الضفة الغربية - قدس الإخبارية: بالتزامن عملية العملية الأمنية التي تشنها أجهزة أمن السلطة ضد مجموعات المقاومة في مخيم جنين، ارتكزت السلطة الفلسطينية على حركة فتح بشكلٍ أساسي، في محاولات لصناعة رأي عام مؤيد لبرنامج السلطة بمحاربة المقاومة.
تجلى ذلك بشكلٍ بارز خلال الأيام الماضية، بعد تصاعد حدة الاشتباكات بين أجهزة السلطة والمقاومين في مخيم جنين، والتي أودت بحياة عنصرين من عناصر السلطة وإصابة آخرين، واشتداد المناشدات من المخيم بسبب الحالة الصعبة التي حلت بالأهالي.
مساء أمس الاثنين، كشفت وثائق وتعميمات أُرسلت إلى الشركات والمدارس والهيئات الحكومية، عمل السلطة الفلسطينية على حشد أكبر عددٍ من الأشخاص للمشاركة في مسيرات دعم لعمليتها الأمنية في جنين ضد المقاومة تحت شعار "ضد الفلتان الأمني"، على الرغم من منعها وقمعها وملاحقتها لأي مسيرة داعمة لغزة خلال حرب الإبادة الجماعية التي تجاوزت 14 شهرًا.
كما وُجهت تعميمات مشابهة للمدارس الحكومية والخاصة، تدعو المدراء والمعلمين والطلاب للتواجد في ساحات محددة قبل الانطلاق إلى المسيرة، وأكدت التعميمات على ضرورة تنظيم مشاركة الطلبة وضمان مغادرتهم المدارس بشكل جماعي.
وظهر اليوم الثلاثاء، خرجت إحدى هذه المسيرات وسط مدينة الخليل، بمشاركة الأقاليم التنظيمية لحركة فتح في المحافظة، والتي أعلن ممثلوها عن دعمهم، والتفافهم حول أجهزة السلطة، وبرنامجها القائم على مزاعم "بسط النظام والقانون في جنين"، ضمن حملة "حماية وطن"، ورفضاً للمقاومة التي وصفتها بـ"حالة الفلتان الأمني".
وفي كلمة خلال المسيرة، قال محافظ محافظة الخليل خالد دودين "إن ما يجري في مخيم جنين من عملية إطلاق النار على الأجهزة الأمنية، وحالة الفلتان، التي راح ضحيتها اثنان من أفراد الأجهزة الأمنية، يشكل جريمة نكراء، وعملية إبادة ممنهجة من الخارجين على القانون، الذين يسعون إلى هدم إنجازات شعبنا، وقيادته"، في حين لم يتطرق دودين للفلسطينيين الأربعة الذين أعدمتهم أجهزة أمن السلطة خلال الحملة، والذين كان آخرهم الشهيد الفتى مجد زيدان، والذي استشهد مساء أمس الإثنين برصاص السلطة.
وبالتزامن مع مسيرة الخليل، خرجت مسيرة أخرى نظمتها أقاليم حركة فتح في محافظة طوباس، ورددت ذات الشعارات التي أُطلقت في الخليل، حيث قال محافظ طوباس والأغوار الشمالية أحمد الأسعد: "خرجت طوباس اليوم لمبايعة ودعم القيادة الفلسطينية، والمؤسسة الأمنية في حملة "حماية وطن"، دون التطرق لحصار مخيم جنين ومناشدات الاستغاثة التي يطلقها الأهالي هناك.
أين كانت هذه المسيرات على مدار 14 شهراً من حرب الإبادة على غزة؟
على مدار 14 شهراً، منعت السلطة وأجهزتها الأمنية أي فعالية جماهيرية أو مسيرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة في قطاع غزة، بل قمعت عدة مسيرات داعمة لغزة وقتلت مشاركين فيها في بعض الأحيان، كما حدث في المسيرات التي انطلقت تنديدًا بمجزرة مستشفى المعمداني ليلة 17 تشرين أول/أكتوبر 2023.
وخلال المسيرات التي خرجت في أعقاب تلك المجزرة، قتلت أجهزة أمن السلطة الطفلة رزان تركمان والشاب فراس تركمان بالرصاص في جنين، والشاب محمود أبو لبن الذي قضى دهسًا بآلية لأجهزة أمن السلطة خلال قمعها مسيرة في رام الله، والشاب محمد صوافطة الذي قُتل برصاص السلطة في طوباس.
وخلال حرب الإبادة، اعتقلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية فلسطينيين شاركا في تظاهرات دعمًا لقطاع غزة ورفضًا للإبادة الإسرائيلية، وأظهرت مقاطع مصورة اعتداء عناصر أمنية بلباس مدني على المعتقلين، وخلال 3 أيام بعد مجزرة مستشفى المعمداني (17 أكتوبر) وثقت مجموعة محامون من أجل العدالة أكثر من 150 حالة اعتقال، كما أطلقت النار تجاه الأسير المحرر ضياء زلوم بعد الاعتداء على مشاركين في مسيرة برام الله.
وفي وقت سابق، كان وزير الداخلية في الحكومة الفلسطينية، زياد هب الريح، كشف أن العملية التي تنفذها أجهزة أمن السلطة في مخيم جنين "تستهدف من لا يريد الالتزام ببرنامجنا السياسي في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة"، حسب وصفه.
وأضافت مصادر محلية أن الخطاب الرسمي للسلطة الفلسطينية تضمن استخدام لغة تحريضية ضد الفلسطينيين، متبنيًا مصطلحات مشابهة لتلك التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي في تبرير عملياته ضد المقاومة.
وأوضحت المصادر أن السلطة اعتمدت على روايات وادعاءات تصف المقاومة في جنين بأنها تهديد أمني، كما واستخدمت تصريحات الناطقين باسم السلطة الفلسطينية مصطلحات في تبرير الحملة الأمنية على مخيم جنين مشابهة لتلك التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه الأخير على قطاع غزة، مثل وصف المقاومين بـ"الخارجين عن القانون" أو "المخربين"، و"المشروع الإيراني"، و"داعش".
واعتبرت مصادر محلية وسياسية، أن هذا الخطاب يشكل جزءًا من محاولات السلطة لإيجاد غطاء سياسي وإعلامي لإجراءاتها الأمنية، وهو ما اعتبرته الفصائل الفلسطينية تجاوزًا خطيرًا لقيم الوحدة الوطنية، واصفة إياه بأنه محاولة لضرب النسيج الاجتماعي الفلسطيني وتعزيز الانقسام الداخلي.