شبكة قدس الإخبارية

زيارة للأغوار: هنا مأساة وهنا بسمة

محمد جمهور

وما بين هذا وذاك رواياتٌ تحكى وتحكى وتحكى، نهاياتها مالانهاية ترسمها بسماتُ أطفال تلك الأغوار ويبقى أملٌ بالفرج القريب، بكرامةٍ وإنسانيةِ الشعب وشبه الحكومة.

انطلقت حافلة المدونين الشباب #BlogBus باكراً متوجهةً إلى الأغوار الفلسطينية المحتلة لتجسد فينا فكرة إقتبستها من خلال تجوالنا وهي “شاهد بعينك ودون الحدث، ما بين القراءة والسمع هناك ما تشاهد” لننقلَ معاناةً وجمالاً واقعياً منطقياً ينقل الصورة الواضحة مجسداً واقعاً أليماً لما يعانيه شعبنا الفلسطيني في الأغوار المحتلة من قبل ما يسمى بدولة "إسرائيل" وسياساتها الإرهابية غير الإنسانية.

انطلقت الحافلة بإستثنائي لسبب أنني قد تأخرت عن موعد الإنطلاق، لكن عزيمتي على مشاهدة هذا الواقع وزيارة هذا الجزء الجميل من أرض فلسطين الطاهرة لم يمنعني من اللحاق بمجموعة المدونين، عند وصولي كان قد فاتني ثلاث مناطق وهي النويعمة، الديوك وعرب الطريفات، حيث ان خطة سير المجموعة بعد ذلك تقتضي الذهاب الى العوجا وفصايل والجفتلك والزبيدات ومضارب المالح.

توجهت إلى قرية العوجا حيث كانت الحافلة قد وصلت إلى هناك وتمت إستضافتنا من قبل المجلس القروي لها وكانت العين تشاهد ما توجهنا من أجله لنرى شعباً فلسطينياً جميلاً متأقلماً مع ظروف الحياة المريرة التي يعيشها أهلنا هناك من إنقطاع للتيار الكهربائي المتكرر وشح المياه التي تقطرها سلطات الإحتلال على هذه القرية حيث أن إعتماد الأهالي في الأغوار الفلسطينية على الزراعة والفلاحة وتربية المواشي.

وفيما حدثنا إياه رئيس مجلس محلي العوجا “ان توّسع الاستيطان الزراعي والتضييق على سكان البلدة وعدم السماح للأهالي البناء على أراضيهم أو التوسع العمراني لديهم وإخطارات الهدم بحق منازل الفلسطينيين هناك أدى إلى تراجع أعداد السكان في القرية “ما يقارب 18 ألف نسمة عام 1967 إلى نحو خمسة آلاف في ايامنا هذه أيضاً أضاف أن تقليص مساحة الأراضي المسموح فيها بالبناء إلى أربعة آلاف دونم من مساحة القرية الإجمالية البالغة “نحو 106 آلاف دونم” كل هذه عوامل مهجرة للسكان وأدت إلى تراجع أعدادهم في هذه المناطق.

ومن هنااك انتقلنا إلى قرية أخرى تحاصرها المشاكل وتواجهها مخاطرٌ عِدَّه ألا وهي قرية الجفتلك، قصة أخرى ومعاناة أخرى منها إخطاراتٌ لهدمِ المنازل وهدمٌ موثقٌ لمنازلٍ فوق أراضٍ مسجلة ومملوكة بـ”الطابو” وبعد الهدم يبقى الإصرار على البقاء والثبات في الأرض يعود ملاك الأرض بخيام لا تمنع البرد ولا تخفف أشعة الشمس إلا أنها تقوم بالستر وتعزز أحقيتهم في الأرض والتراب والحجر، ويأتيكَ أطفالٌ بثيابٍ ساتره، حفاةٌ يبتسمون في وجهكَ حينما تراهم، براءةٌ تنبع من داخلهم يخلقون البسمة من لا شيء، لكنهم وللأسف لا يستطيعون إكمال دراستهم الإعدادية لبعد مسافة المدرسة عن مكان سكنهم، سأل زملائي المدونون بعض الأطفال منهن من تقول بعد سؤالها عن حلمها في المستقبل “بدي أصير دكتورة بس أكبر بس إحنا ما بنكمل مدرسة بنوصل الصف الثامن وخلص، ليش ؟ .. عشان المدرسة بعيدة كثير عن بيتنا” ومنهم من يقول “بس أكبر بدي أصير في الجيش” الله أعلم عن أي جيش يقصد جيشنا الفلسطيني أو العربي غير الموجود أم جيش العدو الصهيوني الإسرائيلي، (هنا مأساة – وهنا بسمة) وما بين هذا وذاك رواياتٌ تحكى وتحكى وتحكى، نهاياتها مالانهاية ترسمها بسماتُ أطفال تلك الأغوار ويبقى أملٌ بالفرج القريب، بكرامةٍ وإنسانيةِ الشعب وشبه الحكومة.

إنتقالات وإنتقالات من هنا إلى هناك وصولاً إلى قرية الزبيدات الجميلة بمطلاتها الخلابة وأهلها الطيبين الذين استقبلونا خير إستقبال، قرية الزبيدات نشأت بعد اللجوء إليها من مدينة بئر السبع في عام 1948م وكل من يسكنها هم مهجرين، سميت القرية بالزبيدات نسبة إلى عشيرة الزبيدات التي كان مسقط رأسها في بئر السبع، ومن اللحظة الأولى التي هجر منها أهل هذه القرية وهم في تحدي ومخاطر جَمَّه، يعانون معاناة شديدة من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلي فإن الأغوار مستهدفة إستهدافاً خاصة لمواردها الطبيعية من مياه ومساحات أراضيها الشاسعة، أيضاً الأغوار منطقة حدودية بين فلسطين والأردن، إضافة إلى ذلك إتفاقية أوسلو التي أقر من خلالها تقسيم الأراضي إلى A,B,C أدى إلى زيادة المعاناة لأهل وسكان الأغوار ونرى في قرية الزبيدات أكبر دليل على ذلك وهو إرسال إخطارات لقلع أشجار وعدم السماح لهم بالتوسع والبناء وكل هذا لسبب أن الأرض واقعة في منطقة C والتي خارجة عن السيطرة الفلسطينية حسب ما نُصَّ في الإتفاقية اللعينة، أهل القرية يعيشون على الزراعة وتربية المواشي حالهم حال كافة المناطق في الأغوار الفلسطينية المحتلة.

قرية المالح وما أدراك ما المالح فهل يعقل ونحن الآن في القرن الواحد والعشرين الغالبية العظمة من أهل هذه القرية لا يستطيعون العيش إلا في بيوت “الخيش” وبيوت من “الشعر” هل يعقل أن نكون في القرن الواحد والعشرين ويكون هناك عائلة لا يصلها الكهرباء وكذلك المياة، هل يعقل أن نكون في القرن الواحد والعشرين ولا يوجد في هذه القرية أدنى مقومات الحياة لا مسكن ولا مشرب ولا كهرباء ولا ولا ولا ولا وهنا تبدأ الحكاية وبأقلامنا إنطلقت “حافلة المدونين #BlogBus” ليسكت الكلام وتبدأ المشاهدة.