تقرير: ميس الشافعي وأحمد فرج الله
سهام وخالها ابراهيم حكاية الوجع والشوق للأسرى
"أنا حياتي كلها متعلقة بإبراهيم ومن أنا طفلة عندي أمل وبحلم باليوم الذي سيخرج فيه خالي "كانت هذه بداية حديث سهام إبنة لطيفة المعروفة بأم أحمد وهي شقيقة عميد أسرى مدينة نابلس المحتلة، الأسير إبراهيم الطقطوق صاحب عملية "الساقوف" التي شهدتها مدينة نابلس عام ١٩٨٧ واسفرت عن مقتل جندي واصابة اثنين آخرين.
سهام ابنة العشرين عاماً التي كبرت ولا زال خالها يقضي سنين عمره خلف القضبان عندما تسمعها وهي تحدث عن ابراهيم تشعر للحظات أن إبراهيم محور الحوار حر ويعيش بين أفراد أسرته، يقبل جبينها صباحاً.. ويعود محملاً بالكنافة والسعادة مساءً.. يحتضنها ويدللها .. فهي "الغالية" التي لا تكاد جلسة واحدة من جلساتها تخلو من ذكره إن لم يكن هو أساس الحديث تعرف ماذا يحب وماذا يكره تحفظ صفاته كما تحفظ تقاطيع وجهه المحفورة في مخيلتها رغم أنها لم تراه وجهاً لوجه منذ أن كانت طفلة بالسابعة من عمرها حين اصطحبتها جدتها لسجن المقاطعة في نابلس أثناء إحدى الزيارات، وكل ما يربطها به صوته المتعب الذي يجيء مع الفجر أحياناً.. وصوراً مهربه من سجنه… تروي حكايته وحكايتها معه لشبكة قدس.
الأسير الطقطوق وفقدانه لعينه اليمنى
مع إندلاع الانتفاضة الأولى عام بدء الانتفاضة الأولى وأول أيامها، ثار إبراهيم مع من ثار ورشق دوريات المحتل بالحجارة وأشعل النيران ورفع العلم الفلسطيني وارتدى الكوفية وتلثم بها، محاولاً إخفاء نفسه كما تعرض إبراهيم للإصابة بالأعيرة النارية ست مرات متتالية دون أن تستطيع هذه الرصاصات من أن توهن عزيمته أو تمنعه عن مواصلة النضال فاستمر بمقاومة المحتل وهو طفل صغير، بعد عامين ونيف تقريباً، أصبح البطل الصغير شبه مطارد كمعظم أقران جيله، جاء الجيش إلى بيتهم مقتحماً وتوعد أهله بقتله ما لم يسلم نفسه، تتذكر سهام رواية والدتها وانفعال جدتها لحظة وصوله، وكأنها شهدت الأمر .. رغم أنها تعرفه بالروية الشفوية فقط، بعد يومان فقط، جاء خبر الطقطوق إلى والدته، لقد اصيب في عينه من مسافة قريبة.. لقد كان الهدف تصفيته.
تقول سهام: "استدرجه الجنود في أزقة ابيلدة القديم من خلال كمين نصب له ، بتاريخ ١٥ / ١١ / ١٩٨٨ أصيب اصابة كانت كفيلة بإستشهاده لكن رحمة الله حالت دون ذلك القديمة، ، أو هكذا ظن عدوه على الأقل وصل إبراهيم مشفى الإتحاد في المدينة مضرجاً بدمائه يعاني نزيف حاد في الوجه حتى أن الأطباء للوهلة الأولى لم يستطيعوا أن يحددوا مكان النزيف، لقد كانت عينه إذاً.. الرصاصة الموجودة حتى اليوم في رأسه، حتى بعد أن اسئصلت عينه حيث لا تزال موجودة في الوجه حتى اليوم وتخرج على شكل قطع صغيره يلفظها جسده المتعب المشتاق".
الانتقام، لعينه التي يرى فيها الوطن
في يوم جمعة بعد صلاة العصر في شهر ايار عام 1989، منع جيش الإحتلال الاسرائيلي التجوال على أهالي مدينة نابلس، وشاعت الأخبار بمقتل عدة جنود في عملية كبيرة أمام بوابة البيك وسميت لاحقاً عملية "الساقوف" نسبة إلى الحجر الكبير المسمى محلياً بالساقوف، انتظر إبراهيم بهدوء مرور مجموعة من جنود الاحتلال وألقى عليهم "الساقوف" بمساعدة صديقة ورفيقة بالعملية المحرر سمير النعنيش، حتى أصاب أحدهم وخر صريعاً مضرجاً بالدماء، فيما أصيب الآخر بشظايا الحجر، فما كان من باقي المجموعة إلا أن شرعت بإطلاق النيران العشوائية، فر إبراهيم وصديقة سمير النعنيش من المكان.. وما طال الأمر بدأت عملية المطاردة بعد أن نفذ الاثنين عمليتهما.. أحد عشر يوماً كانت الفاصل الزمني بين الاعتقال والعملية، اعتقل إبراهيم أول في الثالث من أيار، ثم لحقه سمير.. لقد كان زميل النضال وأصبح زميل الأسر.. إلى أن نال حريته في الدفعة الأولى من صفقة الافراج مقابل المفاوضات هذا العام.
[caption id="attachment_30427" align="aligncenter" width="418"] صورة قديمة للأسير[/caption]أين هي سهام في هذه الحكاية التي بدأت فصولها قبل أن تعي هي الحياة؟
حتى وإن كانت في السابعة حين اعتقل، فهذا لا يعني شيء اليوم، فقد كان لسهام دور بارز بعودة اسمه -"الذي غيب قسراً بسبب تقصير الجهات الرسمية حسبما قالت"- من جديد بين ابناء مدينته وشعبه حيث لا يوجد برنامج اذاعي إلا وتشارك فيه وتبعث له الرسائل الكلامية والسلامات علها تصله وتخفف لو القليل من كمية الشوق له بداخلها، أما عن نقلها لقضيته وإيصال رسالته وزملاءه الأسرى فقد أنشأت سهام صفحة حملت إسمه لإيصال قضيته ورسالته والأسرى جميعاً للفلسطينيين جميعهم، وأسمت الصفحة باسمه "عميد أسرى نابلس إبراهيم الطقطوق".
قالت سهام : "أنا أدرك تماماً أن ثمة تقصير إعلامي بحق هؤلاء الأبطال، أحاول جاهدة نقل معاناة إبراهيم ورفاقه للعالم أجمع، وإعلاء صوت قضيتهم العادلة".
خطبة من وراء القضبان
واجه إبراهيم حكماُ بالمؤبد، ومضت ٢٤ عاماً.. لم تزره فيها سهام إلا مرة واحدة.. كانت كافية لتجعله شغفها، وتسمح له بإقناعها بشريك حياة محكوم بالسجن ١٤ عاماً.. مضى منها ١٢ عاماً.
لم تقف حكاية سهام وحبها لخالها إلى حد التعريف والسعي لأجله، فتعلقها بإبراهيم وبحياة الأسرى كان لها الدور الكبير في رسم معالم حياة سهام العاطفية، فكتب أن إرتبطت بالأسير مروان محمود محمد سليم من بلدة عزون عتمة في قلقيلة المحتلة الذي لايزال لغاية اللحظة يقبع في سجون الإحتلال ويتبقى له من حكمه ما يقارب الثلاث سنوات ويكبرها بإثني عشر عام، نعم قبلت التحدي، وأقنعت ذويها به ارتبطت بمروان ولم تعرف عنه سوى إسمه وسمعته الطيبة ومدح إبراهيم -" الأب الروحي لها، كما وصفته"- لمروان.
قُرأت فاتحتها منذ أسابيع، و سهام الآن تنتظر خروج الوكالة من داخل السجن لاتمام عملية الارتباط بشكل شرعي وقانوني حتى يتسنى لها زيارته داخل السجن والالتقاء به عن قرب، أو بالأحرى من خلف زجاج.. إلا أنها ترى فيه فرحتها، سعادتها، ومصدر الغد الأفضل… عامان يفصلانها عن رؤيته وجهاً لوجه، وربما أقل من ٢٠ يوما ُ هي ما تفصلها عن رؤية إبراهيم أيضاً.
حكاية العشرين يوماً
بدأ العداد التنازلي، إقترب موعد الدفعة الثانية من الأسرى القدامى ومن الممكن أن يكون إبراهيم واحد منهم، وعدت "اسرائيل" بالفراج عن ١٠٤ أسير من أسرى ما قبل أوسلو مقابل المفاوضات "الفلسطينية-الاسرائيلية" كانت مصلحة السجون قد أبلغت إبراهيم قبل الإفراج عن الدفعة الأولى بأنه أحد المقرر الإفراج عنهم، انتظرت الأسرة بشوق أن يكون في الدفعة الأولى، وسهام المشتاقة اليوم تعد الأيام بصبرٍ نافذ على صفحة الفيس بوك آنفة الذكر، عن التوقعات والفرحة المرتقبة قالت سهام: " لدينا أمل كبير بأن يكون في هذه الدفعة، رتبنا سريره، وبدأنا بالبحث عن عروس، كل شي جاهز حتى الحلوى، الفرحة، والزغاريد .. الأهازيج.. نحن ننتظر بخوف وحب كبير".
وأضافت : " الأمر أشبه بالإعداد للعرس، خططنا بالضبط مِن مَن سنجلب زفة الاستقبال، أحضرنا المزيد من الفرشات لمن أراد النوم عندنا، هذه ليست المرة الأولى التي يتصاعد فيها الأمل بداخلنا.. لكننا نأمل ألا نخذل".
من هو إبراهيم الطقطوق؟
ولد في 5/1/1971، حينما اعتقل كان يبلغ فقط ١٨ عاماً، نفذ عملية برفقة سمير النعنيش من نابلس/ عرفت بإسم الساقوف/، ونسفت قوات الاحتلال منزل ذويه في البلدة القديمة على اثرها، خسر عينه نتيجة مواجه بالحجارة مع قوات الاحتلال، محكوم بالمؤبد، وهو عميد أسرى نابلس، عمره الآن ٤٢ عاماً، وكان رفيقة النعنيش نال حريته في الدفعة الأولى من الافراجات مقابل المفاوضات.
ساهم في إعداد التقرير: اسراء السخل، ولارا يحيى