شبكة قدس الإخبارية

أعقبها غارات إسرائيلية..

تحقيق يكشف قيام طائرات بريطانية وأمريكية بطلعات تجسسية فوق قطاع غزة

أعقبها غارات إسرائيلية.. تحقيق يكشف قيام طائرات بريطانية وأمريكية بطلعات تجسسية فوق قطاع غزة

لندن- قدس الإخبارية: كشفت منصة التحقيقات “ديب دايف”، في تحقيق أعده الصحفيان مات كينارد وعبد الله فاروق، عن تفاصيل برنامج تجسس جوي جديد تنفذه الولايات المتحدة فوق قطاع غزة، عبر طائرات خاصة مستأجرة من شركة أمريكية، لتحل بذلك محل سلاح الجو البريطاني الذي كان يقوم بهذه المهام منذ ديسمبر/كانون الأول 2023 لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي. 

ووفقًا للتحقيق، فإن الطائرات البريطانية من طراز “بيتش كرافت كينغ إير 350”، المعروفة في الخدمة البريطانية باسم “شادو R1”، نفذت طلعات شبه يومية من قاعدة “أكروتيري” في قبرص، وهي إحدى أكبر القواعد البريطانية في المنطقة، طوال الأشهر الماضية من العدوان الإسرائيلي على غزة، قبل أن يتوقف هذا البرنامج بشكل مفاجئ في 25 يوليو/تموز الماضي، وهو التاريخ الذي تزامن مع دخول طائرة أمريكية جديدة على الخط ذاته، في مسار بدا أنه استبدال مباشر لدور بريطانيا بقدرات أمريكية أكثر تقدمًا.

الطائرة الجديدة التي بدأت مهماتها في يوليو/تموز مملوكة لشركة Straight Flight Nevada Commercial Leasing LLC، وهي شركة مقرها مدينة “سباركس” في ولاية نيفادا الأمريكية، وتتبع بدورها لمجموعة Sierra Nevada Corporation، وهي واحدة من كبرى الشركات العسكرية المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأمريكية، حيث احتلت المرتبة 53 عالميًا عام 2021 بين أكبر شركات الصناعات العسكرية. اللافت أن هذه الطائرة، التي صُممت لتكون منصة متقدمة لجمع المعلومات الاستخبارية، حظيت بمرافقة طائرات التجسس البريطانية خلال الأيام الخمسة الأولى لتحليقها فوق غزة، في ما بدا أنه تمرين تدريب ونقل خبرة، قبل أن تختفي الطائرات البريطانية نهائيًا من المجال الجوي المرتبط بهذه العمليات، في إشارة واضحة إلى أن الولايات المتحدة تولت الدور بالكامل.

التحقيق أشار إلى أن طائرة التجسس الأمريكية الجديدة أجرت أول اختباراتها في 10 يوليو/تموز من مطار “هاغرستاون” الإقليمي بولاية ماريلاند، وهو مطار صغير على بعد نحو 70 ميلًا من العاصمة واشنطن، وتوجد فيه حظائر تخزين طائرات الشركة، قبل أن تنتقل إلى مطارات في كندا وآيسلندا وصقلية، لتصل في 15 يوليو/تموز إلى قاعدة “أكروتيري” البريطانية في قبرص. وبعد أيام قليلة من وصولها، بدأت هذه الطائرة تنفيذ رحلات تجسس يومية فوق غزة، بقدرات متقدمة تتيح لها التحليق لساعات طويلة ونقل المعلومات الاستخبارية مباشرة إلى الأرض في الوقت الحقيقي، باستخدام منظومات متطورة للاتصال عبر الأقمار الصناعية وأجهزة استشعار كهربصرية وحرارية متقدمة.

أخطر ما كشفه التحقيق أن الطائرة الأمريكية حلقت في 28 يوليو/تموز لمدة ثلاث ساعات كاملة فوق مدينة خان يونس، في مسار دائري منخفض، قبل أن تُنفَّذ غارات إسرائيلية دامية في المنطقة نفسها في اليوم التالي، أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين، وهو ما يربط بشكل مباشر بين عمليات الرصد الجوي التي تديرها الولايات المتحدة والهجمات التي تشنها قوات الاحتلال، بما في ذلك تلك التي استهدفت تجمعات سكنية ومدارس ومؤسسات إغاثية. ويضيف التحقيق أن الطائرة الأمريكية مدرجة على “قائمة الحجب”، ما يعني أن بيانات رحلاتها غير متاحة للعموم، خلافًا للطلعات البريطانية التي كانت تُسجَّل على مواقع تتبع الطيران التجارية، وهو ما يعكس درجة عالية من السرية والرقابة المحدودة على هذا البرنامج الجديد.

ويكشف التحقيق أن الشركة المالكة للطائرة، Sierra Nevada Corporation، تدير برنامجًا يعرف باسم “COCO” (Contractor-Owned, Contractor-Operated)، وهو نظام تقوم من خلاله شركات خاصة بامتلاك وتشغيل طائرات التجسس لحساب عملاء حكوميين أو عسكريين، مع توفير الطيارين والمعدات وفقًا للمهام المطلوبة، بما يسمح للحكومات بتنفيذ عمليات استخباراتية عالية الحساسية خارج إطار المساءلة الصارمة.

ووفقًا للتحقيق، فإن هذه الشركة ترتبط بعقود ضخمة مع وزارة الدفاع الأمريكية، إذ حصلت في أغسطس/آب 2024 على عقد بمليارات الدولارات لتطوير طائرة تجسس بعيدة المدى، كما فازت بعقد آخر بقيمة 13.1 مليار دولار لتطوير طائرة “يوم القيامة” E-4 الخاصة بالقيادة العسكرية في حال اندلاع حرب نووية، إضافة إلى عقد بقيمة 472 مليون دولار مع قيادة العمليات الخاصة الأمريكية في يونيو/حزيران 2025، ما يجعلها لاعبًا مركزيًا في تطوير قدرات الولايات المتحدة على جمع المعلومات الاستخبارية وإدارة عمليات التجسس العالمية.

ويشير التحقيق إلى أن المدير التنفيذي للشركة، رجل الأعمال التركي-الأمريكي فاتح أوزمن، أسس فرعًا للشركة في بريطانيا عام 2007، وسجل شركة أخرى باسم Sierra Nevada Mission Systems عام 2018، التي حصلت ضمن تحالف صناعي على عقد بقيمة 40 مليون جنيه إسترليني لتطوير مشروع “زودياك” التابع لوزارة الدفاع البريطانية، وهو مشروع يهدف إلى تحديث منظومات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع للقوات البرية البريطانية عبر دمج أجهزة الاستشعار المختلفة وتوحيد قنوات نقل وتحليل المعلومات الاستخبارية.

التحقيق يكشف أيضًا أن وزارتي الدفاع البريطانية والأمريكية رفضتا تقديم أي توضيحات بشأن الطائرة الجديدة، في حين امتنعت الشركة المالكة عن التعليق على الأسئلة التي وجهتها منصة “ديب دايف”. هذا الصمت الرسمي يعكس – بحسب معدي التحقيق – رغبة متعمدة في إبقاء تفاصيل البرنامج خارج نطاق النقاش العام، خصوصًا أنه يرتبط بعمليات عسكرية إسرائيلية وُجهت لها اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.

يخلص التحقيق إلى أن هذه الطائرات، التي تعمل ضمن شراكات غامضة بين حكومات غربية وشركات خاصة، أصبحت جزءًا أساسيًا في منظومة الدعم الاستخباراتي لجيش الاحتلال، وتُستخدم لتوفير معلومات مباشرة تُترجم لاحقًا إلى عمليات عسكرية على الأرض ضد الفلسطينيين، ما يثير تساؤلات خطيرة حول تورط الولايات المتحدة وبريطانيا في تسهيل ارتكاب المجازر والانتهاكات عبر توفير أدوات تجسس متقدمة، مع غياب شبه كامل للمساءلة أو الشفافية حول طبيعة هذه الشراكات وأهدافها.