شبكة قدس الإخبارية

محمود أبو الخير ثائر من عارورة ابتعد عن الأضواء

رائد أبو أسعد

ولد المجاهد محمود أبو الخير عام 1907 في قرية يطا في محافظة الخليل وتوفي في قرية عارورة عام 1985م، وكان هذا الثائر المميّز يقود فصيلا ضمن الثورة، وعمل مساعدا ونائبا لـ"حسن سلامة" أحد قادة ثورة الثلاثينات الرئيسيين الذي يروى أنه زار عارورة في تاريخ لم يتسن تحديده تماماً.

ساحة عمله كانت جغرافيا فلسطين من شمالها مروراً بمناطقها الوسطى وصولاً إلى جنوبها حيث قضاء غزة. يذكر محمود أبو الخير كرجل حمل في قلبه بساطة الفلاح وحزم الثائر وزهد المؤمن، وكان منذ نعومة أظفاره مسكوناً بالوطن، ثائراً ضدّ الظلم التاريخي الذي وقع على شعبه.

فمن ثورة البراق عام 1929م إلى ثورة القسام عام 1935م وحتى اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م وصولاً الى حرب 1948م، ترسخ وعيه بخطورة المراحل التاريخية التي عاشتها البلاد ونمى دوره ووعيه وفعله الثوري تبعا لتلك المراحل. كان قد خبِرَ الاصابات الجسدية الشديدة والسجون والمنافى وكثير من المحن والشدائد.

as

لم يقتصر دوره على العمل مع القائد حسن سلامة بل كان على علاقة وثيقة مع المفتي الحاج أمين الحسيني والمجاهد عبد القادر الحسيني وغيرهم من أعلام وقيادات تلك المرحلة، وان لم يتسن معرفة جميع تفاصيل هذه العلاقات نظرا لطبيعة شخصية المجاهد محمود أبو الخيرالتي تميزت بالكتمان. وهناك دلائل عديدة موثقة تدل على أهمية الدور الذي لعبه المجاهد محمود أبو الخير الذي ثبت أنه لم ينل حقه في تأريخ سيرة جهاده الطويل. وعلى المستوى الوطني لم يتعد الأمر تسمية شارع باسمه في رام الله من قبل بلديتها.

رسم الخطوط العريضة والمميزة لسيرة هذا المجاهد يعتمد على الوقائع المستندة إلى سيرته الذاتية خلال وبعد انتهاء ثورة 1936، ولجوئه القسري إلى لبنان و العراق و سوريا، والتحاقه بكتائب الجهاد المقدس في فترة سبقت حرب1948، ومن بعد ذلك التحاقه لفترة قصيرة بالجيش العربي الأردني. يضاف الى ذلك مواقفه وظروف حياته بعد تسريحه من الجيش والتحاقه بالحياة المدنية مع كل الصعوبات التي واجهته في كسب رزق عياله، نتيجة لتاريخه الثوري المجيد ومواقفه المرتبطة بذلك والتي لم تجعله على وئام مع أية سلطات رسمية.

فرقة كشاف عارورة ولقاء في قرية فرخة

وقع الاحتكاك الأول للمجاهد محمود أبو الخير بالعمل الثوري مبكراً إثر اشتراكه في ثورة البراق التي اندلعت عام 1929م. أما أولى محاولاته للالتحاق بالعمل الثوري المنظم فقد كانت على اثر شيوع خبر اندلاع ثورة القسام في جبال جنين عام 1935م. ويذكر محمود أبو الخير في شهادته الشفوية أنه قام بتحميل دابته بالتين المجفف "القطين" على سبيل التمويه وتوجه مع مرافق له يثق به إلى تلك المنطقة.

لم يكن المرافق يعلم عن نية محمود أبو الخير الالتحاق بثورة الشيخ عز الدين القسام وان مهمته كانت فقط العودة بالدابة الى القرية بعد بيع التين المجفف. لكن بعد وصوله الى المنطقة الشمالية من فلسطين وردت له الأخبار من أحد رجال القسام ويدعى الشيخ عطية أنه تم القضاء على الثورة وتشتت من بقي من أتباع الشهيد القسام في الجبال، فعاد من حيث أتى.

وذكر أبو الخير أنه تعرف لفترة وجيزة على الشهيد الشيخ الطاعن في السن فرحان السعدي والتقى به في إحدى الأيام من عام 1936م، بعد أن جاءه رسول من طرف المجاهد المعروف عبد الرحيم الحاج محمد يطلب فيه لقاءه في قرية فرخة. ولم يعرف أبو الخير كيف توصل هذا المجاهد لاسمه، وبالفعل ذهب الى قرية فرخة وكان التكليف الأول هو التهيئة للثورة، وسعد أبو الخير بهذه المهمة التي انتظرها واستعد لها طويلاً.

قبل عام من هذا اللقاء المهم في قرية فرخة كان قد زار القرية رجل اسمه بهاء الدين الطباع يرافقه رجل آخر من القدس اسمه خالد الدزدار في مهمة محددة وهي انشاء فرقة للكشاف المسلم مهمتها تجميع شباب القرية وفتيتها واعدادهم وتدريبهم على يد مدرب محترف على العمل الكشفي. وبالفعل قام محمود ابو الخير بتجنيد عشرات الشباب والفتية من القرية وأطلق على تلك الفرقة اسم فرقة سعد بن معاذ.

ويذكر الحاج محمود ابو الخير أن كثافة الالتحاق بفرقة الكشافة كان بسبب ان هذه الفرقةمرخصة من قبل البريطانيين، وتم تدريب الشباب والفتية بداية باستعمال العصي.

استغل محمود أبو الخير استعداد هذه الفرقة وطلب لاحقا من أعضائها احضار بندقية وبعض الذخيرة وخصص صندوقاً يدفع فيه كل مشترك نصف جنيه فلسطيني للصرف على شؤون الفرقة. وقد عرف ممن ساعدوه في تكوين فرقة الكشافة تلك كل من "يوسف نمر خصيب"من قرية عارورة والشيخ "محمد رجا" من قرية "رنتية "أحد معلمي الكتاتيب الأوائل في قرية عارورة وتحديدا في المبنى المسمى "القبة"، وذلك قبل نشوء المدارس الحكومية.

*اعتمد هذا التقرير على كتاب "سيرة قرية"، عن صراع الوجود وفن البقاء، نموذج قرية عارورة، نمر عاروري، دار كنعان للدراسات والنشر، دمشق، 2012.