شبكة قدس الإخبارية

من خلال حظر الإخوان المسلمين إرضاء لترامب.. يسير الأردن في طريق محفوف بالمخاطر

٢١٣

 

photo_5812449593697355675_y
ديفيد هيرست

يغص التاريخ المعاصر بأعمال الإشادة إلى الحد الذي تفاخر به روما الامبراطورية.
عندما حجم فلاديمير بوتين مجموعات الأوليغارك من خلال سجنه لميخائيل خودوركوفسكي، أهدى أحد زملائه للدولة الروسية، وبالتالي للرئيس نفسه، بيضة مجوهرات من تصميم فابيرج.
ثبت أن رئيس الوزراء كير ستارمر يخضع متذللاً بالكامل حينما يقف أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
في البداية جاء الإعلان عن دعوة ترامب للقيام بثاني زيارة دولة إلى بريطانيا، وهو الذي يبدو مهووساً بالعائلة الملكية. والآن يبحث ستارمر فيما إذا كان بإمكان منظمي مباريات الغولف استضافة البطولة المفتوحة لعام 2028 في ملعب تيرنباري، والذي يملكه ترامب. ولذا تساءلت صحيفة الغارديان عما إذا كان ستارمر يعد نفسه ليكون الصبي الذي يحمل له عصي الغولف.
بنفس الطريقة كان بإمكان عاهل الأردن الملك عبد الله إهداء ترامب سجادة أو زوجاً من الصقور، ولكنه قرر فعل شيء آخر أكثر فعالية، فقام بحظر جماعة الإخوان المسلمين.
لدى الملك أسبابه القوية التي تدفعه إلى استرضاء ترامب بهذا الشكل، فالأردن من بين أكبر المتلقين للمساعدات الأمريكية، والتي كان ترامب قد هدد بقطعها. كما اختار ترامب إريك تراغر، الصقوري في مواقفه تجاه مصر والإخوان المسلمين، ليكون مستشاره حول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي.
خطر ببال ترامب في عهدته الأولى أن يحظر الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة، وقد يقدم على فعل ذلك في عهدته الحالية. ما فعله الملك عبد الله بإجرائه الأخير هو أنه ثبت الأردن ضمن الحملة التي يشنها المعسكر الغربي ضد تيار الإسلام السياسي.
ولقد آتت تلك الحركة أكلها، فحسبما أوردت وكالة رويترز، تم استئناف ضخ ملايين الدولارات لتشغيل أكبر محطة تحلية يملكها الأردن بعد أن جفت مواردها على أثر القرار المفاجئ من قبل ترامب بتقليص ميزانية المساعدات الخارجية.
أما محلياً، فينظر إلى هذا الإجراء باعتباره مقامرة، إذ من خلال حظر منظمة لم تزل تنشط بشكل رسمي في المملكة منذ عام 1945، يكون عبد الله قد تجاوز خطاً كان والده، الملك حسين، يحرص على عدم تجاوزه طوال فترة حكمه التي امتدت لسبعة وأربعين عاماً.


نهج المواءمة الذي سار عليه الحسين
كانت علاقة الحسين بالإخوان المسلمين مركبة، ولكنه كان سيد المواءمة بين التحالفات الدولية من جهة والتحديات التي كانت تواجهه محلياً. أما ابنه، فلا يملك من هذه المهارات إلا النزر اليسير.
لقد وقف الإخوان المسلمون إلى جانب الحسين في لحظات الخطر المحدق به شخصياً، بما في ذلك حينما فشلت المحاولة الانقلابية في عام 1952، والتي قام بها قوميون ويساريون مؤيدون لجمال عبد الناصر، أو في عام 1970 حينما كان الأردن على شفير حرب أهلية في قتاله مع منظمة التحرير الفلسطينية. كانت لدى جماعة الإخوان المسلمين حينذاك كتيبة مقاتلة ضمن صفوف القوات الفلسطينية، ولكنهم لم يشاركوا في الصراع ونأوا بأنفسهم عنه.
ثم واجه الملك أزمة أخرى حينما غزا الزعيم العراقي صدام حسين دولة الكويت في عام 1990. كان الحسين آنذاك حليفاً لصدام، ولكنه كان ضد الغزو. وبالتالي عانى الأردن بسبب الضغوط الغربية التي مورست عليه.
لمواجهة هذا التحدي الكبير، سعى الملك حسين بكل قوة للحفاظ على وحدة شعبه وضمان وقوفهم من خلفه، فشكل حكومة كان خمسة من وزرائها من جماعة الإخوان المسلمين.
ولكن كانت هناك اختلافات أيضاً. فقد عارض الإخوان المسلمون حلف بغداد، والذي كان واحداً من العديد من المحاولات التي باءت بالفشل لإطلاق تحالف إقليمي على نسق الناتو في عام 1955. كما وقفت الجماعة ضد أشهر السياسات الخارجية التي انتهجها الملك حسين، ألا وهي التوقيع على معاهدة وادي عربا للسلام مع "إسرائيل">
ولكن لم يقدم الملك حسين إطلاقاً على حظر الجماعة حتى حينما مورست عليه الضغوط لكي يفعل ذلك من قبل زعماء عرب مثل رئيس مصر جمال عبد الناصر أو رئيس سوريا حافظ الأسد. لم يكن ذلك لأن الحسين كان متعاطفاً مع الجماعة، بل لقد كانت له رؤيته الخاصة فيما يتعلق بفلسطين. ولكنه كان يدرك أن جماعة الإخوان المسلمين كانت حركة سلمية إصلاحية، وأنه كان بإمكانها أن تلعب دوراً مهماً لصالحه.
كان الملك حسين يرى في جماعة الإخوان المسلمين صمام أمان، ووسيلة للتنفيس عن سخط الشعب في زمن الصراعات الكبيرة. كما أن الجماعة كانت لها خاصية سعى هو بنفسه لرعايتها والحفاظ عليها، ألا وهي أنها كانت تشكل جسراً يتخطى الانقسام الفلسطيني الأردني داخل مملكته.
وأما علاقة الملك حسين بحركة حماس فكانت أكثر إثارة للاهتمام. فحينما غدت حماس قوة داخل فلسطين أثناء الانتفاضة الأولى، أبدى الحسن اهتماماً بتطوير علاقة معها، فسمح للحركة بفتح مكاتب لها في عمان. ثم في عام 1997، وافق الملك حسين على تسلم زعيم حماس موسى أبو مرزوق بعد أن أمضى 22 شهراً داخل السجن في الولايات المتحدة الأمريكية.
ثم هناك الحادثة المشهورة التي حاول فيها الموساد اغتيال زعيم حماس خالد مشعل في أحد شوارع عمان، فما كان من الملك حسين إلا أن أصر على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تسليم الترياق الواقي من السم، مهدداً بقطع العلاقات الدبلوماسية والزج بالجناة الإسرائيليين في السجن.
بل وأجبر نتنياهو على إطلاق سراح الزعيم الروحي لحركة حماس، الشيخ أحمد ياسين، وهو الأمر الذي لم يتمكن أي من الزعماء العرب الآخرين فعله مع "إسرائيل".
 
الخطأ الذي ارتكبه عبد الله
منذ أن استلم عبد الله الحكم وعلاقته مع جماعة الإخوان المسلمين في ترد.
فبعد شهور من اعتلائه العرش في عام 1999، قام بطرد حماس، واتفق مع القطريين على أن يتم نقل المكتب السياسي للحركة إلى الدوحة. ثم ما لبث بعد ذلك أن نزع عن جماعة الإخوان المسلمين صفتها كجمعية خيرية وأوقف نشاطاتها في هذا المجال.
ظن أنه أضعف جماعة الإخوان المسلمين إلى الحد الذي يمكنه من احتوائها. وكان ذلك خطأ وقع فيه مراراً وتكراراً، رغم أن الجماعة لم تقم أبداً بتحدي النظام، حتى حينما كان ذلك يحدث في مختلف أرجاء العالم العربي.
لم ترفع الجماعة سقف مطالبها ولا هتافاتها أثناء الربيع العربي، فلم تطالب بإسقاط النظام، على العكس مما فعلته شقيقاتها في كل من مصر وتونس.
وكان التكتيك الآخر الذي اعتمده النظام هو تشجيع الانشقاقات، وذلك حينما منح في عام 2015 رخصة لمجموعة منشقة يقودها عبد المجيد ذنيبات تحت اسم جمعية الإخوان المسلمين، وبذلك غدت الجماعة الأصلية بلا رخصة. استغل النظام موضوع الرخص لكي يقمع الذراع الإعلامي للحزب السياسي المرتبط بالجماعة، جبهة العمل الإسلامي.
وكلما ظن الملك عبد الله أنه تمكن من إلحاق الهزيمة بالإسلاميين السياسيين، أثبتوا له تنامي شعبيتهم.
ثم جاء هجوم حماس على "إسرائيل" يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ليشحن بقوة الدعم الذي تحظى به كتائب القسام في أنحاء الأردن، ولكن بشكل خاص في صفوف العشائر الشرق أردنية. بعد عام من ذلك تمكنت جبهة العمل الإسلامي من الفوز بواحد وثلاثين مقعداً من أصل 138، فغدت بذلك أكبر حزب سياسي في البرلمان، حتى وإن كان أعضاء جماعة الإخوان مازالوا يستهدفون بالتوقيف والاعتقال.
في الفترة الأخيرة تعالت أصوات بعض الصحفيين والمعلقين والمسؤولين السابقين مطالبة بحظر جماعة الإخوان المسلمين، وذلك أن دعوات الجماعة للناس بالتوجه نحو الحدود وبمحاصرة السفارة الإسرائيلية في عمان باتت تزعج النظام وتؤرق مضجعه.
ولكن من المعروف أن أي حملة إعلامية تشن في الأردن فإن هناك من يقف من ورائها، مثل هذه الحملات لا تكون أبداً تلقائية. فكما هو الوضع في مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، لا يوجد كاتب واحد في الأردن لديه الحرية لأن يقول ما يخطر بباله، ولو سولت لأحدهم نفسه بأن يفعل ذلك فلن يطول به المقام.
ما نراه اليوم ليس حملة شعبية ضد جماعة الإخوان المسلمين، وإنما شيء أعد له بليل وتم الترتيب له منذ وقت طويل.
 
تياران اثنان
لطالما كان هناك تياران اثنان داخل الديوان الملكي والمؤسسة العسكرية في الأردن.
أما التيار الأول فيرى أن "إسرائيل" هي العدو الوجودي للأردن، ولقد عبر عن موقف هذا التيار بصوت مرتفع وزير الخارجية أيمن الصفدي، الذي أعلن أن "إسرائيل" قتلت ثلاثين عاماً من الجهود التي بذلت لإقناع الناس بأن السلام ممكن.
في ذات هذا السياق، قالت مصادر حسنة الاطلاع في حديث مع صحفي ميدل إيست آي الكاتب بيتر أوبورن إن الأردن كان "على استعداد لخوض الحرب" فيما لو قامت "إسرائيل" بطرد الفلسطينيين بالقوة وأجبرتهم على النزوح إلى الأردن. بل قال أحد المصادر إن مقترح ترامب إخلاء غزة من الفلسطينيين كان "مسألة وجودية" بالنسبة للأردن وللسلالة الهاشمية معاً، مشيراً إلى أن الأردن هو ثالث أفقر بلد في العالم من حيث المياه.
يمكن رؤية نفس هذا التيار يتجلى في أشكال أخرى أقل رسمية. عندما أقدم ماهر الجازي، العسكري الأردني المتقاعد، على قتل ثلاثة إسرائيليين في سبتمبر (أيلول) من عام 2024 عند المعبر الحدودي بين الأردن والضفة الغربية المحتلة، توجهت عناصر من الجيش باللباس العسكري الرسمي إلى مجلس العزاء الذي أقامته العائلة.
وأما التيار الثاني فهو الذي يرى أن إيران والإسلام السياسي يشكلان العدو الرئيس للمملكة. يحظى هذا التيار بنصير مهيب، وإن كان أقل ظهوراً، يتمثل في دائرة المخابرات العامة، وهي مؤسسة في غاية القوة والضخامة، حتى أن وزير خارجية أردني سابق وصفها لي بعبارة "إنها الحكومة الموازية في الأردن."
كانت المخابرات الأردنية في الأساس صنيعة لجهاز المخابرات البريطاني المعروف باسم إم آي سيكس MI6. أما الآن، فإنها تقوم بدور الشريك الرئيسي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في المنطقة.
تقدم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لدائرة المخابرات العامة في الأردن مساعدة مالية منفصلة عن المساعدات التي يتلقاها الأردن من الولايات المتحدة. والعلاقة بين الوكالتين وثيقة جداً لدرجة أن عناصر من المخابرات المركزية الأمريكية يتواجدون بشكل دائم داخل المقر الرئيسي لدائرة المخابرات العامة في الأردن.
في واقع الأمر، تعتبر دائرة المخابرات العامة الأردنية غاية في الأهمية بالنسبة للجهود الاستخباراتية التي تمارسها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في المنطقة جمعاً للمعلومات عن القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية خلال "الحرب على الإرهاب"، وكذلك عن سوريا واليمن اليوم، حتى أن مسؤولاً سابقاً في وكالة المخابرات المركزية صرح لصحيفة لوس أنجيليس تايمز بأنه سمح له بالتجول في قاعات دائرة المخابرات العامة الأردنية دون مرافق.
إضافة إلى ذلك، صرح فرانك أندرسون، المسؤول السابق في قسم الشرق الأوسط داخل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، في حديث مع الصحيفة إن محققي دائرة المخابرات العامة الأردنية هم الأفضل، وأضاف: "سوف يحصلون على مزيد من المعلومات من المتهمين بالإرهاب لأنهم يعرفون لغتهم وثقافتهم وشركاءهم – كما أنهم أكثر اطلاعاً على الشبكة التي ينتمون إليها."
أما مايكل شوير، وهو عنصر سابق آخر في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والذي قضى أربع سنين في تعقب أسامة بن لادن، فصرح لصحيفة لوس أنجليس تايمز في عام 2005 بما يلي: "يتصدر الأردن قائمة شركائنا الأجانب. لدينا أجندات متشابهة، وهم على استعداد للمساعدة بكل ما يمكنهم من طرق." وأضاف شوير بأن دائرة المخابرات العامة الأردنية تتمتع بالقدرة والمهنية مثلها في ذلك مثل الموساد.
من الواضح أن دائرة المخابرات العامة الأردنية، بهذا التاريخ وبهذا التمويل، سوف تسعى لاستخدام مواقف التحدي الشجاعة التي تصدر عن الصفدي كغطاء، ولكنها في نهاية المطاف سوف تمضي في خدمة أجندة مختلفة تماماً، أقرب إلى أجندات كل من الولايات المتحدة و "إسرائيل".
 
أخطار جلية
ثمة أخطار جلية تحدق بالملك عبد الله بسبب سلوكه هذا النهج، والذي لم يبلغ بعد المدى الكامل له. حيث أن حظر جماعة الإخوان المسلمين لم يمتد حتى هذه اللحظة لينال أعضاء البرلمان الواحد والثلاثين من حزب جبهة العمل الإسلامي.
ومع ذلك فإن الحظر نفسه ذو دلالة كبيرة. فمن ناحية، ما كان التوقيت ليكون أسوأ من ذلك، حيث أتى في أيام احتفال اليهود بعيد الفصح، وهو احتفال بالبهجة والشكر، آل أمره إلى قيام أتباع تيار الصهيونية الدينية بغزو المسجد الأقصى معبرين عن مشاعر الحقد الديني لديهم.
لقد اجتاح أكثر من 6700 يهودي المسجد الأقصى وأقاموا الصلوات في ساحاته، بحسب ما ورد في تقرير لدائرة الأوقاف – وهذا رقم يفوق عدد جميع اليهود الذين دخلوا المسجد خلال أعياد العام المنصرم.
زادت وتيرة اجتياحات المستوطنين الإسرائيليين للمسجد الأقصى أكثر من 18000 بالمائة منذ عام 2003، حينما بدأت السلطات الإسرائيلية بالسماح للمستوطنين بتجاوز إدارة الأوقاف الإسلامية ودخول ثالث أقدس بقعة للمسلمين في العالم.
وكان ذلك عاماً سيئاً بشكل خاص للمسيحيين الفلسطينيين كذلك. فقد صرح منذر إسحق، القس وأستاذ علم اللاهوت المسيحي، لموقع ميدل إيست آي قائلاً إن عيد الفصح هذا العام "كان الأسوأ على الإطلاق."
لقد تخلت "إسرائيل" بكافة أشكالها – العسكرية والدينية والعلمانية – عن كل أفكار العيش المشترك مع الجيران العرب وعن فكرة أن تكون جزءاً من المنطقة. لقد غدت "إسرائيل" كياناً صليبياً بكل ما تعنيه الكلمة. وبات جلياً أنها عازمة على فرض هيمنتها على المنطقة، وعلى الاستيلاء على الأماكن المقدسة، والتي من المفروض أن المملكة الهاشمية هي صاحبة الوصاية عليها، دولياً وتاريخياً.
لم يعد ثمة شك في أن حكومة نتنياهو تزدري الوضع القائم، بل لقد تفاخر بعدد المرات التي تحدى فيها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، وذلك في معرض خطاب ألقاه أمام مؤتمر نقابة الإعلاميين اليهود في القدس.
داخل الأقصى، الذي من واجب الملك في عمان أن يوفر له الحماية، يقوم الإسلاميون وحدهم بالدفاع عنه في وجه الهجمات التي يشنها عليه باستمرار الصهاينة الدينيون. إلا أن عبد الله يخفق بكل وضوح في رفع صوته ضد ما تتعرض له من تآكل وصايته على الأماكن المقدسة في القدس، والتي تشمل إلى جانب المسجد الأقصى الكنائس المسيحية كذلك.
إن حظر جماعة الإخوان المسلمين، بينما يتعرض المسلمون والمسيحيون في المنطقة على حد سواء للعدوان المستمر، لا يقل عن كونه عملاً تخريبياً في زمن الحرب. كان ينبغي عليه، باعتباره هو نفسه جندياً، أن يدرك تبعات ما يقدم عليه من أفعال.
ما فعله عبد الله في الأردن هو أنه أزال صمام أمان بات اليوم أكثر من أي وقت مضى في أمس الحاجة إليه.
كان والده يحافظ على وحدة البلد في أوقات الخطر. وها هو عبد الله يقف اليوم في مواجهة لحظة خطر شديد. فكلما تحرك نتنياهو باتجاه الضم والتطهير العرقي في الضفة الغربية، كلما تنامى سخط الأردنيين.
بفضل وجود الإخوان المسلمين، توقفت حماس عن التجنيد في الأردن نظراً لوجود اتفاق بين الطرفين على ذلك. ولكن صار الآن هناك فراغ، ولم يعد يوجد ما يحول دون أن تستخدم حماس، أو أي مجموعة مقاومة أخرى، الأردن قاعدة انطلاق لهجماتها ضد "إسرائيل". لقد بات من الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور.
بالنسبة لـ"إسرائيل"، يثبت حظر الأردن للإخوان المسلمين أن الملك عرضة للتنمر. لا ترى "إسرائيل" رجلاً قوياً في الأردن، كما كان عليه الحال في عهد والده، بل ترى رجلاً مهتزاً تتوالى عليه الضغوط وينال منه الإجهاد.
إذا رأت "إسرائيل" أن الملك يقدم حظر جماعة الإخوان المسلمين على التفوه بانتقاد لما يحدث في الأقصى، فإنها سوف تقدر أن بإمكانها الإفلات من المساءلة على تنفيذ مشروعها القادم، ألا وهو ضم الضفة الغربية.
ينبغي على الملك عبد الله الحذر من اقتفاء آثار الرئيس الفلسطيني محمود عباس والانزلاق نحو بالوعة التاريخ. حتى في أواخر أيام حياته، لم يصبح عباس، ولو للحظة واحدة، أقل عناداً.
سوف لن يقدم، مَرَضياً، على التصالح مع حماس وغيرها من مجموعات المقاومة، ولن يسمح بتشكيل حكومة وحدة وطنية في الضفة الغربية أو في غزة – حتى وإن كان القيام بذلك يصب في مصلحة فتح ومصلحة منظمة التحرير.
والنتيجة هي أن تبقى رام الله مسحوقة، متجاهلة، ومحتقرة على حد سواء من قبل نتنياهو وترامب، الذي يخطط الآن لإلغاء مكتب المنسق الأمني الأمريكي سعياً لمزيد من تقليص العلاقات مع السلطة الفلسطينية. ازدراء ترامب له هي الهدية التي يحصل عليها عباس مقابل تقديمه العلاقة مع واشنطن على مصلحة شعبه الفلسطيني.
ينبغي على عبد الله الاعتبار بمصير عباس، ولن يكون التاريخ رحيماً، لا به ولا بمملكته.

 

المصدر: ميدل إيست آي

#الأردن #الإخوان المسلمين