شبكة قدس الإخبارية

تحقيق يكشف: معبر الكرامة.. شبهات فساد إداري واستغلال نفوذ واحتكار برعاية رسمية 

istera77aa

رام الله - شبكة قُدس: كشف تحقيق استقصائي لـ "الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة: أمان"، عن قضايا فساد جديدة تكشف لأول مرة تتعلق بمعبر الكرامة الذي أثيرت جملة من قضايا الفساد التي تتعلق به مؤخرا. 

وفق التحقيق، فإن معبر الكرامة يعمل تحت الخفاء قبل بدء ساعات عمله الرسمية، بمركبات خاصة لا تحمل لوحات عمومية لكنها تنقل الركاب مقابل أجر، كانت تتبع لشركة تحمل اسم "المجد" والتي حصلت على ترخيص من وزارة النقل والمواصلات الفلسطينية، تعمل تحت مسمى “VIP” ضمن نظام خاص أعدته الوزارة، في مخالفة للمادة 86 من قانون المرور لسنة 2000 الذي يحظر بشكل صريح تقاضي الأجرة مقابل السفر في “حافلة خصوصية”.

ويؤكد التحقيق، أن هذا النشاط لم يكن منظما بأي نظام أو تعليمات نافذة، ومُنحت “المجد” رخصها من دون منافسة، ومن دون إعلانات، ومن دون أي آلية تضمن تكافؤ الفرص بين العاملين في القطاع. وفي حينه نظمت نقابة عمال النقل احتجاجات واسعة ونفذت إضرابات عن العمل، إلى أن اضطرت الوزارة إلى تجميد التراخيص مؤقتا، ثم جاءت جائحة كورونا في عام 2020، لتضع الملف في حالة من السبات، من دون معالجة قانونية حقيقية.

يشير التحقيق، إلى أنه داخل وزارة النقل والمواصلات، بدأت محاولات البحث عن “مخرج” من مأزق “الانتهاك الفاضح للقانون”، وهو مأزق بدأت تتكشف مؤشراته كشبهة فساد إداري واستغلال نفوذ، وجرى التوصل إلى تسوية مع نقابة السائقين ومحافظة أريحا التي قامت على قاعدة “أقل الأضرار".

ويوضح التحقيق، أن "الحل كان بمنح مجدي نصار المدير العام للشركة، تصاريح لخمس مركبات تحت مسمى “النقل المميز”، وتحويل هذه المركبات الخمس من سيارات خصوصية إلى سيارات عمومية بلوحات خضراء، بشروط صارمة: ممنوعة من البيع أو التنازل أو النقل، وبمقابل مالي قدره 2500 شيقل سنويا عن كل رخصة، إضافة إلى الرسوم، كما هو معمول به للسيارات العمومية"، حيث بدى الأمر وكأنه خطوة لتصويب وضع مخالف وتحصيل إيرادات للخزينة، لكن هذه التسوية كانت بداية مرحلة جديدة لتوسع مربح يقوده نافذون داخل وزارة النقل والمواصلات وهيئة المعابر والحدود، لترسيخ سيطرة شركة واحدة. 

وفق التحقيق، صدر قرار عام 2023 لتنظيم عمل "النقل المميز" في فلسطين، وأن يصدر القانون أولا ثم يُطبق، كانت “شركة المجد” تعمل لسنوات في وضع مخالف، ثم جاء القرار لاحقا ليُفصّل على مقاس هذا الواقع القائم، من دون إعلان ومنافسة لضمان عمل الشركة في أكثر النقاط حيوية.

وفي نهاية عام 2022، كشف التحقيق عن مراسلة رسمية وجهها مدير عام المعابر والحدود في حينه نظمي مهنا إلى وزير النقل والمواصلات في حينه عاصم سالم يخبره فيها أن “هناك موافقة إسرائيلية على طلب فلسطيني بوجود شركة نقل vip لتقديم خدمات النقل للشعب الفلسطيني ممن يطلبون الخدمة”، مشيرا إلى أن “الجانب الإسرائيلي وافق على أن تكون الشركة إسرائيلية فقط”، وأن شركة "المجد" على اعتبار أنها مقدسية ذات ترخيص إسرائيلي هي الوحيدة التي تمتلك الموافقات الإسرائيلية والأردنية لتقديم جميع خدمات vip، وهي شروط مصممة خصيصا لشركة بعينها وشروط تعجيزية.

وفي عام 2024، ومع قدوم الوزير الجديد طارق زعرب، تقدم مجدي نصار بطلب جديد للحصول على رخصة مكتب تكسي للعمل على المعابر، ضمن نظام النقل المميز، والالتفاف على قرار تحديد عددها بخمس فقط، ورغم حصوله على موافقة مبدئية وتوقيع مذكرة تفاهم بين وزارة النقل وهيئة المعابر وشركة المجد، أدى تدخل أطراف داخل الوزارة ووصول الملف إلى مجلس الوزراء إلى إلغاء الموافقة.

وبعد سحب موافقة “مكتب التكسي”، مُنح نصار رخصة تأجير مركبات سياحية بسائق، في استمرار المناورة القانونية لضمان توسع “المجد” في نقل المسافرين، ومنحت الوزارة نصار ترخيصا جديدا لشركة تأجير مركبات سياحية على ذات السجل التجاري لشركة النقل المميز، على أن يتم “تأجيرها بسائق” بالاستناد إلى نظام غير قانوني يتمثل بالجمع بين مهنتين من مهن النقل والمواصلات (النقل المميز والتأجير) على سجل تجاري واحد، إضافة إلى عدم جواز تأجير المركبات السياحية بسائق.

وي منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2024، أرسل مدير عام الشركة مجدي نصار كتابا إلى الوزير طارق زعرب، يطلب فيه “الحصول على رخصة إضافة خدمة تأجير المركبات ضمن أنشطة شركة المجد للنقل المميز”، وبعد 16 يوما، أحال زعرب الكتاب إلى نظمي مهنا طالبا “الإفادة بهذا الخصوص”، وبعد أربعة أيام فقط، رد مهنا بكتاب عنوانه “رخصة تأجير سيارات”، طالبا فيه “الموافقة على منح شركة المجد ترخيصا للعمل داخل خدمة (VIP) في المنطقة المخصصة لنقل الركاب لتحقيق الخدمة الأمثل وتكامل خدمات (VIP) للمواطنين”، وفي اليوم التالي كتب زعرب بخط يده توجيها لمدير مكتبه عصام البرغوثي، لتشكيل لجنة لإبداء الرأي وعمل اللازم أصولا، والتي أوصت بالموافقة حيث سارت الإجراءات بسرعة لافتة.

وكشف التحقيق، أنه “لا توجد إجراءات معتمدة رسميا لمثل هذه الحالة حيث طلبت توجيهات لاستثناء شركة المجد من القرار الوزاري النافذ (31/18/2020) والذي يمنع ترخيص أكثر من مهنة من مهن المواصلات على نفس السجل”، حيث أصبحت “المجد” تمتلك خمس مركبات عمومية، و12 مركبة أخرى تحت مسمى “التأجير بسائق”.

ووفق التحقيق، كانت مركبات الشركة الخمس تنفذ يوميا نحو 30 نقلة من وإلى الجسر، وبعد إدخال نظام التأجير بسائق، قفز العدد إلى نحو 120 نقلة يوميا بالمعدل، وهو ما نفاه مدير عام شركة المجد مجدي نصار الذي يقول إن مجمل النقلات اليومية تصل إلى 50، حيث تتقاضى الشركة من المسافرين من رام الله إلى المعابر مثلا 300 دولار عبر مسارات الـVIP تشمل رسوم النقل، والسفر VIP، وضريبة المغادرة، وعد الخصم، تبلغ أجرة النقل وحدها 126 دولارا، أي نحو 15000 دولار في اليوم على أساس 120 رحلة و6000 دولار على أساس 50 رحلة في اليوم. 

وبعد تفجر ملفات الفساد المتعلقة بالوزير زعرب ونظمي مهنا، وتعيين عاهد بسيسو مسيرا لأعمال الوزارة، صدر قرار بوقف العمل بنظام “التأجير بسائق”، بعد نحو خمسة أشهر من تشغيله، وإيقاف 12 مركبة، مع الإبقاء على المركبات الخمس العمومية. ووفق التحقيق نفى مدير عام شركة المجد للنقل المميز والسياحة والسفر VIP، مجدي نصار، بشكل قاطع وجود أي شبهة فساد أو تقديم رشاوى أو منافع لأي مسؤول، مؤكدا استعداده للمساءلة القانونية في حال ثبوت أي دليل ضده. وقال إن أحد أفراد عائلته أبلغه بأنه دفع مبلغ 50 ألف دولار لوزير النقل السابق طارق زعرب مقابل الحصول من قبل الوزارة على ترخيص مكتب تكسي لنقل الركاب الفلسطينيين.

وفيما يتعلق بعلاقته بوزير النقل السابق طارق زعرب، قال نصار: “لما كان يسافر كان يحتجز عند الإسرائيليين لساعتين وأكثر، كنت أسهل دخوله وأعمل له تنسيق مع الإسرائيليين لتسهيل السفر”، مضيفا: “مرة أعطيته كرتونة فيتامينات صغيرة لاستخدامها لأغراض صحية”، كما أشار إلى أنه “كنت أعطيه خدمات VIP على حساب الوزارة مثله مثل أي وزير أو مسؤول”.

وأشار نصار إلى أنه خضع للاستجواب من قبل النائب العام “الذي فهم كيف أني مظلوم ولا علاقة لي بوزارة المواصلات”، مضيفا: “رحت عند النائب العام مرتين وديا، والثالثة تحقيق وقعت عليه ولم توجه لي أي تهم”.

ويقول وكيل وزارة النقل والمواصلات محمد حمدان إن وقف خدمة "التأجير بسائق" جاء بعد "ظهور مشاكل واحتجاجات"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن لدى الوزارة خطة يبدأ تنفيذها في 2026، لإعادة تقييم كل قطاع النقل وتنظيمه بما في ذلك النقل على المعابر، بحيث تشمل مراجعة كل العقود والإجراءات والقرارات، للوصول إلى حوكمة الوزارة بأنظمة وقوانين وتشريعات ناظمة بدل القرارات الوزارية. موضحا أن "الخطة التشريعية التي تم تشكيلها من قبل مجلس الوزراء تأتي في إطار تحقيق الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص للعاملين في قطاع النقل، بحيث سيتم فتح باب المنافسة على أي خدمة من خدمات الوزارة بما فيها المعابر".

وأكد المستشار القانوني في الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة – أمان، بلال البرغوثي، أن الوقائع التي يكشفها التحقيق تشير بوضوح إلى مخالفات للقوانين والسياسات الحكومية النافذة، ولا يمكن تصنيفها كاجتهادات إدارية أو أخطاء إجرائية. وقال إن “ما تم منحه لشركة المجد بشكل متكرر يخالف القوانين والسياسات المقرة من الحكومة، ويشير بشكل مؤكد إلى وجود شبهة واسطة ومحسوبية ومحاباة استنادا إلى المادة رقم (1) من قانون مكافحة الفساد”، وهي أفعال تندرج صراحة ضمن نطاق الجرائم التي يجرّمها القانون.

وشدد البرغوثي الخبير في قضايا مكافحة الفساد، على أن خطورة هذه الشبهات تتضاعف في حال ثبوت وجود مقابل، موضحا أنه “في حال كانت الواسطة والمحسوبية والمحاباة غير مجانية، أي بمقابل، فهذا يشير إلى وجود شبهة فساد أخرى وهي الرشوة، وفقا لقانون مكافحة الفساد”.

ويضيف أن “المقابل هنا، ليس بالضرورة أموال مقدمة، فقد يكون عبارة عن منافع معنوية مقدمة أو شراء ولاءات”، ما يوسع دائرة الاشتباه لتشمل أشكالًا غير مباشرة من الفساد.

ووفق القراءة القانونية، فإن القضية لا تتعلق بطرف واحد، بل بمنظومة متكاملة من العلاقات، إذ يؤكد البرغوثي: “لا شك لدينا، أن لهذه القضية كما يكشف التحقيق، ثلاثة أطراف: وزارة النقل، وهيئة المعابر والحدود، وشركة المجد (قطاع خاص)”، وهو ما يضع المسؤولية في إطار تشاركي واضح بين القطاعين العام والخاص.

ويشير البرغوثي إلى أن غياب الشفافية الرسمية في مثل هذه القضايا يعزز الشكوك ولا يبددها، لافتا إلى أنه “في ظل ضعف الشفافية المتعلقة بنشر المعلومات المرتبطة بقضايا الفساد التي تثير الرأي العام على الرغم من أن التوجهات الحكومية تشير وفقا لمشروع قانون الحق في الحصول على المعلومات المنشور على منصة التشريع التابعة لوزارة العدل، تتيح للنائب العام الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بقضايا الفساد الكبيرة، إلا أن عدم النشر -إلا ما ندر- يفتح المجال أمام ما يثار من أن هناك مبالغ كبيرة مقدمة من القطاع الخاص إلى الجهات الحكومية المذكورة”.

ويخلص البرغوثي إلى أن استمرار غياب الإفصاح والمساءلة في مثل هذه الحالات “يتطلب مزيدا من الإفصاح والتحقيق في هذه القضايا التي تعتبر مثالا بارزا لمفهوم التزاوج بين السلطة ورأس المال”.

ويؤكد أنه “في حال حصول المسؤولين في الوزارة والهيئة على أية منافع خاصة، فهنا تكون لدينا شبهة فساد متمثلة بإساءة استخدام السلطة خلافا للقانون، وشبهة استثمار الوظيفة العامة”، وهي أفعال يعاقب عليها قانون مكافحة الفساد وتستوجب المساءلة الجزائية.