شبكة قدس الإخبارية

عن برافر، بيت إيل، سلطة أوسلو وما حدث في رام الله

٢١٣

 

رجائي أبو خليل

 في محاولة لتضميد الجرح الفلسطيني النازف اليوم في النقب، والجرح الفلسطيني النازف دائمًا وأبدًا في كل مكان خرجت اليوم مظاهرة شبابية فلسطينية في رام الله تعبيرًا عن رفض الفلسطينيين لمشروع برافر الهادف لتدمير 38 قرية فلسطينية وتهجير 40 ألف مواطن فلسطيني عربي من النقب؛ بالاضافة الى مصادرة ما يقرب من 800 ألف دونم من أصحابها الفلسطينيين في النقب تحت شعار برافر لن يمر.

 بدأ التجمع في الساعة الرابعة عصرًا في دوار المنارة_ في وسط المدينة_ بعددٍ لا يتجاوز العشرات من الناشطين من الشبان والشابات الفلسطينيين، لتبدأ بالتحرك في شوارع رام الله، بدءًا بشارع “ركب” مرورًا بدوار الساعة ” ميدان الشهيد ياسر عرفات ” حيث انضم بعض المارة الى المظاهرة استجابةً للنداءات التي كانت يرددها المتظاهرون “يا جماهير انضموا الينا والله النقب غالي علينا” .

 وبما أن أساس هذه المظاهرة هو مواجهة الاحتلال وأن المقاومة الشعبية الفلسطينية لا تقتصر على ميادين في وسط المدن الفلسطينية المنعزلة بعيدًا عن نقاط التماس ، سرعان ما تعالت الأصوات وبحماس ينبع من القلوب، أخذ المتظاهرون يهتفون بوجهتهم القادمة؛ معسكر بيت إيل الإسرائيلي شمال المدينة.

 انطلقت المسيرة التى غدت تضم 150 شخصاً تقريبًا عبر شارع الإرسال الذي تقع فيه المقاطعة ” المقر الرئاسي الفلسطيني” باتجاه المعسكر، وقبل مرورنا من أمام المقاطعة بأمتار اعترضتنا قوة من الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية لتمنعنا من المرور. وبرغم الحنق وخيبة الأمل التي سادت صفوف المتظاهرين، اضطررنا للالتفاف حولها عبر شارع فرعي يؤدي الى شارع القدس-نابلس لاستكمال وجهتنا الى المعسكر المقصود.

وقبل وصولنا للمعسكر بمسافة تقل عن الكيلومتر واجهتنا قوة كبيرة من الشرطة الفلسطينية التي كانت تغلق الشارع بعرضه لتمنعنا من الوصول الى وجهتنا “المعسكر الإسرائيلي”. مجددًا ضبطتنا انفعالتنا وبعقلانية حاولنا أن نخاطبهم كإخوتنا في محاولة لتذكير الشرطة الفلسطينية بوحدة الشعب والعدو الواحد والقضية الفلسطينية الواحدة بدأنا بالهتاف ” الشعب والشرطة إيد وحدة “؛ لكنهم لم يستجيبوا. وبعد أن بدء عناصر الشرطة في دفعنا للخلف واستخدام القوة ضدنا، انتابتنا نوبات من اليأس والغضب وخيبة الأمل، وتغير هتافنا الى يسقط يسقط حكم العسكر، أنا شخصيًا انتابني دافع قوي فوجدت نفسي أهتف ” الشعب يريد اسقاط أوسلو”.

رأيت الخجل في عيون بعض الضباط والعساكر، فحاولت شخصيًا أن أحاورهم _خاصةُ أن لي خلفية فتحاوية “سابقة” ظننت أنها قد تمنحني بعض الأفضلية_ لأقنعهم أن الموضوع يتعلق فقط بفلسطين، بعيدًا عن الحزبيات المسرطنة التي برأيي هي السبب الأساسي للوضع الفلسطيني البالغ في السوء حاليًا. فقال لي أحد الضباط ” لا تعطيني دروساً في الوطنية، أبي شهيد وأخي شهيد”. أجبته بتلقائية صادقة “ماذا تفعل هنا إذا” . تسمّر في مكانه، لم يجبني ولم يفتح لي الطريق، أشفقت عليه.

ضابط آخر كان أحد رفاق غربتي في مصر،تجنبنا طوال التدافع بين الشرطة والمتظاهرين بعضنا بعض. قال لي: ” أنتم، ما الذي يمكن أن تقدموه: سترمون بعض الحجارة لتتعرضوا للإصابات أو للاعتقال؟ والنتيجة: لا شيء !”.كنت متعبًا فلم أحاول ان أشرح له جدوى وضرورة المقاومة الشعبية؛ ولم أعطه الانتفاضة الأولى كمثال والتي لولا أوسلو لأنجزت أكثر من 100 عام من المفاوضات. فأجبته: ” يا صاحبي، اللاشيء أفضل من أن أقف هنا مكانك أحول بين شعبي وعدوه”. لم يجب أيضًا، ولم يفسح الطريق حتى.

خرجنا تلبيةً لنداء أرضنا وشعبنا، لم نحصل على مواجهة فلسطينية إسرائيلية كما أملنا، بل كانت المواجهة فلسطينية فلسطينية! ما حصل اليوم ليس أكثر من صورة مصغرة للحالة الفلسطينية. إن السلطة الفلسطينية هي ما يحول بيننا وبين عدونا الصهيوني. على السلطة أن تذهب إلى الجحيم، أو أبعد. ولتسقط تسقط سلطة أوسلو.

الصورة أعلاه: قوات الأمن الفلسطينية تمنع عددا من المتظاهرين من التقدم باتجاه معسكر "بيت ايل" العسكري الإسرائيلي.