ما حدث في هولندا بعد مباراة كرة قدم خسر فيها فريق "مكابي تل أبيب" في مقابل أياكس الهولندي، كان خروج مستوطنين عنصريين صهاينة، واكبوا فريقهم من الكيان الصهيوني إلى المباراة، وجابوا الشوارع يهتفون "الموت للعرب"، و"ليس في غزة مدنيون". وداسوا على الأعلام الفلسطينية التي انتزعوها من واجهات بعض البيوت، واعتدوا على بعض سائقي سيارات الأجرة، من العرب المغاربة (المغرب الكبير)، ضربا وتهديدا وشتما، الأمر الذي أدى إلى تجمع عرب مهاجرين وهولنديين من أهل البلاد للردّ عليهم، فكانت اشتباكات بالأيدي والعصيّ في الشوارع مع الهتاف لفلسطين حرّة، ولغزة المقاومة، وشعبها الذي يتعرض للإبادة الوحشية.
وبهذا وجد العنصريون المعتدون أنفسهم في ورطة حقيقية، أمام حشود عربية وإسلامية وهولندية.
ما حدث في هولندا، والذي تحوّل في الأيام التالية إلى تظاهرات تصرخ "فلسطين حرّة"، وتشجب العدوان على غزة ولبنان، قوبل بقرارات رسمية في منتهى التشدّد تأمر بقمع المتظاهرين، وأُعلن أن عددا من الحكومات الغربية قد فسّرت ما حدث في هولندا بمثابة العودة "لعداء السامية"، وذلك بدلا من اعتبار ما حدث درسا يجب أن يُقرأ جيدا، كنتيجة طبيعية للإبادة التي تعرض لها المدنيون في قطاع غزة، في ظل سكوت غربي رسمي عالمي، فيما أثره شكّل جرحا عميقا في الضمير العالمي، وغضبا دفينا في الوعي العالمي العام، سوف يُترجم نفسه كظاهرة عالمية، كما ترجم نفسه في الأحداث التي شهدتها هولندا.
ثلاثة عشر شهرا من ارتكاب جرائم الإبادة، يوما بعد يوم، وبلا انقطاع في قطاع غزة، وعلى مشهد كل الشعوب، ولا سيما العربية والإسلامية وأحرار العالم، وفي ظل سكوت متواطئ من الحكومات الغربية، وعجز وتخاذل رسمي من غالبية الحكومات العربية والإسلامية.
هنا السؤال: ما الذي يتوقعه قادة الكيان الصهيوني، وعلى رأسهم نتنياهو، أن تكون ردود الفعل الشبابية والشعبية والإنسانية على الكيان الصهيوني، وإصراره على أنه يمثل يهود العالم، ويضع هدفه اقتلاع كل الشعب الفلسطيني العربي المسلم، العالم ثالثي، الإنسان، من كل فلسطين، رغم أن هذا الإنسان صاحب الحق الحصري فيها، وفي تقرير مصيرها بناء على القانون الدولي، وعلى وجوده التاريخي الثابت فيها، قرونا بعد قرون؟ ما الذي يتوقعه مرتكبو جريمة الإبادة، ومن يدعمهم ويغطيهم، من ردود فعل غير الذي حدث في هولندا، وهو ما زال في أوّله وبدايته، ولم يأخذ المفعول الذي ينتظره بعد؟
عندما تمارس الإبادة من قِبَل قادة الكيان الصهيوني طوال ثلاثة عشر شهرا، وحبلها على الجرار، ولا يرتدعون، ولا يعتبرون أن ثمة قانونا دوليا وقِيما إنسانية وأعرافا دولية في الحروب، ويقولون للعالم: ما نفعله مباح، وهو "قانون" العلاقة بين الشعوب حين نمتلك ما نمتلك من طائرات ودبابات وصواريخ وقذائف، وحين نجد من أمريكا ومن حكومات الغرب ما نجده ووجدناه فعليا من دعم عسكري وغطاء سياسي، الأمر الذي يوافقنا بأن ندوس على القانون الدولي، والقِيَم الإنسانية والأخلاق، ونجعل انتهاك حريّة البشر وحقوق الإنسان، فعلا مباحا ما دمنا أقوياء، فهذا يعني أنه ما دام العالم محكوما من قِبَل أمريكا والغرب والصهيونية، فسيكون كالغاب الذي ما من غاب عرف وحشية مثله.
هذا معنى سيادة الفوضى العالمية التي يُراد لها أن تسود، وجعلها النظام العالمي الجديد.