رسالة من محمود السرسك الى محمد عساف: لا تكن أداة للتطبيع!
عزيزي محمد:
قررت أن أتوجه إليك بهذه الرسالة لأهمية الموضوع و لاعتزازي الكبير بك و بالانجاز الرائع الذي حققته لنا و لقضيتنا، من خلال ابراز هويتنا الثقافية و تحدي كل الصور النمطية العنصرية التي يرتكز عليها الاحتلال الصهيوني لكسب شرعية مزيفة. شاهدتك وأنت تتوجه بالتحية لشعبنا البطل، و بالذات للأسرى البواسل في سجون الاحتلال الصهيوني. و كأسير سابق في هذه الزنازين القبيحة وحصولي على حريتي بعد اضراب عن الطعام دام لمدة 96 يوماً، شعرت بالفخر بما قلتَه عن الأبطال القابعين في هذه السراديب العنصرية.
وكباقي أبناء شعبنا البطل في الضفة و القطاع و مناطق ال48 وفي الشتات، غمرتني الفرحة العارمة يوم فزتَ بلقب محبوب العرب و لحظة أهديتَ هذا الفوز للشعب الفلسطيني برمته. لم تخصص هذا الإهداء لفئة على حساب أخرى، و لم تنس اي فلسطيني كان: لم تقل أن الضفة و غزة فقط هما فلسطين، وغنيت للناصرة و طبريا و صفد. وهذا بالضبط ما جعلنا جميعاً نغني معك و نشعر أنك تمثل كل واحد منا.
عزيزي محمد،
هذه الفرحة العارمة التي اجتاحت كل أماكن تواجد أبناء شعبنا شابها لحظة إحباط كبيرة لدي، وأستطيع أن أدعي لدى قطاع عريض من أهلنا، يوم رأيتك مع لاعبي فريق نادي برشلونة في بيت لحم، ثم حفلك الغنائي في وجودهم على ملعب دورا في الخليل.
هل كنت تعلم أنهم كانوا قد جاءوا للحفل في دورا بعد حفل استقبال أُقيم لهم في القدس بدعوة كل من مجرمي الحرب بنيامين نتانياهو و شمعون بيريز؟ و هل تعلم أساساً أن رحلة الفريق هذه تأتي لأهداف تطبيعية بحتة؟ كان النادي قد أعلن على صفحته أن هذه الزيارة التطبيعية "تهدف لتقوية العلاقات المؤسساتية بين الطرفين (الفلسطيني و الاسرائيلي) وبناء جسور الحوار و السلام!" و بالتالي أطلق عليها لقب "جولة السلام!" و أنه كان يهدف لجمع لاعبين من "الطرفين" الاسرائيلي و الفلسطيني.
[caption id="attachment_25158" align="aligncenter" width="433"] فريق برشلونة ولقائه مسؤولين إسرائيليين[/caption]لا شك أن أعضاء الفريق كانوا قد رأوا حائط الفصل العنصري و الستمائة حاجز عسكري في الضفة، والجنود المدججين بالأسلحة، و قطعان المستوطنين المسعورة، فهل صدر و لو تصريح واحد من أي لاعب بينهم يندد بهذه المظاهر التي، و باعتراف الأمم المتحدة، تعتبر تعدياً صارخاً على القانون الدولي؟ هل أبدوا اي شكل من أشكال التضامن مع زملائهم في المنتخب الفلسطيني أو الأندية المحلية الذين لا يستطيعون التنقل بين الضفة و غزة، على سبيل المثال؟ أو، كما حصل معي، يُعتقلون على الحواجر بلا سبب يذكر؟ أو إدانة لقصف ملعب فلسطين، و باقي المؤسسات الرياضية في غزة؟
[caption id="attachment_25160" align="aligncenter" width="445"] اللاعب في فريق برشلونة ميسي خلال زيارته لحائط البراق في القدس المحتلة[/caption]لا شك أنك قد سمعت عن محاولة نفس النادي الجمع بيني و بين الجندي جلعاد شاليط في مباراة الكلاسيكو و أنني كنت قد رفضت الاستجابة لهذه الدعوة الفاضحة للتطبيع و المساواة بين الضحية و الجلاد. فلا يوجد هنا "طرفان متساويان"! على العكس، و كما تعلم، يوجد طرف يمارس التطهير العرقي و الاحتلال العسكري و الاستيطان و التفرقة العنصرية، طرف لديه رابع أقوى جيش في العالم مدجج بطائرات ف16 و دبابات ميركافا و قنابل الفسفور، ناهيك عن الترسانة النووية.
فكيف يقوم "فقهاء" برشلونة بمساواة ذلك بضحية هذا الجيش العنصري البغيض؟ وهل كانوا سيقومون بزيارة قيادة نظام الأبارتهيد في جنوب أفريقيا ثم التوجه للقاء قيادة الحركة المناهضة لذلك النظام في الثمانينيات من القرن الماضي؟! الاجابة معروفة: كان المجتمع الدولي، و بتوجيه من قيادة الحركة المناهضة للأبارتهيد، سيقاطع النادي بسبب تواطئه مع نظام التفرقة العنصرية. و لم يكن من الممكن أن تصل وقاحة النادي أن يطلب من مغني جنوب أفريقي أسود أن يغني في حفل استقبال لهم!
وكذلك كانت هناك محاولة للالتفاف على فشل هذا النادي بالجمع بيني و بين الجندي شاليط حين قام قبل أمير قطر بالعمل على دعوة الفريق للعب مباراة تطبيعية تضم لاعبين من الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي ولكن المبادرة فشلت بسبب وضع قضية الاسرى في حينها و الحملة الكبيرة التي قمنا بها بالتنسيق مع حملة المقاطعة و الأندية الفلسطينية في غزة لافشال الجمع بيني و بين شاليط.
عزيزي محمد،
لا شك و أنك قد سمعت عن حملة الهاسبراة، البروباجندا، الاسرائيلية التي تشرف عليها وزارة الخارجية و تسعى الى تبييض وجه اسرائيل من خلال مثقفيها ورياضييها، و بالذات أهل الفن فيها. كل ذلك من أجل ابراز صورتها كدولة "مستنيرة، ديمقراطية، راعية للفنون....الخ" و تعمل اسرائيل من خلال ذلك على ابراز صورتنا كشعب معاد للفنون و الغناء، لدرجة أنها عملت على سرقة تراثنا من الثوب الى الفلافل و حتى الدبكة!
وتقوم اسرائيل باستغلال قلة قليلة من أبناء شعبنا الذين يرضون على أنفسهم أن يكونوا ورقة التوت التي تلبسها اسرائيل لتغطية جرائمها بحق شعبنا الصامد. فتجد الأكاديمي الفلسطيني الذي يشارك مع مؤسسة أكاديمية في مشروع تطبيعي، و تجد السياسي الذي لا يتوانَ عن لقاء مجرمي حرب. و لكن هناك إجماع فلسطيني على محاربة التطبيع بكل أشكاله، وتقود اللجنة الوطنية للمقاطعة هذه الحملة التي يشارك فيها الكل الفلسطيني. كما قامت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية و الثقافية لاسرائيل بصياغة تعريف للتطبيع تم إقراره من الغالببة الساحقة من المجتمع المدني.
ويحزنني أن أوضح لك بأن زيارة فريق برشلونة الأخيرة هي تطبيعية و بامتياز حيث ينطبق عليها حرفيا ذلك التعريف من حيث انها تعمل، كما يقول النادي، على "بناء جسور الحوار بين الطرفين." و بالتالي هي "نشاط أو مشروع يهدف لتحقيق "السلام" من دون الاتفاق على الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف حسب القانون الدولي وشروط العدالة." اضف الى ذلك كون الزيارة "نشاط ، يدعو له طرف ثالث أو يفرضه على الطرف الفلسطيني/العربي، يساوي بين "الطرفين"، الإسرائيلي والفلسطيني (أو العربي)، في المسؤولية عن الصراع، أو يدعي أن السلام بينهما يتحقق عبر التفاهم والحوار وزيادة أشكال التعاون بينهما، بمعزل عن تحقيق العدالة"، بالتالي "يميع وضع الشعب الفلسطيني كضحية للمشروع الكولونيالي الإسرائيلي"و "يتجاهل حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وخاصة حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض حسب قرار الأمم المتحدة رقم 194."
فهل توافق على ذلك؟
إن الغالبية الساحقة من أبناء شعبنا هم من اللاجئين الذين شردتهم اسرائيل في عملية تطهير عرقي ممنهج. والدك من بئر السبع ووالدتك من بيت دراس و لا شك لدي أنهما لا يقبلان بأقل من حقهما في العودة! و أبناء شعبنا في فلسطين 48 يعيشون كمواطني درجة ثالثة، غرباء في أرضهم، تُمارس بحقهم تفرقة عنصرية بغيضة. لقد غنيت لهم و أسعدتهم جميعاً. ألا يحق لهم أن يتساءلوا، مع أهل غزة الأبطال، لماذا لم يُسمح لهم برؤية فريق برشلونة و أنت تغني لهم؟ هل قام النادي بسؤال "اسرائيل" عن ذلك؟
محمد،
لقد قام العديد من الفنانين العالميين بالاستجابة لنداء المقاطعة الثقافية/الفنية، وهذا العدد في تزايد. الملفت للنظر أن معظمهم يرفض أن يفعل ما قام به فريق برشلونة، أي زيارة اسرائيل ثم "معادلة" ذلك بزيارى قصيرة للضفة الغربية. ومن المغنين/ات الذين رفضوا إقامة حفلات في اسرائيل ودعوا لمقاطعتها النجم العالمي روجر ووترز. و تضم القائمة ستيفي وندرز، آني لوكس، جيل سكوت هيرون، نتاشا أتلس، البيكسيز، كساندرا وسلسون، الفيس كوستيلو، ماسيف أتاك، أندي كاسريلز، كارلوس سانتانا، جيلو بيافرا، و العديد من الممثلين و الشخصيات الثقافية.
أنا الآن موجود في جولة في المملكة المتحدة بدعوة من حملات المقاطعة هنا و بالتنسيق مع حملة المقاطعة الفلسطينية. و يسعدني أن أخبرك أنني استطعت ان أقنع "الفيفا بروا" ان تكون فلسطين عضوا بهذه المنظمة بشرح عن أوضاعنا كلاعبين و المصاعب الجمة التي نواجهها كوننا جزءا من هذا الشعب. وانت بدورك و بالموهبة الرائعة التي تمتلكها تستطيع ان تكون سلاحاُ مضادا لحملة الهاسبراة الصهيونية كما فعل الكثير من فناني/ات جنوب أفريقيا و ايرلندة. بصوتك نستطيع أن نطور حملات المقاطعة الدواية التي تعتبرها "إسرائيل" الآن خطراً استراتيجياً.
أحببناك لأنك "واحد منا"، رقصنا على أغنياتك، حلمنا بالعودة معك، أسقطنا عليك الكثير من أحلامنا، وحينما عدت لزيارة غزة تلهف الجميع لسماعك. وكنت قد سمعت أن الاسرى فرحوا ليلة فوزك.فلا تخذلنا و تسمح لنفسك بأن تنصاع لمن يحاول جرك لمشاريع تفوح منها رائحة التطبيع البغيضة.
قدرك أنك فلسطيني موهوب، فلا تهدر تلك الموهبة في دواليك حملة البروباجندا الاسرائيلية التي تستميت لاجهاض نصرك/نا الكبير. ولا تسمح للمطبيعن/ات أن يجهضوا/ن فرحتنا العارمة بك!
أخوك
محمود السرسك