تمعن سلطات الإحتلال في إذلال فريق المفاوضات الفلسطيني بكافة ممارساتها ومنذ اللحظة الأولى لانطلاق هذه المفاوضات، فبمجرد قبول هذا الوفد الجلوس على طاولة المفاوضات، عرفت سلطات الإحتلال قابلية هذا الوفد للإذلال والإهانة، ليس اليوم ولكن منذ سنين مضت عرفت سلطات الإحتلال الثمن الرخيص الذي يطلب منها أن تدفعه مقابل جلسات الإذلال هذه، بضع آلاف من الدولارات، وبضع قبلات ومعانقات تقدمها "المعطاءة" ليفني التي أفصحت في غير مناسبة عما قدمته من أثمان من جسدها لدولتها على هوامش مثل هذه اللقاءات، وما تسرب إلينا من صور عن اللقاء الأول من هذه الجولة، والطريق بأوله، يعبر بكل وضوح عن تلك العلاقة الحميمية.
ليس مصادفة أن تعلن سلطات الإحتلال عن نيتها بناء 4500 وحدة سكنية في الضفة المحتلة منها ألف وحدة سكنية في القسم الشرقي من مدينة القدس المحتلة في داخل أسوار المدينة يكون فيها كنيس يهودي لا يبعد عن المسجد الأقصى أكثر من خمسين مترا. توقيت هذا التصريح يثير الكثير من التساؤلات. هل تريد سلطات الإحتلال إفشال المفاوضات التي ظلت طيلة شهور عدة تطالب باستئنافها وتنوي دفع ثمن مؤلم على حد تعبيرها (اطلاق 104 أسير فلسطيني) له؟ هل تريد أن ينظر العالم إليها أنها الطرف الذي دائما يخرب مسار المفاوضات وتنتهك القانون الدولي ببنائها داخل حدود 1967؟ أم هل هناك صفقة بين نتنياهو وأحزاب صهيونية أخرى من أجل القبول بالثمن المؤلم وعدم الخروج من الإتلاف الحكومي وافشال المفاوضات والحلول والمكاسب المرجوة منها؟
لقد عرفت سلطات الإحتلال منذ البداية أنها تستطيع دائما الحصول على مزيد من التنازلات فهي بالنسبة لها ما المفاوضات الا طريقة لمزيد من الوقت لبناء مزيد من المستوطنات ومزيد من الأمر الواقع، ليس كالطرف الآخر الذي يعتبرها الخيار الوحيد والإستراتيجي ويعتبر "الحياة مفاوضات"، فهي لديها القدرة على الضغط أكثر وفرض شروطها بشكل أقوى.
من هذا المنطلق لا تخشى سلطات الإحتلال ايصاد باب المفاوضات بشكل مطلق فهو الحياة لمنازعيها ووسيلة لا أكثر لها، وهي سترد على كل من يستنكر بناءها داخل حدود 1967 بحجة أنه يدمر المسيرة السلمية بقولها أن المسيرة السلمية مستمرة وهناك مفاوضات تجري سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وبالسر أو بالعلن. وهي سترد على من يطالب بوقف الإستيطان لأنه مخالف للقوانين الدولية بأن أصحاب الشأن يقبلون بالإستيطان والدليل على ذلك وجودهم حول طاولة المفاوضات وتنسيقهم الدائم مع سلطات الإحتلال وتأمينهم أمن المستوطنين الذين يسكنون هذه المستوطنات رغم البناء المستمر للمستوطنات.
وهي سترد على من يعارض البناء الإستيطاني في القسم الشرقي من مدينة القدس المحتلة لأنه يقوض فرص تقسيم المدينة ليصبح كل قسم منها عاصمة لدولة كل طرف، بأنه لم يوجد في تاريخ دولة الإحتلال أي زعيم صهيوني ذكر بشكل مباشر أو غير مباشر استعداد حكومته تقسيم المدينة أو التفريط بأي جزء منها، وما تفرضه حكومة الإحتلال من تكثيف الإستيطان داخل الأحياء الشرقية من المدينة ذات الغالبية الفلسطينية إلا دليل واضح على توجه الإحتلال عكس أي حل يؤدي إلى تقسيم المدينة أو التفريط بأي قسم منها.
في البونط العريض تريد سلطات الإحتلال أن تثبت أن الإستيطان في القدس وغيرها أينما شاء الإحتلال شأن داخلي، لا تسمح لأي كان أن يتدخل بهذا الشأن أو أن يعيق تنفيذ هذا الهدف. لقد توقفت المفاوضات (علنا) بدعوى اعتراض الجانب الفلسطيني على استمرار البناء الإستيطاني، ولم يتوقف الإستيطان ولم يتعهد الجانب المحتل بوقفه.
لم يتعهد الجانب المحتل أيضا بالإلتزام بحدود 1967 كأساس للحل على الرغم من أن هذا الأساس غير مقبول لدى غالبية الشعب الفلسطيني ولا يمثل تطلعاته ومع ذلك فإن سلطات الإحتلال لا تقبله أساسا للحل. لقد قدمت سلطات الإحتلال الثمن (المؤلم) على حد زعمهم في إطلاق 104 أسير ممن أمضوا ما يزيد على العشرين عاما من أجل أن تحصل هي على إطلاق يدها في التهويد والإستيطان وتحت الغطاء الفلسطيني الموافق على هذا الإطلاق وإلا لما توجه إلى طاولة المفاوضات.
كل هذا الإذلال والحرق السياسي للفريق المفاوض لقطع الطريق أمامهم من العودة إلى الصف الوطني والمطالبة بتطلعات الشعب الذي خرج منددا بالعودة للمفاوضات ومطالبا بالمقاومة فتم قمعه والمباهاة بهذا القمع العصري على حد زعم متحدثي وأنصار التنسيق الأمني.