شبكة قدس الإخبارية

يداً بيد نحو اسقاط التوجيهي

فرح عصام

من الطبيعي أن تطرأ تعديلات في الدول المعنية بأن تمضي قدما على الأنظمة التعليمية فيها، تعديلات تراعي متطلبات الحياة الجديدة و زمن السرعة، الخروج عن التقليدية و الصلابة نحو التميز و المرونة.

عن عشق المعرفة أتكلّم عن نظام تعليمي يتيح لي أن أتعلّم الموادّ التي أنوي دراستها في الجامعة دون الحاجة إلى 5 مواد إضافية تلاحقني العام تلو الآخر و هي تمتص من شغفي بالمعرفة ومن نقاطي في شهادتي المدرسية.

إن الثورة على النظام التعليمي يجب أن تكون على مستويين فالمستوى الأوّل هو المنهاج:

المنهاج الفلسطيني مزرٍ فهو عدا عن أنه طافح بالثغرات اللغوية هناك البدن الصلب للكتب، غير المرن الذي يقوم بالنسخ واللصق من المراجع دون إعلاء قيمة البحث و القراءة و الإعجاب بالأفكار المتداولة في الكتب فالدروس عبارة عن شرح تفصيلي ممل دون أي مكان "للدهشة" أو "المفاجأة" فأنا مثلا حين أقرأ كتابا يتناول مجال الفيزياء الفلكية لا بد لي من الوقوف عند عدة سطور في الكتاب (هذه السطور هي ما سيبقى في ذاكرتي). الدهشة هي ما يطبع المعلومة في الدماغ أما حفظها و تكرارها "غسل دماغ" و لنا في هذا النصوص الرائعة التي نتذكرها من الكتب أو حتى الاقتباسات.

أمّا المستوى الثاني فأسلوب الأساتذة الذي يوحي أن الأستاذ يقضي محكومية بالأشغال الشاقة المؤبدة. وبغض النظر عن نوعية الطلاب في الصف وعن نوعية المدرسة فالأستاذ الجيد هو الذي يشد انتباه الطلاب إلى الحصة و يتخلى عن الكتاب أمامه ليرتجل في غالبية الحصة ويخاطب الطلاب كما لو كان قد عرف المعلومات لأول مرة و سعيدا بمشاركتها و أنا لا أطلب من المعلم أن يتصنع لكنني أطلب منه أن يؤدي أمانته الموكلة إليه فالطلاب اليوم ينظرون للأستاذ نظرة الخصم و العدو اللدود الذي يفرض عليهم دائما ضربة استباقية في الحصة.

لماذا لا يتم إدخال نظام الوحدات في المدارس و الثانويات الفلسطينية؟ بمعنى لماذا لا أختار المواد التي سأدرسها في الجامعة مع 3 مواد أساسية هي العربية الإنجليزية و الرياضيات؟ و أقسّم هذه المواد على مدار السنوات القادمة بحيث أتخرج مع العدد اللازم من الوحدات لإتمام مادّةٍ بأكملها ؟

ولماذا تكون هناك حصة مكتبة يتم فيها اقتيادنا كقطعان الغنم لنجلس حول الترعة و "نمائي" ؟ عوضا عن أن يتم إدراج كتب عظيمة مع كل مادة ؟ كتب قام مؤلفوها بمجهود جبّار في كتاباتها ليشرحوا نظرياتهم و يعرضوها ؟ كما هو الحال في الكليات التي تدرج رواية "عالم صوفي" ــ الباحثة في تايخ الفلسفة القديمة المعاصرة و الحديثة ــ في كل تخصصاتها.

لماذا التلقين؟ لماذا لا نلجأ لليوتيوب للمرئي و المسموع ..حتى للفايس بوك و تويتر ! هناك كثير من الطلاب اعترفوا أن موقع تويتر أثرى معلوماتهم دون الحاجة إلى الحفظ! تشير دراسة أسترالية إلى أن الواجبات المنزلية لا تعود على العملية التعليمية بأي نفع مجدٍ .

لماذا أقضي 12 عاما و أنا في السجن ! مرغما على دراسة مواد ليس لي فيها شيء ! و بالمناسبة ليس من الغباء أنني مثلا لا أنجح في الجبر أو لا أنجح في التاريخ ! فأنا رسبت دائما في الجبر لكنني كنت متفوقة في الهندسة و كان عزاء المعلمة أنني في حصة الجبر أنشغل مع رفيقات السوء لكنني في حصة الهندسة أعطي كل انتباهي ..علما أنني بكل بساطة كنت أجد الهندسة ممتعة جدا و الجبر معقدا أكثر من اللازم !

هذه أشياء صغيرة لكنها حقيقية ! فنظرية الذكاء المتعدد تقول و المنطق يقول أن لكل دماغ مواطن ضعف و مواطن قوة لكن النظام التوجيهي أرغمنا على ابتلاع مواطن قوتنا و تركها جانبا و التركيز على مواطن ضعفنا في إطار "التحسن" !! التحسن لا يحوّل الحمار إلى حصان ! و لا يحول البطاطا إلى تفاحة !! ثمة أشياء تبقى كما هي .

و هذا ما لا يفهمه التوجيهي!

ما هي آليات تغيير نظام التوجيهي؟

كي يتعاطى الأكاديميون مع حقيقة فشل هذا النظام الذي أودى بكثير من العقول إلى المطابخ و المشاحم على الطلاب أولا التوقف عن التعامل مع النظام عبر المقاطعة.

مقاطعة التوجيهي هي الشرارة التي ستحرج وزارة التربية و التعليم - إذا عندهم خجل يعني- و ترضخها لتقوم بتغيير المنهاج بطريقة تجبر الأساتذة بدورهم على تغيير أساليبهم في دس المعلومات بأدمغة الطلاب.

بعد المقاطعة تقوم الوزارة بعرض أنمذجة مقترحة للنظام الجديد للتصويت عبر أرقام هويات الطلاب من خلال موقعها.