ما إن أتمّ الدكتور عدنان إبراهيم خطبة الجمعة والتي جاءت بعنوان "لا للحرب الأهلية في مصر" حتى وصلتني بعض الرسائل من عدد من الأصدقاء تسألني عن رأيي بما جاء فيها؛ ربما لمعرفة هؤلاء بأني متابع جيد للدكتور عدنان، فلست أبالغ إن قلت أني قد استمعت لمئات الساعات المسجلة للرجل، مابين خطب ومحاضرات ومناظرات، بل علّني استمعت إلى جلّ إنتاج الرجل المتاح على الشبكة العنكبوتية.
والحق أنني وبمجرد استماعي للخطبة هممت بأن أسجل ملاحظاتي عليها على شكل مقالة تتناول ما اتفقت مع ما جاء فيها وما اختلفت حوله، ولكن.. ولعل معرفتي بالرجل –من خلال متابعتي له- قادتني للتريث قليلاً؛ حيث كنت أشعر بأن الدكتور سيتبع خطبته تلك بأخرى، وقد كانت خطبة "لا للدماء في مصر".
عوداً على بدء، وبالإشارة لعنوان المقالة أعلاه، فعبارة "سأحكي ضميري" مستوحاة بل مقتبسة من الدكتور عدنان نفسه، ولعلها من أكثر العبارات التي يكررها وبشكل مستمر خلال خطبه ومحاضراته، ولعلي أخذتها عنه؛ وعليه فإنني هاهنا سأحكي ضميري.. وضميري فقط.
وقبل الإنطلاق أريد أن أسجل أنني كنت ولازلت ممن انتقد فترة حكم الدكتور محمد مرسي، وسجل عليها عدة ملاحظات، ولا أغالي إن قلت بأن هذا رأي كثير ممن أعرفهم وأتواصل معهم والذين ينتمي البعض منهم لجماعة الإخوان المسلمين أو يتعاطف معهم.
وعلى الرغم من ذلك؛ فإن المسألة هنا تتجاوز ما ذهب إليه الدكتور من أن الرئيس المُنقلب عليه قد أُفشل أو فشل في عامه الأول وبالتالي فقد ترتب عليه أن يتنحى مودعاً منصبه بمجرد خروج الجماهير مطالبة بذلك؛ فالمسألة -من وجهة نظري- ليست مرسي أو غيره، إنها مسألة تجربة ديمقراطية تُغتال في مهدها، والمعلوم أن مصر دولة كبيرة ممتدة، وأن لكل جماعة وحزب وتنظيم أنصاره ومحبيه، ولو أن الدكتور مرسي والإخوان من خلفه كانوا قد نزلوا على رأي الخارجين عليهم وصبروا حتى يحين الموعد الجديد للانتخابات لكان خيراً لهم –كما اقترح الدكتور عدنان- فلربما أتت الانتخابات بما لا يرضيهم؛ فخرجت حين إذن جماهيرهم عن بكرة أبيها تعلن رفضها للقادم الجديد، وهو ما يترتب عليه بالطبع تنح جديد أو انقلاب جديد ودوامة من عدم الرضى التي لا تنتهي.
فقد كان من الأسلم في هذه الحالة أن يستمر الرجل في منصبه لعدته، ثم تخرجه الجماهير التي أتت به إن هي أرادت؛ فيكون خروجه من خلال الباب الذي دخله وهو صندوق الانتخابات، ونكون بذلك قد حقنّا كل تلك الدماء الي أريقت.
ومن زاوية أخرى، فلو صح جل ما ذهب إليه الدكتور عدنان في خطبته؛ فإنه من غير العادل ولا المنصف أن يساوى ولا بأي شكل من الأشكال بين الجاني والضحية أو بين القاتل والمقتول، والغريب أن الدكتور عدنان قد تجاوز مسألة المساواة هذه، وقفز من فوقها ليشتد على الإخوان ويحمل على تصرفاتهم بشكل لا يسعني تبريره حتى اللحظة، وقد أقر الدكتور عدنان بنفسه في خطبته التالية بذلك وبأنه كان شديداً حاداً في نقده لهم، في حين أنه لم يفرد لحديثه عن الطرف الآخر سوى دقائق معدودة، وبصورة أقل حدة وشدة؛ بل إنه ذهب إلى مديحهم والثناء عليهم في بعض المواضع.
ثم إن مسألة تحميل الدماء التي أريقت للإخوان دون غيرهم، أو بنسبة كبيرة لهم دون سواهم، مسألة تحتاج لكثير دقة وتمحيص، لقد دعانا الدكتور عدنان إلى الابتعاد عن خطاب المشاعر والعواطف والانتباه للمشهد من دائرة أوسع، ولعلني هنا أبادله الدعوة بأخرى فأدعوه للتبصر بالمشهد من خلال دائرة أوسع من تلك التي دعانا إليها، فالمعتصمين في ميداني رابعة والنهضة فاقت أعدادهم الملايين، فكيف يحق للملايين التي خرجت تطالب بنتحي الرئيس محمد مرسي أن تنال مطالبها، في حيت يَحْرُم على هؤلاء ذلك؟! بل وتتم مجابهتهم ومواجهتهم بالقتل؟!.
ثم ألم يلتفت الدكتور عدنان إلى أن عدداً كبيراً من جموع المعتصمين كانوا من خارج دائرة الإخوان المسلمين أصلاً؟، لقد أكد على ذلك أكثر من متحدث ومتحدثة كانو يعتلون منصة رابعة، كانوا يرددون ذلك باستمرار، لقد رأينا المتبرجة والقبطي وغيرهم، فكيف يختزل الدكتور المشهد بالإخوان وكأن المسألة كما يحاول البعض تصويرها حرباً بين الإخوان والطرف الآخر؟! إنها جموع من شرائح الشعب المصري المختلفة يا دكتور.
أما بخصوص أن المسألة صراع على الكرسي وعلى المنصب فأنا أرى أن الأمر أوسع من ذلك بكثير، وأرى أن الدكتور قد ضيق واسعاً بذهابه إلى ذلك؛ إن الإخوان يعرفون القمع أكثر من غيرهم، وقد خبروا السجون والمعتقلات وعذاباتها أكثر من غيرهم، لقد صودرت حرياتهم وانتهكت أبسط حقوقهم كمواطنين مصريين كما لم يفعل بأي مصري من قبل.
ولعل ساعات الإنقلاب الأولى –الأولى فقط- كشف لنا عن كثير مما كان يتخوف الإخوان منه، فقد أغلقت عشرات محطات التلفزة، وأودع كل من حمل صفة "إخواني" السجن، وقد تسربت إلينا قبل أيام نماذج من المعاملة التي يتلقاها هؤلاء في سجون السيسي وعصبته، بل إن وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم أقر بذلك صراحة من خلال مقابلته قبل أيام مع قناة "سي بي سي" الأمريكية.
أضف إلى ما تقدم إلغاء الدستور الذي استفتي عليه غالبية الشعب المصري، وتشكيل لجنة جديدة لصياغة دستور جديد، ولعل ما بدأ يتسرب إلينا من محتويات الدستور القادم شيء ينذر بكارثة محققة، ثم تلا الخطوة خطوات فتم تعيين محافظين جدد جميعهم عساكر متقاعدين، وقامت المحكمة بالإفراج عن مبارك، ذلك الطاغية الذي أفسد واستبد، ألا يلفتك هذا يا دكتور عدنان؟ الدكتاتور المستبد يغادر سجنه، والرئيس المنتخب صاحب الشرعية يزج في غياباته، إنها طريقة صارخة وقحة في تكريس حكم العسكر، والقضاء على أي مكتسب لثورة يناير.
لقد غاب عن الدكتور عدنان الكثير من الحقائق التي ما كان ينبغي أن تغيب عنه بعد أن أبصرها ورآها العالم عن آخره، والسؤال: ألم يشاهد الدكتور عدنان كيف أحرقت جثث المعتصمين في الميادين؟ ألم يرَ الدكتور فيديو الجرافات التي قامت بجرف جثث الشهداء؟ ألم يتبادر إلى سمع الدكتور قصة الفتاة ذات السبعة عشر عاماً والتي اعتقلت بتهمة حيازة مدفع من طراز "آر بي جي"؟ وماذا عن شهداء سجن طرة الذين قتلو بدم بارد؟ وكيف الحال مع أحداث سيناء وغيرها... الخ.
وإلى الخطبة الثانية، فقد بدا الدكتور عدنان أكثر اتزاناً فيها عن سابقتها، وقد حاول الرجل أن يسجل بذكاء أنه قد يكون مخطئاً فيما ذهب إليه آنفاً، ثم انتقل للحديث عن الجيش المصري ذو التاريخ الطويل والعريق، وللأمانة فإني لا أظن بأن هذا التاريخ سيشفع له أمام الله يا دكتور، إنهم مئات الأبرياء العزل الذين أبيدوا على يد هذا الجيش في يوم أو اثنين، لقد ذهب الكثير من المحللين والمتحدثين، والذين لا يحسب الكثير منهم على الإخوان البتة، ولعلهم اختلفو مع الإخوان في مواطن كثيرة، ذهبوا إلى أن عدد من قتلهم الجيش المصري في يوم واحد يفوق عدد اليهود الذين قتلهم في حربه كاملة مع "إسرائيل"، فأخبرني عن أية عراقة وتاريخ تتحدث يا دكتور؟!.
أما ما ذهب إليه الدكتور في حديثة عن ما أسميهم بعلماء السلاطين الذين أحلوا الدماء وحرضوا عليها، وأعطوا صكوك براءة للقاتل، وبرروا له فعله شرعاً وديناً، فذلك كلام لست بصدد نقاشه هاهنا، وهو أمر متفق على صحته عند أغلب من اختلف أو اتفق مع الدكتور.
بقي أن أشير إلى أن الدكتور لفت إلى أنه اشتد على الإخوان كونهم إسلاميين وكونه إسلامي، وواجب كل أن يصلح بيته، فأقول: وهذا لايصح برأي في هذه الحالة يا دكتور، فالقاتل يدعي الإسلام أيضاً، ويقتل ويفتك باسمه، ويقول من على منصته بأنه "بيخاف من ربنا" و"ميخفش من الموت" ..الخ، فليس أقل من أن يكون الخطاب متوازناً، وأن تكون الحقائق كاملة حاضرة فيه، وليس أقل من تحميل كل طرف مايستحق من المسؤولية دون غلو على طرف ولين على آخر، فكيف وإن كان أهل اللين أولى بهذه القسوة؟!.
ملاحظة هامشية أخيرة: أتمنى على الدكتور عدنان أن يعيد النظر بالأشخاص الذين يقومون على إدارة صفحته على "الفيس بوك"، أو لفت انتباههم على الأقل؛ لقد سائني أن أرى هؤلاء يتداولون عبارات من قبيل: "موتوا بغيظكم"، "أي تعليق لا يعجبنا سيحذف وصاحبوا بلوك"، ...ألخ؛ فلست أظن أن هذا ينسجم مع الحوار والانفتاح الذي تدعو إليه يادكتور عدنان، فنحن في معركة بحث عن الحقيقة ولسنا في معركة "تكسير روس"، ومن حق الجميع أن يختلف معك إن أراد، ومن حق الجميع أن يتفق معك إن شاء.