مضى على غيابه تسعة وعشرون عاماً، محطة تلو محطة من الألم عاشتها والدة الأسير المحرر هزاع السعدي، التي لم يغب اسمه عن لسانها فهو الحياة التي تبدأ وتنتهِ به لأنه وحيدها بين ثلاثة شقيقات، أما على صعيد الأسرى فقد احتلّ الأسير المحرر هزاع السعدي المرتبة الثانية في لائحة قدماء الأسرى بمحافظة جنين، وأستني من صفقات التبادل عدة مرات إلى أن نال الفرحة الكبرى بإنتصاره على قيد السجن وظلم السجان.
كثيراً ما كنّا نلتقي عائلة هزاع في خيمة التضامن للأسرى في جنين وخاصة شقيقته التي كانت دائمة التواصل مع التضامنات من أجل أخيها وجميع الأسرى وكذلك الأمر والدته التي نذكر كلماتها التي لطالما رددتها في خيم الاعتصامات: " كل الاهل والاصدقاء حسدوني عندما انجبت هزاع لجماله وربيته بدموع عيني مع والده في منزلنا المتواضع ورسمنا أحلام جميلة لمستقبلة وهو على مقاعد الدراسة ينتقل من صف لآخر ونعّد الأيام لينجح ويلتحق بالجامعة".
في يوم 28-7-1985، كان هزاع طالباً في الصف الحادي عشر، تفصله سنة عن "التوجيهي" لكن تاريخ ٢٨ / ٧ سيبقى التاريخ الذي لن تنساه والدته أبداً، ولدها المطيع المحب لأخواته الثلاث، والطالب المجتهد، اتخذ الوطن ملجأً له .. وكان يحرص على تأدية واجبه الوطني، وبرغم مشاركته في رمي الحجارة ولكن لم تتخيل عائلته يوماً انه سينتزع من حضنها ويغيب عنها دهراً من الزمان وتضيف والدته:" إقتحم جنود الاحتلال منزلنا ليلة ٢٧ يوليو ١٩٨٥، واعتقلوه دون سؤال أو جواب وبعد أشهر من التحقيق والعذاب كانت الصدمة قاسية، حكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة الانتماء لحركة (فتح) وقتل مستوطن إسرائيلي في مدينة العفولة".
ورغم الـ ٢٩ عاما الماضية إلا أن الحكم لم ينل من عزيمة هزاع وإيمانه برسالته وواجبه الوطني، وتقول حكمية شقيقة هزاع : "في البداية بكينا وتألمنا لفقدان أخي الذي كان سندنا وليس الأخ فقط، بل الصديق والأب الحنون، لكن بعد الزيارة الأولى رفع معنوياتنا وزرع الأمل لدينا بأن الحرية ستأتِ، لسنوات انتظرنا هزاع وفي القلب غصه الى أن نال حريته ونلنا الفرحة التي لا توصف".
الأسير المحرر السعدي الذي شارك في محطات النضال وهو خلف القضبان في كل معارك الحركة الأسيرة وخاض الأضرابات ويعتبر أحد عمداء أسرى مدينة جنين المحتلة يقول "رغم كل أيام الألم والحزن التي لم تتوقف في الأسر وتنقلي المستمر بين السجون، فإن أكثر الأيام واللحظات صعوبة عندما أصبحت والدتي عاجزة عن زيارتي وليس لديها سوى الصلاة والدعاء، كنت أعيش على أمل ألا يكون مصيرها كوالدنا الذي دفع غالياً ثمن اعتقالي، وأشكر الله الذي كرمني بالصبر والقوة والعزيمة رغم أوجاع والدتي ومرضها حزناً على فراقي و الذي لم يبقى سجن الا وزارتني فيه"، وتذكر والدته أن أكثر ما آلمها منذ سنوات عدم تمكنها من الزيارة، حيث لم تتمكن من رؤيته وزيارة، وفقدت قدرتها على التنقل بين الحواجز والسجون.
السعدي رغم تعبه لم ينسَ من تركهم خلفة مجبراً في سجون الاحتلال، ولم ينسَ آخر لحظات لإنتظار الحرية، ولا كيف اضطر لوداع الأسير أبو عوض من قباطيا الذي ألغى الاحتلال اسمه من قائمة الإفراجات في آخر لحظة، بحسب السعدي.
قبل أن نودعه طالبنا بزيادة التضامن الفعلي الميداني والإعلامي الجاد للأسرى و ناشد الأسير المحرر هزاع السعدي كل المؤسسات الدولية والقيادة الفلسطينية من أجل نشر قضية الأسرى عالمياً وفضح ممارسات الاحتلال التي طال قمعها الظالم السجون في الفترة الاخيرة وما قامت به وحدات اليماز المجرمة التي سببت الكثير من الإهانات للأسرى في عدة سجون ومن الجدير ذكره أن السعدي كان من ضمن الذين تعرضوا للأذى في سجن جلبوع من انتهاك على يد هذه الوحدات.