ذاب الثلج وبان ما تحته، كشفت الأوراق وخرجت إلى النور خفايا قصة إعدام الشهيد " جواد القواسمي " ذاك الرجل المسن الذي لم يشفع له تاريخٌ سطره بعمره وعمر أبناءِه من التضحية والفداء في سبيل الوطن بأن ينجو من هذه الفعلة البشعة.
أربعة أيام بلياليها ما لبثت الشائعات لحظة عن الوقوف ، كنا نسمع في كل دقيقة قصة ، وفي كل قصة نسمع ألف رواية ورواية ، لكن القاتل هو بلا شك من العائلة " س " و" ص " كما كانت تؤكد رواية الشائعات في كل مرة.
أبناءُ هذه العائلات التي كانت تتهم عاشوا أياماً من جهنم ، ليس لشيء بل لأنهم متهمون بأبشع جريمة حلت على مدينة إبراهيم ، وبالعودة إلى أساس الشائعة فإنك حتماً ستجد أن الظلم الاجتماعي هو الركيزة التي ارتكز عليها القوالون في قولهم ، وستجد أن التهم أمست تلقى جزافاً على الناس ، لا لشيء بل لأنهم يقطنون في المنطقة الجنوبية من الخليل .
قتلونا في زهرة شبابنا حين وقعوا بروتوكول الخليل عام 1997 دون أن يعوا حقيقة الكارثة التي سيواجه طياتها سكانٌ عزل، وقعوا اتفاقاً أصبحت المنطقة الجنوبية بأكملها لا تدري نفسها أهي في الأرض أم في السماء ، بتنا مأوىً للهاربين والفارين من العدالة ، وانقسم ظهر الخليل بين عشية وضحاها اجتماعياً ، وتفككت طبقاته بموجب هذا البروتوكول اللابارك الله فيه ولا بمن وقّع على حرف من أحرفه.
نعم لقد انقسم ظهر مدينة ابراهيم، أصبح الأمر لا يطاق، عليك أن تتحمل مسؤولية كل جريمة وكل فعلة لا أخلاقية ولا قانونية تحصل في شيكاغو فقط لأنك من المنطقة الجنوبية أو من العائلة الفلانية.
قتلتم هذه المنطقة الطيب أهلها على كافة المستويات ، اقتصادياً واجتماعياً وسياحياً ، وقلنا " آمين " أغلقتم أفواهكم عن استيطانٍ التهم البيوت والمحلات التجارية ، تخاذلتم في نصرة أهالي تلك المناطق التي تتعرض للتهويد ، قلنا ولا زلنا نقول " آمين "، أما أن تظلمونا وتدوسوا كراماتنا وتلقوا باتهاماتكم جزافاً علينا فتلكَ واللهِ ليست لكم ولا لغيركم.
لست من أبناءِ العائلة التي تلقت الاتهمات على مدار الأربعة أيام ، ولست بصدد أن أدافع عنها ، لكن عليكم أن تراجعوا تاريخ المدينة وتاريخ أبطالها الأسرى والشهداء لتعرفوا من هم هؤلاء ، ولن يضيرهم بضع " متأفلتين " تجدهم في كل عائلة لكي يكونوا ضحية اتهامات هنا وهناك.
الحقيقة مرة، لكن سنضفي السكر بأيدينا، لنغيّر معالم هذه النزعة الجاهلية، ونعيد العز لأيامٍ كانت، حين كانت الأسواق والمصانع والمتاجر والمركز الرئيسي حول حرم إبراهيم، لكن يا قدر ليس بأيدينا غيّر ما غيّر في هذه المدينة ولا ندري ما تغيره السني القادمة.
يجب علينا أن نعي حقيقة أخرى مفادها أن الفاعل لا يمثل إلا نفسه، وليس من المنطق أن يتحمل وزر فعلته كل من انطوى تحت عائلته، خاصة أن هذه العائلة التي تزخر أيضاً بتاريخٍ وطني وحضاري وثقافي يشهد له القاصي والداني، ولا يمكن لأحد أن يزاود على أحد في هذه المدينة، والقاتل يجب أن يأخذ جزاءَه لوحده بقصاص عادل بعيد عن ظلم اجتماعي وممارسة لطقوس وعادات بالية نبذتها الجاهلية قبل الإسلام.
تذكروا من هم أبناء إبراهيم، واقرؤوا جيداً كتب التاريخ، ولا تغرّنكم تقسيمات جغرافية زائلة لا محالة بزوال الاحتلال، ووجهوا أنظاركم نحو الاستيطان والتهويد الذي يلتهم فينا يوماً بعد يوم يا أبناء إبراهيم.



