شبكة قدس الإخبارية

المُحرر أبو صايل وأحلام الفلسطيني

لارا يحيى
لقد ولدت الثورة الفلسطينية، العديد من الفلسطينيين الذين سعوا ليقدموا كل شيء لأجلها ولم يبخلوا بذلك، ومنهم من ضحى بسنوات عزه في سجون المحتل لأجل ترابها، أحدهم كان الأسير المحرر عزيز عمرو الشهير بأبو صايل والذي ولد بتاريخ ٢٢/ ١٠/ ١٩٦٦ في مدينة الخليل المحتلة، وعاش فيها، عاش أول أربعة أعوام من عمره وهو لا يعرف أباه .. كان يعتقد أن شقيقة الأكبر الأسير محمود عمرو "أبو طالب" هو أباه .. وبعد أن خرج والده واحتضنه صُدم عزيز بأن هذا الغائب هو والده. في الثامنة عشر من عمره توفيت والدته كان عزيز حينها منخرطاً بالعمل الفدائي، بشكلٍ غير مباشر، في عمر الخامسة عشر اعتقلت قوات الاحتلال زوج شقيقته، شاهد دمعات والدة زوجها، ودمعاتها تسيل أمامه والاحتلال ينسف منزله بالكامل، ويطردهم خارجه، إستشهد إبن عمه وإبن أخيه وهو يعد الشهداء والأسرى من حوله.. نمى بداخله كرهه للاحتلال الذي يتعمد سرقة الفرح من أعين الفلسطيني… أكمل دراسته الثانوية في مدرسة طارق بن زياد الثانوية للبنين، وفي العام ١٩٨٨ أعتقل للمرة الأولى، قضى ٥ أشهر في السجن لا تنسى، لم يكن الأمر صعباً للغاية عليه، لقد كان أمراً متوقعاً ولديه خلفية عميقة عن وضع التحقيق والسجون.. لقد كانت تجربة ستأتِ حتماً، إلا أنها لم تكن تلك التجربة الجميلة.. على حد تعبيره، أمضى أبو صايل ما مجموعة ١٥ عاماً في سجون الاحتلال قضى معظمها متنقلاً بين السجون ٩ مرات كانت حصيلته الوطنية. زواج الصُدفة تزوج شقيقة صديقه الشهيد عماد الديك إثر إصرار الأخير على ذلك، في عام ١٩٩٨، في موقفٍ طريف بعمر الثالثة والثلاثين.. طرح عماد فكرة أن يخطب عزيز شقيقته، وسخر عزيز من الفكرة قائلاً "أنا ختيرت لا أمل في أن يزوجني أحدهم".. إستغل عماد الموقف وإتصل بوالده قائلاً عندي عريس لشقيقتي "صفاء".. وتم النصيب، تأخر عزيز في الزواج لأنه كان يخشى أن ينال الشهادة ويربط "بنت الناس، به ليشحططها" على حد تعبيرة.. إضافة لكونه قضى عدة أشهر متقطعة في الإعتقال بالإنتفاضة الأولى. ورغم أن صديقه واعده أن بزوجه إياها وأن عليه أن "يعقل" وينجب الأطفال.. فكر عزيز كثيراً قبل أن يخطب زوجته وحب حياته "صفاء"، وكان الهدوء النسبي يحتل الشوارع الفلسطينية بعد توقيع إتفاقية اوسلو.. وعليه .. اقتنع عزيز وقرر أن يتزوج، فما كان من الاحتلال إلا أن إعتقله بعد زفافه بعامين، وهو يحلم بأن ينجب صايل ليسميه على اسم الشهيد سعد صايل "أبو الوليد". ورغم صعوبة تحقيق الحلم اليوم، إلا أن أبو صايل إعتبر أن الزوجة التي انتظرته ١٢ عاماً من حقها عليه أن تبقى هي سيدة عالمة، ولن يقبل أبداً أن يشاركها بأخرى. حكاية الإعتقال كان عزيز أحد أفراد مجموعة كتائب الشهيد مروان زلوم، قائد كتائب شهداء الأقصى في الخليل الشهير بأبو سجى وكان بمثابة الأخ الأكبر له، وهو من ساعد شقيق عزيز الأكبر محمود بتنفيذ عملياته الكثيرة ضد المُحتل، وهو من عمل على تسليمه اللغم الذي كان السبب باعتقاله.. في بداية الإنتفاضة الثانية، إعتبر أبو صايل أن الانتفاضة عارض سياسي سينتهي على السريع، وبعد شهرين أدرك أن الوضع يقوده الانفجار، أثار مشهد قتل محمد الدرة بغزة تحركت الدماء داخله، وأعلن أنه ضد إطلاق النيران من بين المنازل، وقرر زرع عبوه على الشارع الخارجي الذي يربط مستوطنات الخليل ببعضها جنوبي محافظة الخليل المحتلة، وبتاريخ ٢٨ / ١١ / ٢٠٠٠ توجه أبو صايل وإبن أخيه، والشهيد سعد صايل إلى المنطقة لزرع العبوة، وأثناء محاولته زرع العبوة إنفجرت به إثر خلل فني بتصنيعها، وبعد انفجارها تعلق على قارمة في الشارع، حاول إبن أخيه الذي كان يرافقه انقاذه وجاء الجيش، وظنوا أنه إستشهد فخرج من المكان مسرعاً ومبلغاً ذويه بإستشهادة..!، لكن الحقيقة أن إنفجار اللغم أسفر عن بتر يد عزيز اليمنى، و١٤ شظية لا زالت موجودة في رأسه حتى اليوم، ومشكلة بالسمع في أذنه اليمنى، وانخفضت الرؤيا بعينه اليمنى لأقل من ١٠٪. بقي أبو صايل أربع أيام في غيبوبة بمستشفى سوروكا الاحتلالي، ليستقبله ضابط المخابرات بإبتسامه وقال: "الحمد لله على سلامتك" أجابه ساخراً : "الله يسلمك" فسأله : " هل تذكر ما حدث معكً؟" أجابه بالنفي فأجابه أنه إعتقل رفاقه في العملية وأنهم إعترفوا عليه.. وهدده بالقتل العمد إن لم يعترف بزرع العبوة، وقال بالحرف" كل الناس بالخارج يعتقدون أنك مًت .. إعترف وإلا سيكون الموت مصيرك"..! حينها أدرك أبو صايل أن التهمة ثابته عليه لا محالة وقرر الإعتراف ونال حكماً بالسجن لـ ١٢ عاماً، قضاها في سجون الاحتلال إلى أن خرج بتاريخ ٢٨ / ١١ / ٢٠١٢. نقل أبو صايل بعد أسبوعٍ واحد من إعتقاله إلى مركز التحقيق، وكانت فترة التحقيق قاسية على جسد أبو صايل نام لياليه وهو ينزف الدم في زنازين التحقيق كونه يعاني من قُطبٍ حديدة في جانب رأسه الأيمن، ويدٍ مبتورة تؤلمه كلما تقلب على جانبه الأيمن، نتيجة لإنفجار العبوة، العناية الطبية لم تزد الأمر إلا سوءاً كون الدواء الوحيد هو علاج الجروح باليود.. غذاؤه الوحيد كان "اللًّبنة، والشوكولاته الذائبة" كون فكه المكسور لا يعينه على تناول الطعام، مما أدى لإصابته بتسوس في أسنانه، وأضرب لثلاثة أيام حتى أجبر إدارة سجن عسقلان على نقله لعيادة الأسنان التي لم يستفد منها شيء سوى نصيحة بالمضمضة.. تنقل عزيز بين عدة سجون مختلفة، منها عسقلان حيث قضى تحقيقه ومن ثم إلى سجنه ومنه إلى "إيشل" في بئر السبع المحتلة، ومنها نقل إلى سجن نفحة حيث يقبع أبناء إخوته السبع في إحدى غرف نفحة لست سنوات، لينقل بعدها إلى سجن النقب، بعد أن نال من الدلال الكثير من أبناء أخيه وإبن عمه، ونقل صوب ريمون ونال الحرية منه. فيديو لحكاية الاعتقال:   أصعب مواقف الأسر، وأجملها تلقى عزيز خبر استشهاد نَسيبة شقيق زوجته صفاء " الشهيد عماد الديك" في ١٥ / ٨ / ٢٠٠١ أي بعد عامٍ واحد على إعتقاله، عبر إذاعة محلية في سجنه.. صُدم عزيز وبكاه وهو بعيد.. عزى نفسه بأن هذا كان مطلب عماد. فترة صفقة شاليط كانت أيام أبو صايل في النقب، ورغم أنه لم يكن ليأمل أن يدرج اسمه ضمن المفرج عنهم، إلا أن الفرح إعتراه حينما خرج عدد من الأسرى القدامى والأسيرات، وهو يتذكر أن أصحاب المحكوميات العالية أحق منه بالحرية اليوم.

78

 ما بعد الحرية..! أمنية وحيدة اليوم تدور في بال عزيز، يريد طفلاً صغيراً يملؤ حياته الباقية، وفي ظل عدم صرف مخصصات الأسرى من الحكومة الفلسطينية، اضطر عزيز لإقتراض المبلغ لعملية زراعة في مركز "رزان"، مع دعمٍ من اللجان الشعبية لدعم الأسرى.. حتى يحاول الحصول على طفل، وللأسف لم تَنجح العملية. يعيش كما باقي الأسرى المحررين، على راتب بطاله للأسرى ٢٠٠٠ شيقل فقط، وهو لا يستطيع مزاولة مهنة أخرى كون يده اليمنىى مقطوعة، مستهجناً ما أسماه بأسلوب البهدلة الذي تعتمده السلطة الوطنية تجاه الأسرى المحررين وكأنهم وجود ليبهدلوا.. ، وقال : " لا نريد أن نشبه نفسنا بجلعاد شاليط والتحرك الاسرائيلي اتجاهه" لكن أنظروا الفرق بالمعاملة، والدلال حتى,, لقد هدد العديد من الأسرى المحررين بحرق أنفسهم.. الراتب الذي تقدمه الوزارة لا يكفي قوت يومه. وحين سألناه انت عملت لأجل فلسطين فلماذا تطالب السلطة بالنقود، قال أبو صايل أن وزراة الأسرى "تشحد" على الأسرى ولا يجوز أن "يشحدوا" علينا ولا يعطونا حقنا.. أقول لا نريد حقنا لكن "فهمونا أين تذهب النقود"، والأصوات التي تتعالى لتخفيض معاشات الأسرى ستعلوا عليهم أصوات الأسرى وتوقفهم، منحة الرئيس لم تصرف حتى اليوم، ومنحة الحياة الكريمة يطالبوا بتخفيضها.. أين يتوجب على الأسرى أن يذهبوا؟! فلسطين للفلسطينيين جميعاً واجب علي انا وعلى كل انسان ان يدافع عن أرضه "فلسطين" أن يحاول على الأقل، الأسرى جميعاً قدموا لأجل فلسطين لذا على الدولة الفلسطينية والمقاومة أن تعمل على تحريرهم، خاصة الأسرى القدامى حتة شاورن بدمويته قال أن من قضى نحو ٢٠ عاماً نال عقابة والحرية حقة، من ساهم بالإفراج عن أسير فقد أحيا الأمة جميعها، الأسير لم يسعَ يوماً لأجل نفسه.. فيما استهجن عمرو التعامل السيء من السلطة الوطنية مع الأسرى، معتبراً أن عيشة السجن ليست فندق خمس نجوم وحتى لو كانت فندق خمس نجوم فحرمان الحرية لا يقدر بثمن، وعليه يجب أن تضع السلطة تحرير الأسرى نصب أعينها. صور: مصعب شاور. ساهم في إعداده: أحمد فرج الله.