لو أن فلسطيني شاهد ما عرضه التلفاز الإسرائيلي من عملية فرار للمستوطنين من "سديروت" سيعلم أن حماس وحدها هي القادرة على دحر اليهود إلى الخارج ، وسيصوت لها في كل انتخاب مستقبلي. يوني جولدبلات - قائد الجناح الشبابي في حزب الليكود
إعداد: خالد الدعوم
المقدمة
لم تعد الصواريخ الفلسطينية المنطلقة من قطاع غزة مجرد ظاهرة مقلقة لأمن الكيان الغاصب -كما كانت تقول أجهزة الأمن الصهيونية في السابق-، إذ كانت هذه الدوائر ولفترة طويلة خلت تعتبر صواريخ الفلسطينية ظاهرة "مزعجة"، وبالطبع يعود ذلك إلى قلة الأضرار الناجمة عن هذه الصواريخ في مرحلتها الأولى، أما اليوم وبعد أكثر من عشرة أعوام على إطلاق أول صاروخ فلسطيني محليّ الصنع من قطاع غزة، تعترف الأجهزة الأمنية الصهيونية بالخطر الاستراتيجي الذي بدأت تشكله هذه الصواريخ على المنظومة الأمنية الصهيونية بشكل عام، وعلى أمن سكان المغتصبات المتاخمة للقطاع من ناحية أخرى، وعلى منظومة الحياة في "إسرائيل"، الصناعية والسياحية والتجارية، والتعليمية ، فأصبحت الصواريخ الفلسطينية اليوم تشكل خطراً على استمرارية وجود هذا الكيان.
ستحاول هذه الدراسة أن نجيب عن التساؤلات التالية:
1. هل للصواريخ الفلسطينية آثر حقيقي على أمن الكيان الصهيوني وهل ترقى هذه الصواريخ أن تشكل خطراً على استمرارية وجود هذا الكيان؟ 2. ما هي الشواهد التي تدلل على الخطر الذي تشكله هذه الصواريخ على مقومات الوجود الاسرائيلي الاقتصادية ، السياحية، التجارية، والأمنية؟ 3. هل هناك علاقة بين هجرة العكسية للمجتمع الاسرائيلي الى خارج الدولة وبين قوة والاضرار التي تحققها الصواريخ الفلسطينية؟ 4. هل أصبحت الصواريخ الفلسطينية تشكل قوة رعب فلسطينية للصهاينة؟
الصواريخ الخطر الاستراتيجي على الكيان الصهيوني
يتعين على أي باحث عندما يدرس قابلية أي دولة أو مجتمع للبقاء أن يدرس ما هي الاسباب الرئيسية التي تبقي على استمرارية وما هي المقومات التي تعزز بقاءه، وطبيعة الحال فإن المجتمع الصهيوني مجتمع مختلف تماما عن باقي المجتمعات. استندت السياسية الإسرائيلية على أن "إسرائيل" دولة صغيرة وسط عالم عربي كبير يهدف إلى تدميرها، وبالتالي فإن قضية الأمن بالنسبة لها ليست مسألة فقدان سيادة بل إنها تهديد للبقاء "من الناحية الفيزيائية" وبالتالي فإن عليها –حسب تعبيرات إيغال آلون– أن تستعد لأسوأ حالة متصورة، وهى هجوم عربي شامل تشنه عدة دول عربية ضدها من جهات مختلفة.
وفقاً لذلك عملت "إسرائيل" على تحصين الجبهة الداخلية بكافة الوسائل الممكنة، فعندما ازدادت وتيرة العمليات الإستشهادية في قلب الكيان، عمدت دولة الإحتلال إلى بناء الجدار العنصريّ للحدّ من وصول الاستشهاديين إلى المناطق المحتلة، وبعد ظهور الصواريخ الفلسطينية توجهت كذلك لتركيب ما أطلق عليه القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ ولكن بدون جدوى، كما ظهر في تصريحات قيادات الجيش والحكومة حيث ذكر قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الصهيوني أن عدد الصواريخ التي تم اعتراضها في عملية عمود السحاب لا تتجاوز 20 صاروخاً من أصل 1300 صاروخ.
أما من الناحية السياسية، فتواصل القيادة السياسية الصهيونية جهودها لإقناع السلطة الفلسطينية بالعمل على انجاز ملف المفاوضات والوصول إلى حلّ يضمن الاعتراف بيهودية الدولة ويضمن الأمن لسكان المستوطنات الصهيونية، فالعالم مشغول بالنمو والتطور بينما تنشغل "إسرائيل" بالأمن والبقاء؛ ومن المؤكد أن عمق القلق على الوجود أكبر كثيرًا من عمق القلق على النمو والتطور، فعندما ندرس آثر قضية معينة على "إسرائيل" يتوجب دراستها من هذا السياق كيف تؤثر على بقاء واستمرارية هذا الكيان، فمثلاً نجاح الاخوان المسلمين يشكل – من وجهة نظر- الاستراتيجيين الصهاينة خطراً على الكيان. كما أن ازدياد عدد المواليد الفلسطينيين مؤثر أيضاً عليهم، فما بالك بسقوط صواريخ فلسطينية في عمق الكيان الصهيوني وعاصمة دولتهم المزعومة، هذه الصواريخ ستشكل خطراً استراتيجياً على الكيان يمكن أن يرتقي أنه يعبث في وجود الكيان كما سنبين في هذا الدراسة من خلال الشواهد التي سنعرضها:
مقومات الدولة إلى الانهيار
أهمية الاقتصاد عند الصهاينة:
الاقتصاد الصهيوني من أكثر الاقتصادات تنوعًا على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودخل الفرد في "إسرائيل" من أعلى المدخولات في العالم حيث يبلغ حوالي ال 28 الف دولار ويعتمد الاقتصاد على صناعة التكنولوجيا ومعداتها وكذلك على الزراعة والسياحة، "فلإسرائيل" باع طويل في مجال الصناعات عالية التقنية والبرمجيات المتنوعة وتتواجد على أرضها العديد من شركات تصنيع الحواسيب وبرمجياتها الإسرائيلية أو العالمية من مثل مايكروسوفت وإنتل وكذلك شركات الاتصالات من مثل موتورولا، وتعتبر "إسرائيل" من الدول الرائدة في مجال اعادة استخدام المياه وتحلية المياه وتقليل الاعتماد على موارد الطاقة الخارجية.
أما الركيزة الثانية للاقتصاد الصهيوني فهي الزراعة حيث تعدّ "إسرائيل" من أكثر الدول ذات الاكتفاء الذاتي في المجال الزراعيّ وتقوم بتصدير الفائض الزراعيّ من خضروات وفواكه إلى دول العالم المختلفة، كذلك فان السياحة تشكل مصدراً مهماً للدخل القوميّ حيث يستغل الكيان الصهيوني المناطق الدينية المحتلة للجذب السياحيّ الدينيّ ومثال ذلك "حائط البراق، وكنيسة القيامة وقبة الصخرة وغيرها الكثير، والمواقع التاريخية مثل جبل مسادا، والأماكن العلاجية كالبحر الميت، وقد بلغ عدد السياح القادمين إلى الكيان الصهيوني عام 2008 م حوالي 3 مليون سائح.
كما تعد تجارة وتصدير الألماس موردا مهما في الاقتصاد الإسرائيلي وفوق هذا وذاك فإن "إسرائيل" تتلقى دعما ماديا كبيرا من الولايات المتحدة الأمريكية حيث يقدر الدعم المادي المخصص لـ"إسرائيل" خلال العشر سنوات القادمة بحوالي 30 مليار دولار أمريكي، وتعد أمريكا والاتحاد الأوروبي الشريكين الرئيسيين لدولة الاحتلال على المستوى التجاري.
علاقة الاقتصاد بالأمن
تضمن تعريف الأمن القومي التأكيد على قدرة الدولة في حماية نفسها وتحقيق أهدافها القومية، وكمثال، تحدد الوثيقة الاستراتيجية التي نشرها البيت الأبيض الأمريكي في أيار 2010 أربعة مجالات رئيسة لاستراتيجية الأمن القومي هي: الأمن – القيم – النظام الدولي – والازدهار الذي يهدف إلى: تعزيز رأس المال البشري – دفع العلوم – تجديد التكنولوجيا – إحراز تنمية اقتصادية مستقرة ومتوازنة – نجاعه في استغلال أموال دافع الضرائب، وعلقت وزيرة الخارجية الأمريكية على هذه الوثيقة بقولها إنه للمرة الأولى يتم التأكيد على الموضوع الاقتصادي بشأن الأمن القومي الأمريكي.
على المستوى الاقتصادي، ثمة تطورات تؤثر مباشرة على الأمن القومي، فأي خلل في بعض المؤشرات الاقتصادية يعكس غالباً خللاً اقتصادياً في قطاع ما يؤثر مباشرة على القطاعات الأخرى، مما يؤدي إلى توترات اجتماعية تؤثر على السلم الاجتماعي وتهدد الاستقرار الداخلي بشكل لا يقل خطورة عن الحرب وتهدد كذلك القطاع الأمني الذي يموّل من القطاع الاقتصادي.
الحالة الصهيونية
في كتابه "مكان تحت الشمس" يرتب بنيامين نتنياهو الأولويات الصهيونية، وفق رؤيته كما يلي:
1)الأمن قبل الاقتصاد، وهذا لا يلغي الاقتصاد أو يغفله لأن عنصر الأمن هو الشرط الأساسي لجذب الاستثمار وازدهار الاقتصاد الذي يؤمن الموارد للقوة العسكرية.
2)الاقتصاد قبل السياسة، فإسرائيل القوية هي التي تجذب الاستثمار ويجعلها قوة اقتصادية تقود المنطقة.
-المأزق الأمني الذي يعاني منه الكيان الصهيوني النابع من ظروف إنشائه غير الطبيعية، لكونه قام على أنقاض شعب آخر يسكن في أرضه منذ 4500 عام، يقرع الأبواب بقوة ويعمل على إعادة الأمور إلى نصابها بإنهاء هذا الكيان واستعادة حقوقه والعودة إلى أرضه، هذا الوضع يعكس توترات اقتصادية واجتماعية وأمنية تؤثر على قطاعات الكيان المختلفة ومؤشراته كونه يضطر لتوجيه الكثير من موارده للجانب الأمني بحكم هاجس عدم اليقين الذي يسكنه بأن الكيان إلى زوال عند أول هزيمة عسكرية تلحق به.
لقد أدركت الصهيونية أنه لحشد اليهود في فلسطين وضمان بقائم لا بد من تحقيق الازدهار الاقتصادي وضمان الأمن، وإلا فإن طريقهم هو الهجرة إلى الخارج وتراجع شديد للهجرة إلى فلسطين، لذلك إن إسرائيل مضطرة لتحقيق النمو والازدهار والحياة الآمنة، لأنها اختارت منذ قيامها نموذج تنمية اقتصادية ترسخ نمط الحياة الغربي لسكانها، وهي تتطلع إلى مستوى الرفاه المألوف بين أكثر الدول الغربية تقدماً وخاصة منظمة دول التنمية والتعاون الاقتصادي OCED، التي انضمت إليها مؤخراً لتستقطب مزيداً من المهاجرين وخفض معدلات الهجرة المعاكسة، ولكن معدلات نمو الاقتصاد الإسرائيلي نما بمصطلحات الناتج المحلي الخام بنسبة 5.8% بالمتوسط السنوي خلال الفترة 1960-1980 وبنسبة 3.3% سنوياً خلال الفترة 1980-1990 مقابل 7.3% للفترة الأولى 8.29% للفترة الثانية من دول OCED.
وتتبع هذه الهوة من: - معدلات زيادة سكانية عالية في إسرائيل مقارنة مع دول OCED المشاركة المنخفضة في قوة العمل – مقاييس إنتاجية منخفضة للعامل، وعليه إن إسرائيل متأخرة عن تلك الدول كثيراً في مقاييس الرفاه، وتتطلع إلى ردم تلك الهوة الاقتصادية القائمة إلا أن المهمة صعبة جداً لأن النمو الاقتصادي في إسرائيل شديد التأثر بالعوامل الخارجية والأمنية التي تضطرها إلى تخصيص الكثير من مواردها للمستوى الأمني العسكري، مما يبقي الاقتصاد رهناً للأمن ويواجه تحديات كبيرة في المواجهات العسكرية، لعل أهمها توفير الموارد المالية والطاقة البشرية اللازمة والاستمرار في العمل في ظل الحرب، وهذا يتطلب الحماية للمنشآت الاقتصادية والقدرة على سرعة الحسم، أو على الأقل منع الخصم من ضرب تلك المنشآت وهذا تراجعت احتمالاته في ظل القدرة الصاروخية للدول والقوى المقاومة، وتعمل إسرائيل على معالجة هذا من خلال زيادة الإنفاق بمبالغ ضخمة خاصة في مجال إنشاء "القبة الحديدية" التي تبث عدم فعاليتها، وهناك جدل كبير حول جدولها وتكاليفها الباهظة.
الانتفاضة الفلسطينية أرهقت الاقتصاد الصهيوني
عصفت الانتفاضة الفلسطينية باقتصاد الدولة العبرية بعد سنوات من الانتعاش والازدهار والاستقرار شهدها هذا الاقتصاد، وحقق خلالها معدلات نمو سنوية معقولة، وأدخلته في ركود لم يألفه من قبل وفى حالة من الاستنفار والخشية والترقب لم يسبق لها مثيل، وطالت الأزمة معظم فروع الاقتصاد، ووقفت أجهزة الحكومة الإسرائيلية عاجزة عن إنقاذ الوضع، ووصف محللون وخبراء اقتصاديون إسرائيليون الأزمة الاقتصادية التي تشكلت في الانتفاضة بأنها الأطول في تاريخ "إسرائيل" وأنها كانت ستقضي على الازدهار الذي تحقق في الأعوام الأخيرة، وقد أكدت مصادر إسرائيلية أن الاقتصاد الإسرائيلي تكبد منذ اندلاع الانتفاضة خسائر تقدر بـ 2،3مليار دولار، تمثلت فيما يلي:
1. تراجع النمو الاقتصادي من 6% عام 2000، ليصبح حوالي 2.5% عام 2001، في حين قال وزير المالية الإسرائيلي أمام وفد من صندوق النقد الدولي أن النمو الاقتصاد سيتراوح بين 2 و 2.5% عام 2001.
2 . انخفضت أعداد السياح إلى "إسرائيل" بنسبة 50% منذ أواخر عام 2000، وتراجع إشغال الفنادق بنسبة تزيد عن 60% خلال مايو 2001، وتكبد قطاع الفنادق خسائر جسيمة أجبرت 25 فندقاً على إغلاق أبوابها، واضطرت مؤسسات سياحية إلى إقالة 28 ألف موظف يعملون لديها. ويتضح من بعض المصادر الإسرائيلية أن الربع الأول من العام 2002 شهد انخفاضاً بنسبة 50% من حجم عوائد القطاع السياحي، وسجلت حركة المسافرين في مطار بن غوريون تراجعاً نسبته 7.4% منذ بداية عام 2001، وهو ما أجبر شركة العال الإسرائيلية على إلغاء عدد من خطوطها لحوالي عشرة مطارات فى العالم، وتسريح آلاف الموظفين في خطوة تهدف إلى تقليل الخسائر التي تكبدتها منذ بدء الانتفاضة.
وانخفض عدد السياح القادمين إلى "إسرائيل" بنسبة 56% من 28 سبتمبر2000 إلى 23 أغسطس 2001، وبلغت خسائر قطاع السياحة الإسرائيلي قرابة 3 مليارات دولار منذ اندلاع الانتفاضة، الأمر الذي دفع وزير السياحة الإسرائيلي – الذي اغتيل – رحبعام زئيفى إلى مطالبة وزارة المالية بتخصيص 70 مليون شيكل لدعم السياحة، وإيجاد حل لإنقاذ العاملين في مجال السياحة.
وفيما يخص مجال التجارة والخدمات فقد أشارت دراسة لاتحاد الغرف التجارية الإسرائيلية أن نسبة النمو في القطاع التجاري والخدمات ستكون هي الأدنى منذ عام 1989، وستقتصر على 1.5%، مقابل 4.5% كان من المتوقع الوصول إليها، وقدر العجز في التجارة الخارجية الإسرائيلية في إبريل 2001 بما قيمته 1.057 مليار دولار، مقارنة مع 782 مليون دولار عن نفس الشهر عام 2000، تراجع النمو الصناعي بنسبة 4.7% في يونيو 2001 بدلاً من 3.1% في مايو 200، وبناءً على ما سبق، فقد نجحت المقاومة الفلسطينية والانتفاضة الفلسطينية في تكبيد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة، ودخوله إلى حالة من الركود التي عطلت من انتاجه لفترة طويلة.
صواريخ حزب الله تهدم ما بني بعد الانتفاضة
بعد أن تمت إعادة بناء الإقتصاد الصهيوني بعد تأثره بشكل كبير خلال الانتفاضة الفلسطينية، عادت المشاكل الامنية لتضرب عمق الأمن والاقتصاد وبقوة خارجية هذه المرة، فقد اندعلت حرب تموز بين حزب الله والجيش الصهيوني. وقد أدى القصف الصاروخي لحزب الله على شمال فلسطين المحتلة إلى تدمير 20 مصنعا في 60 بلدة، وإغلاق 70% من مصانع الشمال إضافة إلى تدمير عدد من المتاجر.
ومع انتهاء الشهر الأول لحرب تموز بدأت تتواتر معلومات بشأن خسائر "إسرائيل" التي وصلت نحو ثلاثة مليارات دولار. ورغم التعتيم الرسمي في هذا الصدد، فقد نقلت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية عن وزير المالية أفراهام هيرشسن قوله إنه رغم عدم معرفة التكلفة الكلية للحرب، فإن التقديرات أشارت إلى أنها بلغت في القطاع العسكري سبعة مليارات شيكل (1.6 مليار دولار) إضافة إلى مئات الملايين من الشواكل، وتحدث هيرشسن أنه قرر تحويل 2.2 مليار شيكل (500 مليون دولار) من القطاعات الاقتصادية المختلفة بميزانية 2006 لدعم المواجهة في الشمال، وبلغ الإنفاق العسكري اليومي في "إسرائيل" نحو 22 مليون دولار، وقدرت مصادر اقتصادية إسرائيلية في السابق الخسائر اليومية بنحو 120 مليون دولار.
وبعد أن خرجت الامور عن سيطرة الاقتصاديين الصهاينة خرج رئيس بنك "إسرائيل" المركزي ستانلي فيشر وحذر من أن استمرار الحرب سيتسبب في أضرار جدية للاقتصاد وسيتعين إجراء تغييرات في السياسة الاقتصادية، ورفض فيشر لعلاج هذا الضرر فكرة رفع الضرائب التي طرحتها أوساط اقتصادية وسياسية، وأظهرت تقارير بنك "إسرائيل" تراجع حصيلة الضرائب بقيمة أربعمائة مليون دولار. ويبلغ إجمالي ميزانية "إسرائيل" للعام الحالي نحو 63 مليار دولار يتم تأمين 70% منها من خلال جباية الضرائب.
وأظهرت تقديرات إسرائيلية أن الحرب ستؤدي إلى تراجع الناتج المحلي بنسبة 1%، والنمو الاقتصادي بنحو 2% عن المتوقع ليصل إلى 3%، وبالنسبة لقطاع السياحة فقد تعرض إلى ما يشبه الشلل بعد أن كان متوقعا أن يدر دخلا قدره 3.5 مليارات دولار، وخسرت السياحة مع قطاع الصناعة نحو 1.2 مليار دولار.
عملية عمود السحاب تضرب العمق الاقتصادي
توقفت الحركة الاقتصادية تماماً نتيجة للقصف الصاروخي الفلسطيني رداً على العملية التي شنها الجيش الصهيوني على قطاع غزة في التي سميت بعملية عمود السحاب عام 2012، و قد ألحق القصف الفلسطيني بالمصانع الإسرائيلية في الجنوب خسائر مالية باهظة تقدر بـ150 مليون شيكل، وتسبب العدوان الصهيوني على قطاع غزة بخسائر للاقتصاد الإسرائيلي بما يتجاوز 700 مليون دولار أمريكي.
وقد أكد خبراء اقتصاديون للصحف الصهيونية في الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أن التكلفة الاقتصادية لهذه الحرب ستقترب من المائة مليون دولار أمريكي، وأشارت وزارة الأمن الإسرائيلية، إلى أن الوزارة طلبت مبلغ يتراوح ما بين 250 و510 مليون دولار كتعويض عن ما أنفقته على العدوان الأخير على غزة.
موقع قدس برس كتب 23/11/2012 ، أن معطيات إسرائيلية رسمية، أفادت بأن حجم الخسائر والأضرار المادية التي تكبّدتها المصانع الإسرائيلية الواقعة في المنطقة الجنوبية من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، إبان فترة التصعيد العسكري بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، تقدّر بمائتي مليون شيكل ( نحو 51.6 مليون دولار أمريكي).
وذكرت المعطيات التي نشرها "اتحاد أرباب الصناعة الإسرائيلي"، يوم (23|11)، أن خسائر جسيمة لحقت بالمصانع الإسرائيلية في الجنوب إبان عملية "عامود السحاب" التي نفّذها جيش الاحتلال ضد قطاع غزة، نظراً لتوقفها عن العمل لفترات بسبب القصف الصاروخي الفلسطيني وتغيّب أعداد كبيرة من العمال عن عملهم في تلك المصانع.
وبحسب المعطيات؛ فإن من يشكّلون نسبة لا تقل عن 25 في المائة من الأيدي العاملة في المصانع الإسرائيلية الكائنة في منطقة "غلاف غزة"، تغيّبوا عن عملهم خلال فترة العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، خوفاً من صواريخ المقاومة. وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية قد كشفت النقاب أن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة والذي استمر ثمانية أيام، تسبّب بخسائر للاقتصاد الإسرائيلي بما قيمته 760 مليون دولار أمريكي.
أما قطاع الفنادق فلم يكن بعيداً عن الآثار الجسيمة لصواريخ المقاومة فحجم الأضرار المالية التي لحقت بالفنادق خلال عملية "عامود السحاب" -التي خاضها جيش الاحتلال ضد قطاع غزة- بلغت ملياري شيكل (نحو 518 مليون دولار أمريكي)، تقارير رسمية صدرت عن اتحاد الفنادق في الدولة العبرية أن الأضرار المالية التي لحقت بالفنادق، خلال فترة العدوان على قطاع غزة التي استمرت ثمانية أيام، تتجاوز نصف مليار دولار.
وقد دعا عامى فدرمان -رئيس الاتحاد- إلى عملية تسويق عاجلة لتشجيع السياح على زيارة إسرائيل. وتم رصد إلغاء حجوزات 20% من الرحلات السياحية التي كان من المقرّر تنظيمها داخل الأراضي المحتلة إبان العملية العسكرية، وزارة السياحة الإسرائيلية أعدت مشروع للبدء في أعمال ترميم وإصلاح الأضرار التي لحقت بالأماكن السياحية الواقعة في المناطق الجنوبية ، التي كان لها النصيب الأكبر في الأضرار المادية الجسيمة نتيجة القصف الصاروخي الفلسطيني لتلك المناطق ردّا على العدوان الإسرائيلي ضد غزة.
وزير السياحة الإسرائيلي قرّر تمويل حملة دعائية بعد انتهاء الحرب بأسبوعين وتستهدف إنعاش قطاع السياحة في جنوب فلسطين المحتلة واستقطاب السياح الأجانب، فيما وجّه دعوة لحكومته لعقد جلساتها وتنظيم المؤتمرات والفعاليات في المناطق الجنوبية، في محاولة لطمأنه الجمهور الإسرائيلي هناك، يشار إلى أن المعالم السياحية الفلسطينية بما فيها المباني الأثرية جنوب الأراضي المحتلة تعانى من تدمير جزئي كبير للبنى التحتية، نتيجة الأضرار التي لحقت بها بفعل العدوانين الأخيرين على قطاع غزة ضمن عملية "الرصاص المصبوب" و"عامود السحاب" في عامي 2008 و2012م.
وتهدد صواريخ المقاومة ما يسمى "سلة الغذاء" للمؤسسة الاسرائيلية، وحسب تقرير نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" على موقعها الإلكتروني؛ فإن مئات الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ألحقت الضرر بالعديد من الموارد الزراعية هناك، فضلاً عن تجميد نشاط المزارعين الإسرائيليين، وأشار التقرير إلى أن "معهد تسوية النزاع في الزراعة" التابع للرابطة الإسرائيلية لتعديل الخسائر كشف عن تضرر العديد من المزارع الواقعة في الجنوب، جراء القصف الصاروخي من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية.
مزارع أخرى قد تواجه المصير نفسه في حال استمرار الضربات الصاروخية، و المزارعين الإسرائيليين يتجنبون العمل في العديد من المواقع، وهم بذلك يخسرون أيام عمل وكذلك منتجاتهم زراعية، وحسب "جيروزاليم بوست"؛ فإن المزارعين من أصحاب الممتلكات الخاصة لا يتلقون التعويض من الحكومة في العديد من الحالات، من ناحية أخرى؛ قالت وزارة الزراعة الإسرائيلية أنها تحاول بذل جهود للمساعدة على استمرار النشاط الزراعي في مواضع محددة في الجنوب، بالتنسيق مع ما يعرف بقيادة الجبهة الداخلية، بهدف ضمان تدفق المنتجات الزراعية من تلك المناطق، والتي تعتبرها "المخزن الزراعي" للمؤسسة الاسرائيلية، وزارة الزراعة الإسرائيلية أنها تعمل مع وزارة الحرب لتزويد المناطق الجنوبية بمائة ملجأ إضافي في المناطق الزراعية القريبة من الحدود مع قطاع غزة، للمساعدة على استمرار نشاط المزارعين هناك.
وحسب تقرير آخر صحيفة هارتس أن معطيات نشرها اتحاد الصناعة الاسرائيلي توضح أن خسائر المنتجات الصناعية في اليوم الاول من عملية "عمود السحاب" تخطت حاجز الـ 40 مليون شيكل، كما أن منطقة الجنوب التي تتمركز بها العمليات القتالية، تضم 500 مصنعاً يعمل بها ما يربو على 50 الف عامل، وعلقت معظم المصانع في تلك المنطقة عملها.
يتبع.