ان ميزان القوى عالميا وإقليميا وفلسطينيا (محور المقاومة) مائلا في غير مصلحة الكيان الصهيوني، وعلى التحديد ضد سياسات نتنياهو الذي راح يقود ومجلسُه الحربي استمرارَ الحرب العدوانية وحرب الإبادة في قطاع غزة، طبعا دون إغفال ما يتلقاه من دعم عسكري من أمريكا وأوروبا، ومن غطاء سياسي، سمحا له بأن يتحدى العالم بالمضي في حرب الإبادة البشرية وحرب العدوان في قطاع غزة، الأمر الذي سجل تناقضا مع القوانين الحاكمة لموازين القوى العسكرية والسياسية، وذلك أساسا بسبب الموقف الأمريكي المزدوج، أو المنافق، أو العاجز أمام الانحياز الصهيوني.
ولكن بالرغم من ذلك كان الاتجاه العام متجها، ولو ببطء وبعناد، إلى إنزال الهزيمة بنتنياهو وسياساته. فقوى المقاومة في العراق، والمشاركة من اليمن، والدعم من إيران، كانت في طريقها لترجمة هزيمة نتنياهو إلى انتصار للمقاومة في غزة، وفي لبنان، وفي العراق.
جاءت المجزرة التي نجمت عن الاختراق الذي أحدثه تفجر البيجرات (أربعة آلاف جريح وعشرة شهداء) في صفوف حزب الله، ثم في اليوم الذي تلاه تفجر أجهزة لاسلكي، ثم عمليات استشهاد بعد يومين لعدد هام من قادة الرضوان.. ليحدث كل ذلك ما يشبه الانقلاب، ولو من حيث الظاهر، أو النفسي، في ميزان القوى العسكري بسبب هذه الضربات القاسية التي تلقاها حزب الله.
بالتأكيد لا يمكن عدم إدخال تلك الضربات في ميزان القوى السياسي العسكري، وهو ما سمح للبعض باعتبارها بمثابة ضربات "قاضية"، وأخذوا يعتبرون أن الحرب حُسمت، أو كما أشار بعض الذين في صفوف نتنياهو، أنها فتحت الباب لمواصلة الهجوم، حتى وصل يوم 23 أيلول/ سبتمبر 2024 إلى هجمات في الطيران على جنوب لبنان، وبقاعه، ومنطقة بعلبك، أسفر عن حوالي 500 شهيد، و1600 جريح، ما جعله يشير إلى بداية لحرب إبادة، كما حدث في الأيام الأولى من حرب الإبادة في قطاع غزة من حيث عدد الشهداء والجرحى في يوم واحد.
وهذا يعني أن القرار الصهيوني ذاهب إلى حرب يريد أن يجعلها حربا شاملة ضد حزب الله، كما هي ضد المقاومة في قطاع غزة. ولكن جاءت ردود حزب الله في ذلك اليوم وتاليه، والموجهة إلى حيفا، لتؤكد أن أهلية حزب الله العسكرية، بعد كل تلك الضربات، ما زالت من حيث الأساس قد حافظت على فعاليتها وقدراتها، بما لا يسمح بالقول بأن الضربات كانت قاضية، أو أصبحت في وضع لا يسمح لحزب الله، بمواصلة حرب شاملة.
من هنا يكون ميزان القوى الذي تشكل طوال الأحد عشر شهرا عالميا وإقليميا وفلسطينيا ولبنانيا (محور المقاومة)، ما زال كما كان عليه. وقد راح حزب الله يؤكد بالرد المباشر، بأنه قد تجاوز الاختراق وما نجم من خسائر، أو أنه في الطريق لتحقيق ذلك، بأسرع ما يمكن.
وبهذا يكون نتنياهو، وما يركب في رأسه ورأس القيادة الصهيونية، قد أخطأوا الحساب في خوضها حربا شاملة، فمن البديهي أن الاختراقات مؤلمة ولكنها لا تكسب حربا.
إن الحروب لا يكسبها الحمقى، ولا تكسب بالحسابات الخاطئة لموازين القوى. وهذا ما سيكون مصير الحرب التي يقودها نتنياهو ضد حزب الله، كما ضد المقاومة وقيادتها في قطاع غزة، كما محور المقاومة، والرأي العام العربي والإسلامي والعالمي، وذلك إضافة إلى ما تعانيه أمريكا من حالة ضعف.