شبكة قدس الإخبارية

بئر السبع التي نعرف تغيّرت

محمد سليمان

تفتح صفحات كتاب "كي لا ننسى" وفي الصفحات الأولى من الكتاب تُعرض صورة للشارع الرئيسي في مدينة بئر السبع، وعندما تسافر للنقب - جنوب فلسطين - مع الأصدقاء تظن نفسك ابن بطوطة وتنتظر بشغف أن ترى ذلك الشارع الرئيسي في المدينة  لتحدث من حولك بأخباره. لكن مهلا ظهرت لنا إشارة ضوئية ومن حولها لافتات تشير إلى وصولنا لمدينة بئر السبع وفجأة دخلنا الشارع الرئيسي في المدينة لكنه ليس نفس الشارع الذي في كتاب "كي لا ننسى" إذا ما الخطب؟

هذا الشارع بإسم "رغر" يحوي جامعة بإسم "بن غوريون" ومشفى كذلك وفي نفس الشارع وبعد مئات الأمتار تعرف أن هذا المبنى الذي يقع على يسارك أنه مبنى البلدية، وأنت تسأل عن مبنى "السرايا" الذي تُدار فيه شؤون المدينة وتسأل متعجبا أين المعالم التي قرأنا عنها في الكتب؟ أين المسجد الكبير وشارع 20 20 وبيت الحاكم؟ لربما كانت حكاية أسطورية عن لا علاقة لها بمدينة بئر السبع إلا بالاسم.

لحظة، في أسفل الصورة التي في كتاب "كي لا ننسى" مكتوب أن هذه الصورة قبل 1948 أي أنها قبل عشرات السنوات، إذًا يسأل حائر ما الذي تبدل على هذه البلاد منذ ذلك التاريخ؟ ليكن في معلومك بأن مدينة بئر السبع إحدى المدن الفلسطينية التي تم إحتلالها منذ سنة النكبة - 1948 - وتم الإستيلاء على اهم المرافق فيها مثل المسجد الكبير ومبنى السرايا وعديد المبانى الأخرى، لتكون اليوم إما مزار للسائحين أو معقل للسلطات المؤسسة الإسرائيلية.

أهمية النقب

بتفكير سطحي قد نتنازل عن النقب لمجرد أنها أرض صحراوية لا تسمن ولا تغني من جوع كما يدعي البعض متناسين أنها أرض خصبة كذلك.  لكن منطقة النقب ككل تعتبر منطقة جغرافية مهمة جدا، ولذلك سارع حُكام الدولة العثمانية لإستثمار مدينة بئر السبع، ومن بعد الاحتلال أبدت المؤسسة الإسرائيلية إهتمام كبير تجاه هذه البلاد لأهميتها ولذلك نسمع اليوم عن مخطط برافر العنصري الذي بموجبه سيتم مصادرة مساحات شاسعة من صحراء النقب، وهذه بعض النقاط التي تؤكد على أهمية المنطقة:

- تشكل مساحة النقب ثلثي مساحة فلسطين التاريخية. - تربط بين سيناء وأفريقيا وبين آسيا والشام. - تربط بين منطقتي الشام والحجاز. - تربط بين أوروبا من البحر وقارة آسيا على اليابسة، أي أنها رابط بين الشرق والغرب.

جولة في مدينة بئر السبع 

صعد إلى الحافلة التي كانت تقلُنا مرشد سياحي من قرية بدوية قضاء بئر السبع وأخذنا في رحلة إلى مدينة بئر السبع القديمة - كما يسمونها اليوم - لأن بئر السبع اليوم غير تلك الفلسطينية التي فيها المسجد الكبير الذي هندسه مهندس الدولة العثمانية السيد سنان باشا بمساعدة مهندس ألماني.

توقف الباص في الشارع الذي بجانب المسجد الكبير ونزلنا من الحافلة لنتوجه مباشرةً إلى إحدى باحات المسجد وهي بالتحديد التي تقع من الجهة الغربية من المسجد، وهناك قص علينا المرشد تاريخ هذه البلاد وأهميتيها، وتحدث لنا عن المسجد الذي أشرفت على بنائه الدولة العثمانية، وقد هندس مبنى المسجد المهندس العثماني الشهير سنان باشا بمساعدة مهندس ألماني، سُمي المسجد الكبير نسبةً لمساحته الكبير في ذلك الزمان الذي بُني فيه.

[caption id="attachment_27215" align="aligncenter" width="461"]المسجد الكبير في بئر السبع يبدو من خلف الأشجار المسجد الكبير في بئر السبع يبدو من خلف الأشجار[/caption]

ومن ثم تحولنا إلى الباحة الشرقية التي تربط المسجد الكبير بمنزل حاكم المدينة العثماني، وهذه الساحة التي تعرضت لإنتهاكات عديدة أبرزها إقامت حفلات للخمور. منزل الحاكم يَتكون من طابقين كعادة البيوت الفلسطينية الأول للضيوف والثاني للعائلة.

[caption id="attachment_27213" align="aligncenter" width="403"]منزل الحاكم منزل الحاكم[/caption]

من الجهة الأخرى يقع مبنى السرايا الذي كانت تُدار فيه شؤون المدينة، واليوم تم الإستيلاء عليه واستخدامه كمرفق للمؤسسة الإسرائيلية. من الجهة الغربية للسرايا تقع مدرسة أبناء المشايخ التي كان هدفها تحسين وتوطيد العلاقة بين الدولة العثمانية وبين العشائر البدوية في النقب وذلك عن طريق المدرسة الخاصة لأبناء المشايخ.

تحت مبنى السرايا من الجهة الشرقية يقع شارع 20 20 الذي اشتهر في ذلك الزمان، وكان في هذه المنطقة السوق الذي ما زال إلى اليوم مع تغيّر أصحابه. عند شارع 20 20 بيت أحد شيوخ العرب المدعو الشيخ فراح أبو مدّين، وإذلالا للعروبة وضع مكان هذا البيت حانة لبيع ملابس النساء.

نعود للجهة الأخرى وتحت منزل الحاكم من الجهة الشرقية يقع بيت عارف العارف المؤرخ المقدسي الذي عاش في مدينة بئر السبع وله مؤلفات عديدة أبرزها: القضاء بين البدو. وتم الإستيلاء على منزله لاحقا من قِبل المؤسسة الإسرائيلية.

[caption id="attachment_27217" align="aligncenter" width="403"]بيت المؤرخ عارف العارف بيت المؤرخ عارف العارف[/caption]

هكذا انتهت زيارة سريعة إلى مدنية بئر السبع، وتم ترسيخ بعض المفاهيم على أمل العودة الكُلية لتلك البلاد وبلاد فلسطين كلها. فهذه البلاد بالذات تعاني من سياسة الاحتلال الإسرائيلي  أصحاب الأرض الفلسطينيين وواجب على كل من يستطيع الوصول لهناك أن يذهب ويؤكد للمحتل على أن هذه البلاد لنا ونحن لم ولن نتخلى عنها.

b

[caption id="attachment_27212" align="aligncenter" width="461"]الجامع الكبير في بئر السبع الجامع الكبير في بئر السبع[/caption]

beersabe4