ما أن تثبت رؤية هلال شهر رمضان ويدخل الأبواب الشهر الفضيل حتى تبدأ أعمال التزيين والتجميل لمدينة القدس من قبل سكانها بلمساتهم الخاصة، حواري البلدة القديمة تعج بالأضواء والألوان المختلفة، فسكان كل حارة يتنافسون في إظهار حاراتهم لتكون الأجمل، فتظهر القدس بسواعد شبابها في أجمل حلّة وهي تستقبل الشهر الفضيل، لكن خلف ذلك التزيين عمل مضني لا يعرف خفاياه الا أهل المدينة .
يقول الشاب وجدي النتشة القاطن في حارة السعدية إن أعمال التزيين تلك تسر الناظرين لكنهم يواجهون مشاكل عدة قبيل تعليقها والانتهاء منها، فلا إمكانيات ولا دعم لشراء تلك الزينة، ولا لجان مسؤولة عن هذا العمل، بل هو عمل تتطوعي بحت، ويتابع قائلا إن الاحتلال كعادته لا يتركهم وشأنهم فعندما علقوا علم فلسطين بين الزينة حاول الاحتلال إزالته.بينما يرد المقدسي مروان ابو اسنينة ويقول إن حارته " باب حطة " هي أجمل الحارات وأكثرها زينة لان أهالي الحي يدفعون من اموالهم الخاصة ويجمعون النقود لشراء الزينة ولا تقتصر المهمة هنا، بل يمنع أي شخص من خارج الحارة من شراء او تعليق ما يحلو له فهو عمل منظم على حد قولهم.
أيوب نعيم أحد سكان البلدة القديمة يعرب عن قلقه من اندثار الفانوس الرمضاني في القدس وانقراضه على حد وصفه، ففي البلدة لا يوجد الا قلة من المحلات لبيع الفوانيس الرمضانية ومع ذلك لا يلقى اقبالا كثيرا من الناس فهي تفضل الحبال الضوئية بصفتها أسهل للتعليق وأقل ثمنا.
لا شك بأن الأضواء ليست وحدها ما تبعث الراحة لقاطن المدينة أو زائرها، فالمسحراتي نضال حجازي يرى بأن عمله كمسحراتي لحارة السعدية هو زينة كبرى لرمضان فيقول " اي رمضان هذا بدون مسحراتي " واضاف " الانوار تزيين المنظر وانا أزين الجوهر " .
المسجد الأقصى يعج بالمصلين في ليلة التراويح الأولى:
زينة القدس في رمضان لا تكتمل إلا بوجود الناس، فأسواق البلدة القديمة وساحات المسجد الأقصى بدأت منذ مساء الليلة تعج بالزائرين والمصلين من أهل المدينة وأشقائها من الداخل الفلسطيني في الضفة الغربية.
التاجر المقدسي زهير زلوم يقول صحيح أن القدس تنتعش في شهر رمضان لكن ما يلفت نظري فعلا هو مسيرة البيارق والتي تأتي باخوتنا من الشمال بالحافلات وباعداد كبيرة للقدس تحية لهم فهم القلب الحقيقي للقدس واقتصادها.أما الحاجة أم محمد القادمة من بلدة العيزرية فتقول بأن الزينة الحقيقية لرمضان هو صلاتنا في المسجد الأقصى وساحاته لأننا لا نستطيع دخول المدينة إلا في هذا الشهر الفضيل.
وفي اتصال مع دائرة الأوقاف الإسلامية أوضح المسؤولون فيها بأن تجهيزات الاوقاف لاستقبال الشهر حسمت على ثلاثة اتجاهات اولها واهمها الاتجاه الديني حيت تم الاتفاق مع عدد كبير من الشيوخ والعلماء لاعطاء دروس الدين في المسجد الاقصى منذ صلاة الفجر وحتى المغرب في كل زاوية من المسجد .
أما الاتجاه الثاني فكان الصحي فقد تم تجهيز عدد كبير من المسعفين وسيارات الاسعاف لنقل اي حالة مرض في المسجد الاقصى خلال الشهر الفضيل , والاتجاه الثالث كان تجهيز الساحات الخارجية وتغطيتها بما يزيد عن ثلاثمائة مظلة لحماية المصليين من أشعة الشمس .
كما أن هناك ما يقارب المائة وخمسين متطوع في لجنة نظام الاقصى لفصل الرجال عن النساء ومنع التدخين والتسول في الباحات.
ورغم ارتفاع حرارة الشمس في النهار بدت ساحات الأقصى ليلا بأجواء باردة ونسمات عليلة أضفت على المصلين راحة وانتعاشا في أداء أول صلاة للتراويح من هذا الشهر الفضيل، والتي استهل بأدائها الشيخ يوسف أبو سنينة الذي بدأ بتلاوة آيات سورة البقرة لثمان ركعات ، وبعدها الشيخ علي العباسي والشيخ وليد صيام الذي اختتم بالدعاء للمسلمين في كافة بقاع الأرض، بحقن دمائهم ونصرهم على من عاداهم، وحمد الله عزّ وجل بتبليغ المسلمين هذا الشهر الفضيل في هذا العام.
وما أن انتهت أول صلاة للتراويح في تمام الساعة الحادية عشر ليلا حتى بدأ المصلون يعدون أنفسهم لاستقبال صيام أول يوم من أيام الشهر الفضيل مبتغين رضا الله عز وجل ورحمته، فالصيام في مدينة القدس والصلاة في المسجد الأقصى هي أكبر زينة وأعظم نعمة على أهل فلسطين.
تقرير وتصوير: محمد القزاز