يمكننا أن نفخر أن العمل المقاوم دخل في مرحلة جديدة منذ الإضرابات الفردية الناجحة في السجون الإسرائيلية، تلك التي أربكت حسابات "إسرائيل" خاصة بعدما ظنت أن شاليط بخروجه سيتم إغلاق ملف الأسرى لمدة طويلة.
ما حدث من عمليات فردية، وما سيحدث مستقبلا هو استمرار لهذا العمل اللامركزي القائم على فكرة المقاومة الفردية، وهو نمط جديد بالعموم مقارنة بحجم الدراسات والتحركات التي تركزت منذ سنوات طويلة على العمل الجماعي المقاوم، خاصة تلك التي تتبناها الأحزاب والجماعات التنظيمية المقاومة.
الشيء المؤكد أن "إسرائيل" اليوم دخلت في حالة جهل لا مثيل له، فهي تكتشف أن تلك الدراسات التي قامت بها باتت مركونة على الرفوف لا فائدة ترجى منها إن تطورت لا مركزية العمل المقاوم أكثر فأكثر، فعدوها الفلسطيني لم يعد يفكر بتلك العقلية التي يريده هو أن يفكر فيها، ولا ذلك الشكل الذي بات مكشوفا في معظم الأحيان لجهاته الأمنية.
يحدث في فلسطين اليوم أن الفرد المقاوم يثبت نفسه بقوة، بشيء من التدريب الفردي والحركة السريعة والاختيار الدقيق، يتحرك دون أي ثقل أو عائق، أو حتى أوامر قد ترهق تفكيره. كل ما عليه هو اقتناص هدف مناسب من تلك الأهداف الكثيرة التي يراها في حركته اليومية العادية، ومن ثم يختار أحدها، ويحدد الوقت المناسب ويعود لبيته ويتناول العشاء مع زوجته وأولاده!
ما يميز العمل اللامركزي في المقاومة أنه عبارة عن فكرة تنتشر بسرعه معلنة عن نفسها في كل مرّة بشكل ولون جديد. ما يميزها أكثر أنها لا ترتبط بجسم قد يُضرب فتتوقف حركته، بل هي أجسام صغيرة أشبه بجسيمات صغيرة لا تلتقطها أجهزة الاستشعار الأمنية الدقيقة تماما كالقبة الحديدية التي واجهت صعوبات كثيرة في اعتراض صواريخ مداها 20 كيلو!
إنها اذا لغة المقاوم الذي يؤمن بالقوة على طريقته، قوة القنص أو البلدوزر، سرعة الاقتحام وفن الاختباء، إنها رام الله عاصمة السلام تدوي فيها صرخات مقاومة الظلم من جديد.
أرقب في عيني تلك المجموعات التي تنتظر الأوامر لتنفيذ عمليات نوعية ضد المحتل غِيرة من هذه العمليات غير المرتبطة بالأوضاع السياسية وتعقيد الأقليم، إنها حرية المقاوم من جهتين، حر مع نفسه، وحر في اختيار عدوه وقنصه، إنها حرية المقاومة بأبهى صورها.
إحدى أكثر الصدمات التي أتخيلها أصابت "إسرائيل" هي نجاح أي عملية جديدة، فهذا يعني تبشيرا بالفكرة وتقليدا لها، لكن بمسحة فنية آخرى لا يتوقعها العدو. النجاح معدي ..خاصة لدى التواقين للتحدي. مرحلة جديدة ، سيُؤرخ فيها للمقاوم الفرد اللامركزي ذاك الذي عرف أن سر المهنة يكمن في التحرر من قيود التفكير وابتكار طرق ووسائل جديدة.
ولا أنسى أخيرا أن هذه العمليات ستتقاطر عليها جهات التبني، تلك الجهات التي تعشق البيانات وتحب زخرفة الكلمات على الورق، وحسنبا أن المقاوم اللامركزي مدرك لأبعاد هذا الموضوع، فلا يهمه أن يعلن عن نفسه ، بل يسعى لأن تتضارب الجهات في تبني ما يقوم به، ليبقى فعله مُسطّرا في التاريخ، وتذهب تلك البيانات أدراج الرياح.
لقد جلبت "إسرائيل" ما يزيد عن مليون مهاجر مغتصب لفلسطين طوال فترة التسعينات من القرن الماضي، لكنها لم تتوقع أن بندقية القنص روسية الصنع ستدخل خِلسة لتعلمهم أن الهجرة التي تؤسس نفسها على الاغتصاب لن تمر بسهولة.