فلسطين المحتلة - شبكة قُدس: قال كلاوديو فرانكافيلا، المدير المشارك لشؤون الاتحاد الأوروبي في هيومن رايتس ووتش، إن الفظائع الإسرائيلية لا تمنح السلطة الفلسطينية تصريحا مفتوحا لاعتقال المنتقدين والمعارضين وتعذيبهم.
وأضاف أن "على الاتحاد الأوروبي إدانة انتهاكات السلطة الفلسطينية، لكنه لن يؤخذ على محمل الجد ما لم ينهِ معاييره المزدوجة ويتخذ إجراءات للتصدي للفصل العنصري وأفعال الإبادة الجماعية على يد إسرائيل ضد الفلسطينيين".
وأكد، أن "الفلسطينيين يجدون أنفسهم بين سلطتين قمعيتين، والاتحاد الأوروبي يدعم كليهما. إذا كان الاتحاد الأوروبي جادًا في التزامه بحقوق الإنسان، فعليه أن يتحرك لمحاسبة إسرائيل ووقف تمويل أدوات القمع التي تستخدمها السلطة الفلسطينية".
وقالت "هيومن رايتس ووتش"، إن على الممثلة السامية لـ الاتحاد الأوروبي كايا كالاس ووزراء خارجية الاتحاد التركيز على حماية حقوق الفلسطينيين خلال "الحوار رفيع المستوى" مع "السلطة الفلسطينية".
وذكرت، أن السلطة الفلسطينية صعدت في الأشهر الأخيرة قمعها المعارضة، واعتقلت تعسفا المنتقدين والمعارضين وعذبتهم دون أن يواجه المنتهِكون أي عقاب.
كما صعّدت السلطات الإسرائيلية بدورها القمع ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، عقب اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والاحتلال في 24 فبراير/شباط، ضمن جريمتَيْها ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد، وتواصل كذلك ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية في غزة.
وبصفته المانح الرئيسي للسلطة الفلسطينية، طالبت رايتس ووتش، الاتحاد الأوروبي بالضغط لإنهاء الاعتقالات التعسفية وسوء المعاملة والتعذيب. وقالت المنظمة إنها وثّقت على نطاق واسع كيف تعتقل قوات الأمن الفلسطينية المنتقدين والمعارضين تعسفا، وتهين المعتقلين، وتسيء معاملتهم، وتضربهم، وتعذبهم بدون عقاب.
ووفق الشهادات التي وثقتها المنظمة؛ قال حمزة زبيدات (40 عاما) إن قوات الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية اعتقلته من منزله في مخيم الدهيشة للاجئين قرب بيت لحم في 20 فبراير/شباط، بعد ساعات من دعوته الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى التنحي في منشور على "فيسبوك".
وقال إن عناصر أمن السلطة الفلسطينية "ضربتني بلا توقف على جسدي، وشتمتني وصرخت: يا كلب، يا حيوان، سنربيك". وأشار إلى أنهم وضعوه في زنزانة مكتظة وسكبوا عليه ماء باردا في يوم قارس البرودة. واستجوبه المحققون بشأن المنشور، واتهمه الادعاء بإهانة "السلطات العليا" بموجب قانون الجرائم الإلكترونية، بالإضافة إلى الاعتداء على عنصر أمن أثناء اعتقاله، وفقا لوثائق المحكمة.
ووفق هيومن رايتس ووتش؛ تستخدم السلطة الفلسطينية تهمة إهانة "السلطات العليا" بشكل روتيني، كما فعلت أيضا في أعقاب اعتقال زبيدات عام 2021 لمشاركته في احتجاج على مقتل ناشط بارز على يد قوات السلطة الفلسطينية، كما تستخدم تهما مماثلة لتجريم المعارضة السلمية.
وفي 2024، تلقت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان الفلسطينية، 231 شكوى تتعلق باعتقالات تعسفية، شملت الاحتجاز دون محاكمة أو تهمة، و124 شكوى تتعلق بالتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز من قبل السلطة الفلسطينية.
وفي تقرير صدر في أبريل/نيسان 2024، أفادت الهيئة عن تلقيها 1,148 شكوى تتعلق بالتعذيب وسوء المعاملة ضد السلطة الفلسطينية، و766 شكوى ضد الشرطة، بين عامي 2018 و2022، وسلطت الضوء على انتشار الإفلات من العقاب على هذه الانتهاكات.
وجهت هيومن رايتس ووتش في 27 فبراير/شباط رسالة إلى رئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد مصطفى لطلب معلومات محدثة حول الاعتقالات ومعاملة المعتقلين، لكنها لم تتلقَّ ردا وافيا.
وتوضح: بين 5 ديسمبر/كانون الأول و21 يناير/كانون الثاني، نفذت السلطة الفلسطينية عمليات أمنية في مخيم جنين للاجئين قُتل فيها 11 شخصا على الأقل في شهر ديسمبر/كانون الأول وحده. من بين القتلى عنصر أمن، ولكن أيضا طفلان على الأقل، وطالب صحافة، ومقيم أعزل كان يركب دراجة نارية، بحسب الهيئة.
وقال سبعة من سكان المخيم لـ هيومن رايتس ووتش إنه في خضم تلك العمليات، كانوا غير قادرين في كثير من الأحيان على دخول المخيم أو مغادرته بأمان، وتعذّر الحصول على الطعام والكهرباء والماء، وتضررت منازل عديدة.
وثّقت منظمة "محامون من أجل العدالة" أكثر من 200 حالة انتهاك ارتكبتها أجهزة الأمن الفلسطينية، شملت الاعتقال التعسفي، وحرمان المعتقلين من التواصل مع محامين أو عائلاتهم، بالإضافة إلى تعرضهم للتعذيب.
في 21 يناير/كانون الثاني، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين للاجئين وفرضت سيطرتها عليه، ما أدى إلى تهجير أكثر من 16 ألفًا من سكانه، وتدمير البنية التحتية الحيوية، ومقتل 25 فلسطينيًا.
بالتزامن مع تقارير بثتها قناة الجزيرة حول العمليات الأمنية للسلطة الفلسطينية في جنين، قرر النائب العام الفلسطيني، في 1 يناير، وقف بث القناة داخل الأراضي الفلسطينية، استنادًا إلى توصية لجنة وزارية اتهمتها بـ"التحريض على الفتنة" و"التدخل في الشأن الداخلي" ونشر معلومات مضللة. وفي 5 يناير، قضت محكمة فلسطينية بتقييد الوصول إلى عدد من مواقع الجزيرة الإلكترونية، بدعوى تهديدها للأمن القومي وتحريضها على ارتكاب الجرائم. وفي خطوة مماثلة، أغلقت السلطات الإسرائيلية مكتب القناة في رام الله، وحظرت بثها. ووصفت منظمة هيومن رايتس ووتش هذه الإجراءات بأنها تصعيد مقلق ضد حرية الإعلام، يفاقم من التعتيم على الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل.
وفي يناير، وجه مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية رسالة إلى الرئيس محمود عباس، أشار فيها إلى سلسلة من الانتهاكات التي ارتكبتها أجهزة الأمن الفلسطينية، تضمنت التعذيب وسوء المعاملة، وتقييد حرية التعبير، والاعتقالات التعسفية كإجراء عقابي، وفرض عقوبات جماعية، منها احتجاز المواطنين كرهائن، إلى جانب إغلاق وسائل إعلام، وإصدار قرارات إدارية تهدف إلى ترهيب السكان، وتجاهل قرارات المحاكم وعدم تنفيذها.
في مارس/آذار، أصدر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان تقريرًا وثّق فيه نمطًا ممنهجًا من الاعتقال التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة بحق المعتقلين في الضفة الغربية، ولا سيما الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ومن يُنظر إليهم كمناهضين للسلطة. وسجّل التقرير روايات مروّعة عن تعرض فتيان ورجال للضرب المبرح، والحبس الانفرادي، والتعليق في أوضاع مجهدة، والتهديد النفسي والجسدي.
وفي 24 فبراير، وخلال اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بحضور وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، أعرب وزراء خارجية الاتحاد عن قلقهم بشأن الانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة ضد الفلسطينيين. إلا أن إسرائيل تجاهلت تلك التحذيرات، واستمرت في منع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، في خرق واضح للقانون الدولي قد يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. كما شنت هجمات جوية أسفرت عن مقتل مئات المدنيين، بمن فيهم نساء وأطفال وصحفيون ومسعفون. وفي تصعيد خطير، بدأت إسرائيل بتطبيق الأساليب القمعية التي كانت تنتهجها في غزة على شمال الضفة الغربية.
وفي يوليو/تموز 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية حكمًا تاريخيًا اعتبرت فيه أن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية غير قانوني، وأن سياساتها ترقى إلى مستوى الفصل العنصري. وأكدت المحكمة وجوب تفكيك المستوطنات، ودعت جميع الدول، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، إلى عدم الاعتراف بالاحتلال أو دعمه، سواء عبر التجارة أو الاستثمارات في المستوطنات.
وفي فبراير، ناشدت 163 منظمة ونقابة، من بينها هيومن رايتس ووتش، الاتحاد الأوروبي بضرورة حظر التجارة والتعامل مع المستوطنات الإسرائيلية. لم تتلقَ هذه الجهات أي رد، كما تم تجاهل طلباتها لعقد اجتماعات مع مسؤولي الاتحاد لمناقشة هذه المسألة.
وفي ظل الجرائم المتواصلة في غزة، دعت حكومتا إسبانيا وأيرلندا، إلى جانب منظمات حقوقية وأعضاء في البرلمان الأوروبي، الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة اتفاقية الشراكة الموقعة مع إسرائيل تمهيدًا لتعليقها. كما طالبوا بوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، نظرًا لاحتمال التواطؤ في ارتكاب انتهاكات جسيمة. وطُرحت دعوات لدعم المحكمة الجنائية الدولية وتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عنها. ورغم هذه المطالبات، فإن الانقسام داخل دول الاتحاد، وتردد المفوضية الأوروبية، لا يزالان يعرقلان أي خطوات ملموسة نحو محاسبة السلطات الإسرائيلية.