شبكة قدس الإخبارية

لماذا يجب أن ترفض الجزائر مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة؟ 

image1170x530cropped (4)-68e5f5ec-21c9-4bfc-b9b9-552b341f226b

متابعة قدس: يتعامل المراقبون مع مشروع القرار الأميركي حول غزة باعتباره اختبارًا مباشرًا لدور الجزائر داخل مجلس الأمن، وللقدرة العربية على منع إعادة صياغة الصراع الفلسطيني ضمن ترتيبات وصاية أمنية وسياسية طويلة الأمد. ويرى هؤلاء أن المشروع الأميركي، بصيغته الحالية، والذي سيتم التصويت عليه غدا، يفتح الباب أمام مرحلة تُدار فيها غزة عبر مجلس دولي وقوة متعددة الجنسيات، بينما يتم تهميش الفلسطينيين وتغييب الاحتلال كمرجعية قانونية. وفي هذا السياق، تتصاعد المطالبات كي تضطلع الجزائر بدور حاسم في مواجهة هذا المسار، ليس فقط من موقعها كعضو عربي، بل من موقعها التاريخي كصوت لحركات التحرر في العالم.

يشدد مراقبون على أن الجزائر مطالَبة، قبل أي طرف آخر، برفع سقف الاعتراض داخل مجلس الأمن، لأن المشروع الأميركي يضرب جوهر الرواية القانونية للقضية الفلسطينية ويحاول خلق مرجعية بديلة تتجاوز قرارات المجلس نفسه. ويؤكد هؤلاء أن تمرير مشروع يكرّس “مجلس السلام” بوصفه إدارة انتقالية ذات شخصية دولية وصلاحيات واسعة، ويفرض قوة أمنية غير أممية داخل غزة، سيشكّل سابقة تحولية في طريقة التعامل مع الأراضي المحتلة، وقد يمتد أثرها إلى ملفات عربية أخرى. لذلك، يعتقد المراقبون أن الجزائر، بما لها من مكانة ورصيد، يجب أن تتمسك بخط واضح يرفض أي صيغة تعيد إنتاج الاحتلال في صورة إدارة دولية محسّنة.

ويرى محللون أن على الجزائر أن تُصرّ على أن أي مسار سياسي أو أمني للمرحلة المقبلة لا يمكن أن يقوم دون الاعتراف الصريح بأن غزة جزء من أرض فلسطينية محتلة، وأن الهدف النهائي هو إنهاء الاحتلال، لا إدارته. من هذا المنطلق، يدعوها المراقبون إلى المطالبة بأن يكون أي وجود دولي في غزة مرتبطًا حصريًا بقرارات سابقة للمجلس، لا بخطط أميركية تُصاغ خارج الإطار الأممي، وإلى رفض إنشاء قوة دولية بصلاحيات مفتوحة قد تُستغل لنزع سلاح المقاومة أو فرض ترتيبات أمنية تتطابق مع أولويات "إسرائيل".

كما يطالب خبراء قانونيون الجزائر بالتمسك بدور محوري للسلطة والفصائل الفلسطينية في تحديد مستقبل غزة، لا تحويلهم إلى أدوات منفذة تحت وصاية “مجلس السلام”. ويشير هؤلاء إلى أن المشروع الأميركي يضع السلطة في موقع التابع المشروط بإصلاحات خارجية، بينما يمنح المجلس المقترح سلطات تنفيذية وإدارية واسعة دون آليات مساءلة، ما يجعل المرحلة الانتقالية مفتوحة على سيناريوهات طويلة الأمد تُدار فيها غزة خارج الإرادة الوطنية الفلسطينية. ويؤكد المراقبون أن الجزائر يجب أن تُصرّ على وضع آليات واضحة لإشراك الفلسطينيين كأطراف مقرِّرة، لا كشركاء ثانويين.

أما في الجانب الأمني، فيرى محللون أن المشروع يفتح الباب أمام مشاركة دول عربية وإسلامية في قوة تُستخدم لتطبيق شروط أمنية على غزة، لا لحماية سكانها. ولذلك، يطالب المراقبون الجزائر بإعلان موقف واضح يحذّر من توريط دول المنطقة في ترتيبات قد تُقرأ شعبيًا كجزء من منظومة الضغط على الفلسطينيين، ويشددون على ضرورة أن تقود الجزائر موقفًا جماعيًا داخل المجلس يمنع تحويل مسار “فرض الأمن” إلى أداة سياسية تعيد إنتاج السيطرة الإسرائيلية.

ويشير مراقبون إلى أن مجرد امتناع الجزائر عن التصويت أو تبني موقف رمادي سيُنظر إليه على أنه تراجع تاريخي عن الدور الذي لطالما لعبته، وأنه قد يفتح الباب أمام شرعنة رؤية أميركية – إسرائيلية جديدة للصراع. لذلك، تبدو المطالبات الموجهة للجزائر صريحة: يجب أن يكون موقفها مبدئيًا وواضحًا، وأن لا يقتصر على التعبير عن “القلق”، بل أن يتحول إلى اعتراض مباشر على المشروع، سواء عبر التصويت ضده أو عبر الدفع نحو إعادة صياغة جوهرية ترد الاعتبار للمرجعية القانونية للقضية الفلسطينية.

في نظر هؤلاء المراقبين، يُنتظر من الجزائر أن تكون الدولة التي تقول ما لا يجرؤ الآخرون على قوله: أن غزة ليست إقليمًا قابلًا للوصاية، وأن مستقبل الفلسطينيين لا يُعاد رسمه في غرف مغلقة، وأن مجلس الأمن ليس منصة لإعادة إنتاج أدوات الاحتلال. ومن هذا المنطلق، تصبح مسؤولية الجزائر اليوم أكبر من مجرد تصويت؛ إنها مسؤولية الحفاظ على معنى التحرر نفسه في زمن يسعى فيه كثيرون لتحويله إلى ملف إداري يمكن احتواؤه.