شبكة قدس الإخبارية

عقوبات أمريكية غير مسبوقة على المحكمة الجنائية الدولية بسبب ملاحقتها لنتنياهو 

٢١٣

 

thumbs_b_c_09c30a8e7e900387a26930020cbb8438

متابعة - شبكة قُدس: تواجه المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أزمة غير مسبوقة بعد تصعيد حاد من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فقد تم حرمان المدعي العام كريم خان من الوصول إلى بريده الإلكتروني، وجُمدت حساباته المصرفية في بريطانيا، وسط إجراءات شديدة طالت حتى الموظفين الأميركيين العاملين في المحكمة، الذين تلقوا تحذيرات من إمكانية اعتقالهم إذا عادوا إلى الولايات المتحدة، ما دفع عددًا من كبار الموظفين إلى الاستقالة، وأجبر منظمات غير حكومية عديدة على تعليق تعاونها مع المحكمة خشية التعرض لعقوبات.

وكشفت وكالة "أسوشيتد برس" عن أن هذه الخطوات جاءت بعد قرار إدارة ترامب في فبراير فرض عقوبات على خان، في أعقاب إصدار المحكمة أوامر اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. ووفق ما نقلته الوكالة عن موظفين ومحامين دوليين، فقد أدت العقوبات الأميركية إلى حالة من الشلل داخل المحكمة، وشلّت قدرتها على القيام حتى بمهامها الأساسية، ما أضعف بشكل كبير جهودها في ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب، لا سيما في القضايا المتعلقة بـ"إسرائيل". وأكدت ليز أوفنسون من منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن الإجراءات الأميركية تسلب الضحايا فرصة الحصول على العدالة.

تشمل العقوبات حظر دخول خان وقرابة 900 موظف غير أميركي في المحكمة إلى الولايات المتحدة، مع التهديد بفرض غرامات أو السجن على أي جهة تقدم دعماً مادياً أو تقنياً لهؤلاء. وقد أضرّ هذا القرار بسير عدد من التحقيقات، منها التحقيق المتعلق بجرائم الحرب في السودان، حيث سبق للمحكمة أن أصدرت أمر اعتقال بحق الرئيس السابق عمر البشير، لكن التحقيقات توقفت فعليًا رغم ورود تقارير عن انتهاكات جديدة في البلاد.

وفي مواجهة هذه الضغوط، تتولى المحامية أليسون ميلر الدفاع عن المحكمة أمام القضاء الأميركي، حيث رفعت دعوى ضد إدارة ترامب لمحاولة وقف مفاعيل العقوبات. وأوضحت أن موكلها، المدعي إريك إيفرسون، لم يعد قادرًا على أداء مهامه الأساسية. أما المحامون الأميركيون العاملون في المحكمة، فقد تلقوا تحذيرات من إمكانية توقيفهم حال عودتهم إلى الأراضي الأميركية، ما ساهم في تفاقم أجواء التوتر داخل أروقة المحكمة.

التداعيات شملت أيضًا شركات ومنظمات كبرى؛ شركة مايكروسوفت أنهت دعمها التقني لخان، ما اضطره لاستخدام بريد إلكتروني خاص عبر خدمة "بروتون ميل" السويسرية، فيما جُمّدت حساباته البنكية البريطانية. بعض المنظمات غير الحكومية سحبت أموالها من البنوك الأميركية لتفادي مصادرتها، فيما أوقفت منظمات حقوقية أميركية تعاونها مع المحكمة بشكل كامل، لدرجة أن إحداها امتنعت حتى عن الرد على الرسائل الإلكترونية الواردة من المحكمة.

أمام هذا الواقع، بدأ موظفون في المحكمة يشككون في قدرة المؤسسة على الاستمرار في حال استمرت إدارة ترامب في نهجها الحالي. أحد كبار المسؤولين في المحكمة صرّح: "من الصعب تصور كيف ستتمكن المحكمة من الصمود خلال السنوات الأربع المقبلة".

ويُعدّ ترامب من أبرز داعمي نتنياهو في مواجهة المحكمة الدولية، وقد فرض العقوبات مباشرة بعد عودته إلى البيت الأبيض بحجة أن المحكمة "تستهدف الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل غير شرعي". من جهته، يتمسك البيت الأبيض بموقفه الرافض لسلطة المحكمة على الملفات الإسرائيلية، ويعتبر أنها تمثل تهديدًا للأمن القومي الأميركي، وتشكّل سابقة خطيرة قد تعرّض الجنود الأميركيين للملاحقة القضائية.

هذه ليست المرة الأولى التي يصطدم فيها ترامب بالمحكمة؛ ففي عام 2020، فرضت إدارته السابقة عقوبات مماثلة على المدعية العامة السابقة فاتو بنسودا، بسبب فتحها تحقيقًا بجرائم حرب محتملة في أفغانستان. ومع وصول الرئيس جو بايدن إلى السلطة، تم إلغاء تلك العقوبات، لكن عودة ترامب إلى الحكم أعادت التصعيد من جديد.

وفي خضم هذه الضغوط، أفادت "أسوشيتد برس" بوجود أجواء سخرية سوداء داخل المحكمة، حيث يتندر الموظفون بأن تقديم قلم لخان قد يُعرضهم لعقوبات أميركية. كما أدى الضغط الأميركي إلى تراجع تعاون بعض الدول الأوروبية مع المحكمة، حيث امتنعت ثلاث دول، بينها اثنتان من الاتحاد الأوروبي، عن تنفيذ مذكرات توقيف أصدرتها المحكمة مؤخرًا، ما يفاقم أزمة شرعية المحكمة وقدرتها على فرض ولايتها القانونية دوليًا.