طولكرم - قدس الإخبارية: تشير الإحصائيات والأرقام أن الاحتلال نفذ أكثر من 21 ألف عملية اعتقال في الضفة الغربية منذ صباح الـ7 من أكتوبر حتى الحادي عشر من يوليو الجاري، استهدفت هذه الاعتقالات في معظمها أسرى محررين ونشطاء ميدانيين وقادة فصائل ونواب مجلس تشريعي، وهدفت من ذلك إلى كبت الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية عن إسناد غزة.
ترافق مع ذلك نصب أكثر من 898 حاجزًا وبوابة في مختلف أرجاء الضفة الغربية بحسب التقرير السنوي لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان للعام 2024، إذ ارتفع الرقم منذ بداية العام الجاري 2025 لأكثر من 1000 حاجز وبوابة هدفت هي الأخرى لشل حركة الفلسطينيين وتنقلهم بين المدن والقرى بحيث تصبح عملية التنقل بين مدينة وأخرى عملية محفوفة بالمخاطر.
هذه الإجراءات التي نفذها الاحتلال في عموم الضفة الغربية، كان لطولكرم وجنين نصيب الأسد منها، فبعد عمليات عسكرية متفرقة ومكثفة شهدتهما المحافظتين ومخيماتهما على مدار السنوات الماضية أعلن الاحتلال عن عملية عسكرية في 21 يناير الماضي تعتبر الأعنف والأوسع والأطول مدة في تاريخ الضفة الغربية بهدف القضاء على المقاومة في مخيمات طولكرم ونور شمس وجنين والعمل ضمن خطة استراتيجية لضمان عدم عودة تنظيم أعمال مقاومة تخرج من تلك المناطق التي شهدت زخمًا كبيرًا في العمل المقاومة منذ منتصف العام 2021.
أسفر عدوان الاحتلال على طولكرم وجنين عن تدمير شامل لكل معالم الحياة في المخيمات الثلاث المذكورة وتغيير طبيعتها الجغرافية وتهجير كامل سكانها البالغ عددهم أكثر من 50 ألف أصبحوا في عداد النازحين، وارتقاء قرابة 63 شهيدًا في المحافظتين، وانتهاء ظاهري للتشكيلات المسلحة بشكل كبير إذ توقفت حالة الاشتباك خلال الشهر الأول من العدوان العسكري.
إزاء هذه المعطيات ومع استمرار القبضة الأمنية غير المسبوقة وحالة الاقتحام المستمر والمداهمة المتواصلة منذ أكثر من 230 يومًا في طولكرم على وجه التحديد، وبعد تصريحات متعاقبة من قبل بعض قادة الاحتلال تتغنى بإيصال الضفة إلى معادلة "صفر طلقة" وإنهاء حالة المقاومة في المخيمات، جاءت عملية طولكرم كضربة موجعة على رأس الاحتلال من الناحية الرمزية أكثر من نتائجها العملية حيث أسفرت عن أضرار في الآلية العسكرية وإصابة جنديين أحدهما حالته خطيرة بحسب اعتراف الاحتلال.
شكلت هذه العملية حدثًا استثنائيًا من نواحٍ عدة، فمن ناحية ظروف الميدان كما جرى الاستطراد أعلاه فقد جاءت في ظل حملة عسكرية وأمنية هي الأعنف في تاريخ طولكرم منذ احتلالها، ومن حيث الموقع فقد نُفذت العملية في موقع عسكري نشط على مدار الساعة إذ أن معظم اقتحامات الاحتلال لمدينة طولكرم ومعظم عمليات الانسحاب تتم عبر هذه البوابة "104 أو تسناعوز" وبالتالي هي منطقة نشاط دائم وتشهد تواجد على مدار الساعة لقوات الاحتلال فيها ومزروعة بكاميرات المراقبة بشكل مكثف، ثم إن العملية أتت بعد أقل من 48 ساعة على عملية القدس التي أسفرت عن مقتل 7 مستوطنين وإصابة 40 آخرين وتبتها كتائب القسام بشكل رسمي كما تبنت عملية طولكرم بالشراكة مع سرايا القدس.
هذا التبني من قبل كتائب القسام وسرايا القدس يعطي رسالة مفاده أن فصائل المقاومة في الضفة وعلى الرغم من سياسة جز العشب التي مارسها الاحتلال ضد قادتها ونشطائها إلا أنها ما زالت قادرة بين الحين والآخر على توجيه ضربات منظمة للاحتلال تسير وفق تراتيبية فصائلية ومخططات تتحكم بها ظروف الميدان، وهذا يعني أن الاحتلال على الرغم من حرب الإبادة الجماعية غير المسبوقة في غزة، والحملة العسكرية الأشرس في تاريخ الضفة، واستهداف قادة المقاومة والفصائل في غزة والضفة والقدس ولبنان وسوريا والدوحة، على الرغم من كل ذلك لن ينجح إلى اليوم بقطع رأس المقاومة كما يحلم بل إن المقاومة أثبتت أنها قادرة على توجيه ضربات قاتلة وليس مجرد ضربات رمزية كإطلاق نار على حاجز أو مستوطنة كما جرت العادة.
الرسالة الأخرى التي حملتها عملية طولكرم أن المقاومة لا تنحصر بنطاق جغرافي تنشط بوجوده وتنتهي بانتهائه، والقصد هنا عن التدمير الكلي والشامل لمخيمي طولكرم ونور شمس واللذان يعتبران من أكبر محاضن المقاومة في الضفة الغربية على مدار السنوات الماضية، لكن وعلى الرغم من هذا السحق الذي مارسه الاحتلال لكلا المخيمين جاءت العملية المنظمة تقول أن المقاومة قادرة على إعادة تنظيم نفسها على اختلاف الظروف المحيطة.
نقطة أخرى سعى لها الاحتلال منذ سنوات وليس منذ بدء هذه الحرب فحسب، وهي عمليات الفصل الشعوري بين ما يحدث في غزة من حروب ومجازر وإبادة جماعية، وبين محاولته لتطبيع الناس في الضفة الغربية على نمط حياة طبيعي لا يتغير بتغير الظروف المحيطة من حوله وخاصة في غزة، وقد استخدم في سبيل ذلك أدوات عدة من اعتقال النشطاء ومنظمي المظاهرات واعتقال المئات بتهمة التحريض لمجرد كتابتهم منشورات مناهضة للإبادة الجماعية في غزة عبر منصات التواصل الاجتماعي، ولا بد من عدم نسيان أو تناسي دور السلطة وبرامجها في سبيل تحقيق هذا الهدف، إلا أن عملية طولكرم ومن قبلها عملية إطلاق النار في القدس ومن بعدها عملية الطعن في القدس جاءت لتقول أن الفصل الشعوري بين الضفة والقدس مستحيل تحقيقه إذ أن ما يحدث في غزة ينعكس مباشرة على الضفة الغربية والقدس.
هذه المؤشرات والرسائل تبدو حقيقة واقعة عند النظر إلى رد فعل الاحتلال على عملية طولكرم إذ تعمد إلى تطبيق إجراءات ليس لها علاقة مباشرة بالبحث عن منفذ العملية وليست ذات أهداف أمنية وإنما نفذ سياسات العقاب الجماعي بأبشع صورة ممكنة فاعتقل أكثر من 1500 فلسطيني من شوارع مدينة طولكرم ومن المحلات التجارية ومن داخل مركبات الأجرة وطلب منهم أن يسيروا بطابور كالأطفال وسمح للصحافة والمصورين بتصوير ذلك بشكل مباشر في مشهد تعمد فيه الاحتلال إهانة المجتمع بأكمله لعقابه على العملية التي جرت.
والحقيقة أن الناظر إلى سلوك الاحتلال خلال الـ22 شهر الماضيين لا ينصدم إزاء هذا السلوك بل إن السلوك هذا يؤكد إلى أي مدى كانت عملية طولكرم موجعة لقادة الاحتلال ولمؤسسته الأمنية في وقت كانت كل التقارير الصادرة من طرفهم تؤكد القضاء التام على جذور المقاومة في طولكرم وأوصلو هذه الرسالة "بتجول" ضابطة في جيش الاحتلال في شوارع طولكرم وهي ترتدي "التنورة" كناية عن مدى الأمن الذي أصبح يتمتع به الجندي الإسرائيلي في المدينة التي كانت شوارعها تشتعل بالعبوات الناسفة والرصاص مع كل عملية اقتحام للاحتلال.
ختامًا تظهر الإحصائيات الرسمية التي اعترف بها الاحتلال أن 69 جنديًا ومستوطنًا قتلوا و579 آخرين أصيبوا في أكثر من 3969 عملية مقاومة بين إطلاق نار وتفجير ودعس وطعن في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر، وتأتي هذه الأرقام على الرغم من إعلان الشاباك إحباطه أكثر من 1200 عملية للمقاومة في الضفة الغربية واعتقاله لخلايا مقاومة قبل تنفيذها لعمليات عسكرية ضد الاحتلال خلال العام الأول من معركة طوفان الأقصى.
وتشير هذه الأرقام أن الضفة الغربية ومن حيث الخسائر البشرية المباشرة للاحتلال تصنف كجبهة ثالثة بعد جبهة غزة ولبنان خلال الحرب المستمرة منذ 22 شهرًا، ويأتي ذلك في ظل بيئة منعدمة أو شبه منعدمة الإمكانيات السياسية والعسكرية والتنظيمية لفصائل المقاومة في الضفة الغربية منذ سنوات وليس منذ مطلع الحرب الحالية فقط.