شبكة قدس الإخبارية

مصر تهدّد وحماس لا تقيم وزناً

عروبة عثمان

أخرجت السلطات المصرية الحالية عصاها، وانهالت بتهديداتها على ابنة جماعة الإخوان المسلمين بغزة. التلميح لم يعد يشفي غليلها- البتّة- من حركةٍ تتحسّس خطورة عدم الإجهاز عليها، الأمر الذي دعاها إلى إلقاء تهديداتها علناً دون أي مواربةٍ، وذلك على ألسنة مسؤوليها الأمنيين، فحركة "حماس" - كما يعلنون - هي المحطة القادمة لمصر، بعد أن نجحت في سحق الإخوان وإدراجها على لائحة الإرهاب. وبمقتضى التقرير الذي نشرته "رويترز" نقلاً عن المسؤولين المصريين، فستحبك مصر خلال السنوات القادمة خطتها للقضاء على بذرة حماس، بالتواطؤ مع خصومها السياسيين، وعلى رأسهم حركة "فتح" وبعض الجماعات المسلحة الجهادية التي تتبنّى قراراً مستقلّاً بفتح جبهةٍ للقتال، عبر تكثيف إطلاقها للصواريخ على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الآونة الأخيرة.

وتتصاعد وتيرة التهديدات المصرية لـ"حماس"، في الوقت الذي يلوّح الاحتلال الإسرائيلي ببدء العدّ التنازلي لمواجهة قريبة مع حماس ومختلفة تماماً عن سابقاتها، وخصوصاً في ظل شحّ إمدادات السلاح الخارجيّة واعتمادها على لحمها الحي عسكريّاً، وتبدّل رأس النظام المصري المساند لها بآخر يوفّر الغطاء اللازم لقرع طبول الحرب ضدّ غزة، وذلك بعد ما كشفت تقارير استخباراتية النقاب عن نموّ التعاون بين الجيشين المصري والإسرائيلي بأعلى مستوياته التشغيلية لتحقيق هدفهما المشترك والمتمثّل في إزاحة "حماس" عن الحكم، وتجفيف منابع مقاومتها، غير أن كثيرين يرون أن الاحتلال يضغط بورقة الحرب على غزة، ويساهم في تآكل اتفاق التهدئة المبرم بينه وبين فصائل المقاومة عقب "حجارة السجيل" من أجل التهرّب من المفاوضات وتأجيل جولات كيري إلى المنطقة.

ورغم مضيّ الطرفين الإسرائيلي والمصري قدماً في إنهاك "حماس" لإيصالها إلى نقطة التسليم ورفع رايتها البيضاء عبر محاولة الطرف الأول استنزاف قدرات المقاومة وإيقاعها بفخاخه بجرّها نحو مواجهة موسّعة معه بعد ما عمد إلى اتساع رقعة غاراته الجوية على القطاع، وتدمير الطرف الثاني أكثر من 1200 نفق وتضييق الخناق على القطاع حدّ الانفجار، إلا أن كلاً منهما يدرك أن طريق إسقاط "حماس" محفوف بالمصاعب والعثرات، كون الحركة تحكم قبضتها على غزة، وتعتمد بالدرجة الأولى على جيشها القسامي الذي يحتضن أكثر من 20 ألف مقاتل ويطوّر من صواريخه بعيدة المدى، وذلك بدليل قطعه الطريق على حركة "تمرد" الفلسطينية التي لجأت لعسكر مصر وبايعتهم ليكونوا بمثابة الأب الروحي لهم، لتصبح دعوة العسكر للنشطاء المناوئين للحكم الحمساوي بغزة لتنظيم احتجاجات مماثلة لحركة تمرد المصرية التي أسقطت الإخوان عن عرش الحكم، وذلك في 21 آذار المقبل صعبة التطبيق. وتلعب مصر على وتر حاجة الغزيين لمتطلبات الحياة الأساسية لتنطلق منها الشرارة الأولى للثورة على حماس، بقولها: "كل ما يريده الناس هو الطعام والشراب وأن تتوفر لهم حياة كريمة. وإذا لم تتمكن حكومةٌ سواء كانت مسلحة أم لا من توفير ذلك، فإن الناس ستثور عليها في نهاية الأمر".

وفي المقابل، لا تقيم "حماس" وزناً للتهديدات المصرية بسحقها، مرتكزةً على الالتفاف الشعبي حولها، فيقول القيادي الحمساوي يحيى موسى لـ"شبكة قدس": "الحديث عن أن حماس هي المحطة التالية لمصر لضمان التحرّر من إرهاب الإخوان بشكل كامل يعبّر عن حالة من الجنون وغياب الوعي القومي والردّة على كل التاريخ والمفاهيم الراسخة عند قادة الانقلاب في مصر.هذه التصريحات تؤكد أن هؤلاء القادة شربوا من نهر الجنون، كما توحي بغباء واضح وأحقاد عميقة على "حماس".

[caption id="attachment_36987" align="aligncenter" width="405"]النائب يحيى موسى النائب يحيى موسى[/caption]

لكن موسى استدرك مضيفاً: "حينما أقوم ببعض الحسابات المنطقية والعقلانية، أستعبد أن تترجم هذه التصريحات إلى عدوان ضد غزة، كون مصر تعي أن من ينال من حماس، ينال من الشعب بأسره". وأبدى موسى تهكّمه واستهزاءه حيال احتمال ضرب مصر لحماس عسكرياً، متسائلاً: "هل ستلقي مصر مثلاً قنابل ذكيّة على أهل غزة بناءً على انتماءاتهم السياسية؟! وفيما إذا كانت "حماس" ستصدّ أيّ عدوان مصري محتمل، أجاب موسى: "الحركة ليست متخوّفة من هذه الاعتداءات المحتملة. هي ستتصدّى لأي جهةٍ قاتلة إن كانت إسرائيلية أو مصرية"، مؤكّداً أن "من يأتي ليقتلنا، لن نسلم أيدينا له". ودعا إلى رصّ صفوف المقاومة الفلسطينية والتوحّد في الميدان، لمواجهة أي اعتداء مترقب إن كان مصرياً أو إسرائيلياً، وخصوصاً في ظل إيمانه أن الظروف الراهنة مواتية لشن حرب شاملة على القطاع، بحكم معايشة غزة حصاراً شديداً، وعداءً غير مسبوق من "الانقلاب في مصر"، على حد وصفه.

وتوحي المعطيات السابقة أن الحرب على غزة باتت قاب قوسين أو أدنى؛ لكنّ المتتبّعين لما يدور على الجبهة الجنوبية يرون أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ليسا معنيين في عزف لحن الحرب من جديد، فالمشهد في غزة لن يخرج عن كونه مترقّباً بشدة لما ستؤول إليه الأيام القادمة، فيما ستحصر المقاومة نفسها في عمليّة نوعية هنا أو هناك دون أن تفتح باب المواجهة على مصراعيه.