شبكة قدس الإخبارية

نظرة على الأحداث في مصر

٢١٣

 

عبد اللطيف وليد

بداية دعوني أسجل بأني سأنحو فيما سيلي خطاً بعيداً عن طابع المقالة، في محاولة لإثارة بعض الأسئلة التي قد تجيب عن بعض من الأحداث التي شهدتها الساحة المصرية خلال عام كامل.

وسأحاول جاهداً أن أكون بعيداً ما أمكن عن كل "الأيدولوجيات" والاتجاهات الفكرية، وإن كنت أعلم مسبقاً بأن الموضوعية المطلقة لا تعدو كونها جزءاً من الوهم المطلق.

- لم تشهد مصر على مرّ تاريخها الحديث لا في عهد الملك فاروق ولا في عهد أي من الرؤساء عبد الناصر والسادات أو مبارك، هامشاً من الحرية والديموقراطية والتعددية الحزبية كالتي شهدتها خلال عام واحد من عهد الرئيس محمد مرسي.

فقد برز عدد كبير من الأحزاب السياسية، وشهدنا كيف كان الرئيس ينتقد وبطريقة لاذعة وبصورة تصل إلى السباب والشتائم أحياناً وعلى أكثر من فضائية، ولم يسجل طوال عام كامل على مرسي أنه قام باعتقال سياسي واحد، أونه طالب بإعدام شخصية واحدة؛ في حين أنّا شهدنا عشرات حالات الاعتقال والقتل وإغلاق لعدد من محطات وقنوات التلفزة بعيد الإنقلاب عليه.

 - من المريب والمخيف حصر الشعب المصري في الجماهير التي احتشدت في ميدان التحرير مطالبة بتنحية محمد مرسي عن منصب رئاسة الجمهورية، في الوقت الذي كانت فيه جموع حاشدة أيضاً تعتصم في ميدان رابعة العدوية في أماكن أخرى دعماً للرئيس وللشرعية.

 - مريب أيضاً قيام القوات المسلحة بقطع بث عدد من القنوات التلفزيونية والتي كانت تنقل صورة المحتشدين تضامناً مع الرئيس مرسي، في مشهد يفتح الباب على الكثير من الساؤلات، أبرزها:

أليس هؤلاء جزء أصيل من الشعب المصري ولهم كامل الحق في نقل وجهة نظرهم إلى العالم؟

وهل تكون هذه خطوة متعمدة بحيث لا يرى العالم ولا يسمع إلا من مصادر قليلة عن حالات القتل وإطلاق النار التي تتم بحق هؤلاء المعتصمين؟، وحتى يتم إجلاءهم بطريقة تظهر للعالم على أنها حضارية؟

ثم أليس هذا مصادة صريحة لحق وحرية والتعبير، وإطلاق رصاصة –ربما تكون قاتلة- على كل مظاهر الديموقراطية والتعددية في مصر؟

 - من المذهل كيف سارعت بعض الدول إلى مباركة خطوة المجلس العسكري بتنحية الرئيس، بل وإعلانها عن إرسال مساعدات لم تكن مصر لتحلم بها يوماً؟ وكل هذا يأتي في الساعات الأولى من تلاوة بيان القوات المسلحة فقط.

ألا يفتح هذا باباً واسعاً للتساؤل حول الدور الذي لعبته هذه الدول في هذا الأمر؟

ألم يقم بعض المسؤولين في هذه الدول ومنذ اللحظات الأولى لتنصيب محمد مرسي رئيساً لمصر بتوجيه انتقادات لاذعة له، وصلت في بعض الأحيان إلى التطاول على شخصه وبصورة صارخة، دون أي ردة فعل تذكر من حكام هذه الدول تجاه هؤلاء المسؤولين.

ألم تقم بعض هذه الدول بالمجاهرة باستضافتها لرموز بارزين من معارضي نظام محمد مرسي؟ ولم تكتف بذلك؛ بل تجاوزته بالإعلان عن دعمها وتمويلها ومباركتها لكل الاحتجاجات التي خاضتها المعارضة خلال عام كامل؟

بالطبع وفي المقابل، فإن هناك دولاً أدانت ما وصفته بالانقلاب على شرعية الرئيس وأعلنت عن أنها ستظل تتعامل معه على أنه الرئيس الشرعي والمتنتخب، والسؤال: هل يستوي الأمران فعلا؟

 - غريب ما يقوم به البعض من محاولة إجراء مقارنة بين سلوك محمد حسني مبارك من تنحيه عن منصب الرئاسة فور خروج الجماهير عليه –وإن كان لم يفعل ذلك مع بداية الأحداث وقتها- وبين سلوك وتصرف محمد مرسي بإصراره على البقاء في منصبه كرئيس لمصر وإعلانه بأنه متمسك بالشرعية حتى الرمق الأخير.

ترى هل تصح هذه المقاربة بين رئيس جثم على صدور المصريين قرابة الثلاثين عاماً، وبين رئيساً منتخب وبشكل ديموقراطي لم يقض فترة حكمه الأولى بعد؟

 - إن حجم الإنجار الذي سجله عام واحد فقط من حكم محمد مرسي لجدير بالاحترام في ظل كل هذا الكم من المعارضة الداخلية والخاجية، وإن كنت لا أغفل البتة ولا أتجاوز عن وجود عدد لا بأس به أيضاً من الإخفاقات التي كان من الممكن تجاوزها ومحاولة التقريب في وجهات النظر حولها.

ورغم ذلك يبقى السؤال؛ هل يمكن إجراء مقارنة بين إنجازات مرسي وإخفاقاته في ظل كل هذه الظروف والمتغيرات.

إنني أشعر أن هذا أمر بعيد عن الإنصاف، فإنجاز واحد في ظل هذه الظروف الصعبة قد يقارن بعدد من الإخفاقات مجتمعة.

 - أخيراً؛ لا أريد أن يُنظر لما تقدم بانه دفاع عن شخص محمد مرسي أو نظام حكمه، وإنما هو في واقع الأمر دفاع عن تجربة ديمقراطية حقيقة لمصر كان الممكن أن يكتب لها النجاح لو تركت لها الفرصة وسمح لها بذلك.

والحق أنني كنت سأقول كل هذا في حالات أخرى فيما لو كان رئيس مصر حمدين صباحي أو محمد البرادعي أو عمرو موسى... الخ أو غيرهم من مرشحي الرئاسة السابقين.

ذلك أن مسألة الخروج على الرئيس والمطالبة بتنحيته عن منصبه واستقالته من مهامه ستغدو حالة مألوفة في ظل بلد يحفل بالأحزاب السياسية، ويعج باختلاف وجهات النظر كمصر، وهذا من شأنه إبقاء مصر دون نهضة أو تقدم لسنوات قادمة وطويلة.

لا أستطيع التكهن بما ستؤول إليه الأمور في مصر، ولكني أشعر بأن مصرتُ دفع إلى نفق مظلم لا نعلم أين ومتي وكيف ستكون نهايته.