زعيتر من قبل الجنود الإسرائيليين. بعدها تراجع الجنود عن إجراء تفتيش لكافة الأمتعة والحقائب وطلب من بقية المسافرين نقل حقائبهم من الحافلة الأولى إلى الحافلة التي حضرت، حيث صعد كافة المسافرين للحافلة الأخرى، فيما كان جيب عسكري يقف أمامها وجيب آخر خلفها وتوجهت الحافلة إلى صالة الاستقبال المخصصة للقادمين من الأردن في داخل جسر أللنبي الإسرائيلي. بعد أن قام المسافرين بنقل حقائبهم من الحافلة الأولى للحافلة الأخرى صعد أحد الجنود وسأل المسافرين فيما إذا كان أحداً من المسافرين قد نسي حقائبه وطلب الجندي من المسافرين النظر عبر زجاج الحافلة على الحقائب المتبقية وبعد أن صرح المسافرين بأن تلك الحقائب ليست لهم وقبل نزول الجندي من الحافلة نبههم لعدم الخوف إذا ما سمعوا صوت انفجار لأن خبير المتفجرات قد حضر إلى المكان. بعدها تحرك المسافرين نحو نقطة المعبر وأخذوا في إتمام إجراءات دخولهم إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، بعد سماع أقوالهم من قبل الجانب الإسرائيلي. الخلاصة والتوصيات يتضح من سياق الظروف والملابسات التي تمت على صعيد واقعة مقتل القاضي رائد زعتير: وجود نية واضحة بالقتل لدى جنود دولة الاحتلال إذ كان بإمكانهم التعامل مع احتجاج القاضي رائد زعيتر على إهانته وسوء معاملته من قبل الجندي بأي طريقة أخرى بما فيها اعتقاله، كما كان واضحا للجنود بأنه لا يمتلك أي شيء قد يهدد ويعرض حياتهم للخطر خصوصاً وأنه كان يبعد عنهم لحظة إطلاق النار عليه أكثر من ثلاثة أمتار، كما كان قبل ذلك متوقفا بالقرب منهم ما يعني بأنهم على معرفة وعلم يقيني بأنه لا يشكل خطر ولا يحمل أي شيء قد يثير الشبهة والريبة أو يهدد حياتهم. لو سلمنا جدلاّ بأن القاضي رائد زعيتر قد شكل خطراً فعليا لحظة نهوضه عن الأرض فقد كان بإمكانهم إطلاق رصاصة نحو ساقه لتعطيل حركته وليس إطلاق أربع رصاصات نحو منطقة الفخذين والحوض، خاصة أنها من بندقية اتوماتيكية ومن مسافة قريبة جدا. إن إطلاق أكثر من جندي بذات الوقت للرصاص نحو الضحية دون تحذير مسبق كما هو مقر ومعمول به استناداً لمدونات إطلاق النار واستخدام القوة من قبل المكلفين بإنفاذ القانون، يؤكد على مدى استهتار الجنود بأرواح المدنيين، وعلى وجود تعليمات تسمح للجنود بالقيام بمثل هذا التصرف. إن تأخر وصول الطواقم الطبية التي وصلت للضحية بعد نحو عشرين دقيقة، رغم وجود وتوفر هذه الطواقم على المعبر، وبالتالي سرعة وصولها لمكان الضحية وتقديم التدخل الطبي العاجل، يعني لامبالاة واهتمام من سلطات الاحتلال والقائمين على المعبر بمصير وحياة الضحية، بل وتشير إلى وجود نية لترك الضحية ينزف حتى الموت. إن إدعاء الجانب الإسرائيلي بعيد مقتل القاضي زعيتر بأنه حاول نزع سلاح أحد الجنود على المعبر، والادعاء أيضا بأن الضحية حاول الهجوم على جنود الحراسة بقضيب حديدي، ناهيك عن الادعاء بعطل كاميرات المراقبة على هذه النقطة الأمنية المهمة، يؤكد سعي سلطات الإحتلال لتحصين جنوده والعمل على عدم مساءلتهم وضمان إفلاتهم من المسؤولية والعقاب، كما وتؤكد هذه الإدعاءات الفورية على نهج التبرير لتصرف جنود الاحتلال، وليس على نهج العدالة وكشف الحقيقة والمساءلة عن هذا الانتهاك.- منقول