العذابات اليومية، والظروف القاسية التي تفتقد لأدنى متطلبات الحياة الكريمة، التى يحياها اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات، لم تشفع لهم لدى "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا)، فقامت بتقليص الخدمات المقدمة لهم خلال السنوات الأخيرة، لتضاعف معاناتهم، أكثر فأكثر.
الأصل في إنشاء الأمم المتحدة لوكالة "أونروا" أنها تعمل على تقديم الدعم والحماية وكسب التأييد لحوالي 4.7 مليون لاجئ فلسطيني، مسجلين لديها في الأردن، ولبنان، وسوريا، والأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى أن يتم إيجاد حل لمعاناتهم، ويتم تمويل الوكالة بالكامل تقريباً من خلال التبرعات الطوعية، التي تقدمها الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.
لكن خدمات "أونروا" للاجئين تراجعت خلال الشهور القليلة الماضية، حيث قلصت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، المساعدات الغذائية المقدمة لنحو 21 ألف أسرة في غزة، بحسب تصريحات مسؤولين فيها.
كما أوقفت "أونروا" برنامج "البطالة" الذي كان يخدم الآلاف في الأراضي الفلسطينية، وهناك حديث عن قطع المساعدات عن نحو 35 ألف أسرة، بحسب تصريحات سابقة للأناضول أدلى بها رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، سامي العمصي.
وبينما تقول الوكالة الأممية إن السبب وراء تقليص خدماتها هو العجز المالي الذي تعاني منه، فضلا عن تحسن أوضاع آلاف الأسر وانتقالها إلى الفئة غير الفقيرة، غير المستحقة للمساعدات، يشكك مسؤولون فلسطينيون في ذلك.
ويرى هؤلاء أن قرارات أونروا الأخيرة المتعلقة بفصل العشرات من موظفيها العرب والمماطلة في تثبيت عشرات آخرين يأتي في سياق "تنصل" الوكالة الأممية خلال الفترة الأخيرة من خدماتها للاجئين.
ودخل إضراب العاملين العرب المفتوح عن العمل في "وكالة الغوث" دخل شهره الثاني، احتجاجا على عدم تثبيت العشرات منهم، بينما دخل عدد منهم إضرابا مفتوحا عن الطعام، احتجاجا على فصلهم من وظائفهم، وعدم تثبيت عقود عملهم مع الوكالة، رغم مرور 13 عاما لبعضهم في الوظيفة.
وبحسب دائرة شئون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، فقد أقدمت "أونروا" مؤخرا على فصل 56 موظفا، يعملون ضمن برنامج التشغيل الطارئ، منهم من أمضى أكثر من 10 سنوات في عمله.
الموظفون العرب في "أونروا" يشكون من انعدام الحماية لهم حيث يتعرض بعضهم للاعتقال من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدين على حق هؤلاء المعتقلين في العودة لعملهم فور خروجهم من السجن، كما يطالب الموظفون بتحسين شروط التصنيف، والترقيات بالوظائف.
المتحدث باسم العاملين العرب في وكالة الأونروا فريد المسيمي، أشار إلى أن اللاجئين في المخيمات، يأملون أن يفضي الإضراب المستمر، منذ الثاني من ديسمبر/كانون الأول الماضي لنتائج جيدة، قائلا لوكالة الأناضول: "اللاجئون في المخيمات تابعين لجهة دولية، هي (أونروا)، التي تنظر للسلطة الفلسطينية بأنها دولة مضيفة للاجئين، وتحاول أن تلقي بمسئولية اللاجئين عليها، لتتنصل من واجبها تجاهنا، رغم أنها الجهة المسئولة تاريخيا، عن اللاجئين، وعليها أن تلتزم بهذا الواجب".
المسيمي لا يستبعد وجود مؤامرة ضد اللاجئين، قائلا: "منذ أن تم ترحيل اللاجئين من ديارهم عام 1948، والمؤامرة ضدهم مستمرة حتى الآن، ونحن نعتبر أن تقليص خدمات أونروا لهم هو بمثابة مؤامرة عليهم، وكل من ينادي بهذا الأمر فهو متآمر على اللاجئين وقضيتهم".
وطالب المسيمي السلطة الفلسطينية بالوقوف إلى جانب اللاجئين، وتحمل مسئولياتها تجاههم، قائلا: "استمرار الإضراب يعني استمرار تعطل المدارس (التابعة لأونروا في الأراضي الفلسطينية)، وتراكم النفايات في المخيمات، وعدم تمكن المرضى الفقراء، من الحصول على الخدمات الصحية، والوكالة (أونروا)، لا زالت تصر على موقفها بعدم التعاطي مع مطالبنا، نحن نراهن على صمود الموظفين، في الإضراب، لكننا بحاجة لدعم رسمي، ونتطلع لهبة أكبر من الرئاسة الفلسطينية، ولجان الخدمات الشعبية بالمخيمات".
بدوره، قال مسئول دائرة اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر أبو كشك لوكالة الأناضول: "منذ تأسيس أونروا (8 ديسمبر/ كانون أول 1949)، وهناك سياسة واضحة لأمريكا، بتصفية قضية اللاجئين وإنهاء عمل أونروا، ومنذ 3 سنوات طالب الكونجرس الأمريكي، واللوبي الصهيوني بإنهاء عمل الأونروا، وتحميل السلطة مسئولية اللاجئين الفلسطينيين، أمريكا تستغل أنها الممول الأكبر للأونروا، والسلطة الفلسطينية، فتضغط على الأخيرة لتنفيذ شروطها".
وكشف أبو كشك، عن اعتزام اللاجئين الفلسطينيين، تنظيم سلسلة فعاليات شعبية، وجماهيرية خلال الأيام المقبلة، للتنديد بممارسات "الأونروا"، وتقليص خدماتها، وتسريح 56 موظفا، قائلا: "الجماهير الفلسطينية تستطيع أن تفرض قراراتها، وتلزم أونروا بواجبها تجاههم، فدور وكالة الغوث، لا ينتهي إلا بعودة اللاجئين إلى ديارهم، التي هجروا منها عام 1948 (تم تهجير ثلاثة أرباع مليون مواطن فلسطيني استعداد لإعلان دولة إسرائيل)".
أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية عبد الستار قاسم، يعتبر ما يجري هو سياسة للتخلص من اللاجئين الفلسطينيين قائلا للأناضول: "عندما صدر قرار إنشاء الأونروا قبل 65 عاما من الآن كان مخططا لها أن تعمل مدة 30 عاما فقط، على أمل أن يكون الشعب الفلسطيني قد شرد بالكامل، ونسي أرضه ووطنه، لكن هذا لم يحدث، وبعد أن تأسست السلطة الفلسطينية في 13 سبتمبر/أيلول 1993، أصبح العمل بشكل أكبر على تحميلها مسئولية اللاجئين، وتسيير أمور حياتهم".
وتوقع أستاذ العلوم السياسية أن "تستمر أزمة اللاجئين مع وكالة أونروا وتتفاقم خلال العام الجديد (2014)، دون الوصول لحل جذري"، مشيرا إلى "احتمالية توجه أمريكا لدول الخليج لسد الثغرات المادية لأونروا، في ظل انخفاض ميزانية الأمم المتحدة المقدمة لوكالة الغوث بشكل كبير".
ورفض المستشار الإعلامي لوكالة الأونروا عدنان أبو حسنة التعليق للأناضول، مكتفيا بالقول "لدينا تعليمات بعدم الحديث عن الإضراب".
وكالة الأناضول التركية/ لبابة ذوقان