شبكة قدس الإخبارية

"التدريب العسكريّ" منتج جديد تسوّقه "إسرائيل" حول العالم

هيئة التحرير

ماذا يفعل الجنديّ الإسرائيلي المقاتل بعد أن ترقى في مراتب جيشه دولته، حتى قضى ما عليه؟ التجارة بـ"المعرفة العسكرية". هكذا يبدو من تقرير نشرته صباح اليوم صحيفة "يديعوت أحرونوت" عمّا أسمّته صناعة إسرائيلية سرّية تدرُ على "إسرائيل" ملايين الدولارات سنوياً، تقدم من خلالها شركات تجارية إسرائيلية خدمات تدريب عسكري لمقاتلين ورجال شرطة في دول مختلفة في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.

الشركات المذكورة في التقرير تدار عادة من قبل ضباط كبار سابقين في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتقوم بتقديم خدمات متقدمة من التدريب العسكريّ والقتالي إضافة إلى بيع معدات ووسائل قتال إسرائيلية الصنع. وتستهدف هذه الصناعة بشكل أساسي دول أفريقيا وجنوب أمريكيا وشرق أوروبا وآسيا. و وهنا يصف التقرير "ميزة" المقاتل والمدرّب الإسرائيلي بالقول إنه "علامة تجارية لامعة غنية بالخبرة والمصادر، ويحظى بسعر مرتفع جدا في أسواق الخارج".

ويقتبس التقرير عرض سعر قدمته إحدى الشركات الإسرائيلية لشرطة دولة ما في شرق آسيا ذاكراً أن مواصفات المقاتلين الإسرائيليين الذين يتم ارسالهم للتدريب هم من "أفضل شبابنا، مقدامين، ويستطيعون خلال أسابيع توريث ما لديهم من نظريات قتال إسرائيلية للمقاتلين الآسيويين وتحويلهم إلى مقاتلين نوعيين كمقاتلي وحدة "يمام"". وهي وحدة القتال العليا المركزية في جهاز حرس الحدود الإسرائيلي، وتسمى أحياناً "وحدة مكافحة الارهاب".

وتقدم هذه الشركات دورات مختلفة، بعضها يقتصر على التدريب القتالي للجنود وتعليمهم "طريقة القتال الإسرائيلية"، وبعضها يصل إلى المساعدة الفعلية والمباشرة في إقامة وتدريب وحدات "لمكافحة الإرهاب" في أجهزة الشرطة للدول التي تطلب هذه الخدمات.

ويقول عضو الكنيست، ديفيد تسور، في معرض التقرير، إن "المعرفة الإسرائيلية والتجربة التي يتم اكتسابها هنا مقدرة جدا في الخارج"، وتسور هو رئيس سابق لوحدة "يمام" وكان مدير لواء شرطة تل أبيب، ويعتبر "ملك" تدريب الدورات التدريبية العسكرية خارج "إسرائيل". ويضيف تسور مفتخراً "يصر البعض ويقاتل من أجل الحصول على مرشدين إسرائيليين، وليس من أي دولة أخرى، ذلك لأنهم يعرفون أن المقاتلين الإسرائيليين يحضرون معهم تجربة قتالية لا يملكها إلا من يقاتل مقابل العدو مباشرة أو ضد الإرهابيين في أوضاع معقدة جداً".

وتبدأ رواتب المقاتلين الإسرائيليين المشاركين في هذه التدريبات مما يقارب 6000 دولار في الشهر لتصل إلى 15 ألف دولار. فمن يُدرب في مجال الإسعاف واللوجستيات مثلاً يحصل على 6000 دولار، ومن يعمل في مجال المخابرات، ويرشد في الدورات التدريبية النهائية يحصل على 7500 دولار، أما الضابط الرئيس المسؤول عن كلّ التدريب فيصل راتبه إلى 15 ألف دولار شهرياً.

ويذكر "نير شاؤول" من شركة "نترول" إحدى الشركات العريقة في هذا المجال والتي أسست قبل 19 عاماً، أنه رغم هذه الرواتب المرتفعة جدا إلا أن العمل صعب جدا، فجدول أعمال هذه الدورات مكثف، وبعضها يبدأ الساعة 6 صباحاً وتنتهي العاشرة ليلاً. إحدى الدورات التي تقدمها شركة "فور ترووب" هو برنامج تدريبي لـ"وحدة مكافحة الارهاب" يستمر لعشرة أسابيع، يشارك في بدايته 200 مقاتل، يتم تصفيتهم إلى 120 مقاتلاً، بحيث لا يبقى إلا من يتمتع بالصفات المطلوبة "قوة جسدية وعقلية، شجاعة، دقة، قوة تحمل، والقدرة على العمل ضمن فريق..".

ويدرب المقاتلون على وسائل مختلفة منها اطلاق النار من سلاح طويل المدى، أو من مسدس، القتال في مكان مأهول بالسكان، استخدام عدة أسلحة في نفس الوقت، التعامل مع المفاجئات التي تظهر في ميدان القتال، وكيفية انقاذ الرهائن.

إضافة إلى التدريبات العسكرية، فإن هذه الشركات تعرض بعضاً من المنتجات العسكرية وأدوات القتال، مثل السترات الواقية من الرصاص، وأجهزة الاتصال، وبعض الوسائل المتقدمة مثل كرة رصاص بداخلها كاميرا يمكن إطلاقها باتجاه المستهدفين لتصور ساحة القتال وتبث الصور للجنود في قواعدهم وهم بعيدين عن ساحة القتال، كما تلك هذه الكاميرا قدرة على الرؤيا الليلة فيمكن ارسالها كذلك داخل قنوات مظلمة، ويصل سعرها إلى 10 آلاف دولار. منتج آخر تعرضه هذه الشركات هو عبارة عن كاشوف "رادار" يرى عبر الجدران، يمكن من خلاله تحديد عدد الأشخاص في غرفة ما وماذا يفعلون، ويصل سعرها إلى 47 ألف دولار.

وبعيداً عن هذه الوسائل المتقدمة، هناك أدوات قتالية ثقيلة يتم بيعها، مثل دبابة الميركافا الإسرائيلية المشهورة، وطائرات نقل الجنود. وتحصل هذه الشركات على الأسلحة التي تبيعها من شركات أمنية إسرائيلية أو من وزارة الجيش الإسرائيلي مباشرة "وزارة الدفاع.

ويذكر مشاركون في هذه الشركات أنهم يهتمون بطريقة التعامل التي يعامل فيها الجنود الإسرائيليون أبناء الدول التي تطلب التدريب العسكري، يقول أحدهم أنه أعاد جندياً إسرائيلياً إلى "إسرائيل" لأنه كان يصرخ على طلابه، ولا يعاملهم كما يجب "باحترام".

ويختتم التقرير باثارة ما أسماه "السؤال الاخلاقي" حول هذه الصفقات، إذ أنها غالباً ما تجرى في بلاد تعيش صراعات مسلحة.  يعلق الصحفي يوتام فيلدمان  الذي انتج فيلما عن ذات الدورات العسكرية قائلاً أنه لا يتفاجىء من أن صفقات كهذه تتلقى قبولاً من وزارة الجيش الإسرائيلية وأنه يرى في ذلك مشكلة أخلاقية حقيقية.
ويذكر أن المسؤولية المباشرة لا تقع على هذه الشركات التجارية وإنما على سياسة دولته التي تعتمد التصدير العسكري كواحد من مصادر الدخل المهمة لاقتصادها - إذ يصل مردود التجارة العسكرية إلى ما يقارب 7 مليارد دولار في العام. بينما يرد عليه آخرون بالقول إن لا مشكلة أخلاقية في هكذا تدريبات لأنها تستهدف أجهزة الشرطة التي تحارب مثلا المخدرات - ولا يوجد في ذلك مشاكل أخلاقية، على حدّ تعبيرهم.