تقارير خاصة - قدس الإخبارية: ظهر يوم أمس الأحد (2024/6/23) رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في مقابلة مع القناة 14 العبرية، وأدلى في مقابلته بالعديد من التصريحات التي أثارت جدلاً على المستويين السياسي والعسكري.
أبرز ما جاء به نتنياهو أمس تصريحه حول اقتراب جيش الاحتلال من الانتهاء من العملية العسكرية في رفح واقتصار وجود جيشه في غزة على محاور معينة وتنفيذ عمليات عسكرية محددة، وهو ما كان يسمى مسبقاً في الخطاب الإسرائيلي بالمرحلة الثالثة من الحرب.
غير أن ثمة ما هو مثير بإعلان نتنياهو عن إنتهاء العملية العسكرية في مدينة رفح، دون تحقيق أي هدفٍ من أهدافها الفعلية والتي حددها مجلس حرب الاحتلال مُسبقاً، ولعل العملية العسكرية في رفح كانت أبرز أوراق القوة التي يلوح بها نتنياهو في كل تصريح، بل وقام بتصديرها على أنها العملية الفاصلة في الحرب والتي سيتم خلالها استرجاع الأسرى الإسرائيليين و "هزيمة حماس" على حد وصفه، فلم تتم عملية استرجاع الرهائن ولا تفكيك فصائل المقاومة في المدينة ولا سيما "كتائب حماس" كما أطلق عليها الإعلام العبري، فما الذي يدفع نتنياهو الآن للإعلان بالانسحاب من رفح، وما هدفه من ذلك، وماذا بعد رفح؟
استنزافٌ في رفح يقابله مراوغة بإعلان الانسحاب
في قطاع غزة يقول مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أحمد الطناني: "إن العملية العسكرية في رفح والتي ادعى الاحتلال أنها عملية محدودة، تدحرجت لتطال غالبية مناطق رفح دون أن يتمكن الاحتلال من تحقيق أي نتائج عملية أو الوصول لأي أهداف يمكن أن يصورها الاحتلال بأنها انتصار، وهذا سواء على صعيد الوصول للأسرى لدى المقاومة أو تفكيك البنية التحتية والنجاح في اغتيال قادة المقاومة."
ويضيف الطناني أن جميع هذه المجريات على الأرض جعلت النتيجة الحقيقية لعملية رفح صفراً، في مقابل خسائر متعددة في القوات ونجاح المقاومة في تنفيذ ضربات نوعية تنوعت ما بين محاولة خطف أحد الجنود، وتنفيذ عملية إنزال خلف الخطوط على الحدود الشرقية، واستهداف آلية بصاروخ السهم الأحمر الموجه الذي يُستخدم لأول مرة خلال هذه الحرب، وهو ما سيدفع الاحتلال إلى المسارعة في تقديم دعاية حول نجاح الاحتلال في تفكيك كتائب المقاومة الناشطة في المدينة وإنهاء العملية العسكرية والانسحاب من المناطق المأهولة والتمركز في محور فيلادلفيا.
فيما يؤكد الطناني لـ "شبكة قدس" أن عملية جيش الاحتلال في مدينة رفح هي استكمال لما لحق بجيش الاحتلال من استنزافٍ لقواته على امتداد مناطق القطاع، وهذا وفق معادلةٍ أساسية أنه كلما طال بقاء الجيش على الأرض، كلما تصاعدت معادلات الاستنزاف للقوات والآليات، لأن طول المدة يسمح للمقاومة بترتيب صفوفها وفق متطلبات الميدان وتجاوز المعضلات العملياتية التي أحدثها العدوان، وفي حالة عملية رفح على نحو التحديد هناك متغيرات مهمة، فالمقاومة في رفح سبق وأن استخلصت العبر والدروس من عمليات جيش الاحتلال في باقي مناطق القطاع، وعكست هذا في طبيعة الكمائن والاستهدافات لجيش الاحتلال وقدرتها أيضًا على تجاوز الضربات المؤثرة.
بين الحرب المستمرة واتخاذ جبهة الشمال كمخرج
بالتزامن مع تصريحات رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، تتصاعد تصريحات داخل حكومة الاحتلال بضرورة شن عملية عسكرية ضد حزب الله على الحدود الشمالية، تحت ذريعة إبعاد خطر حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، وإعادة النازحين إلى المستوطنات الشمالية، وتحقيق الاستقرار في شمال فلسطين المحتلة.
ترتبط هذه التصريحات بتصريحات نتنياهو أمس بشأن إنهاء عملية رفح، ولا يمكن فصل إحداها عن الاخرى.
وحول ذلك يرى المحلل السياسي سليمان بشارات أن التوجه لتصعيدٍ على الجبهة الشمالية هو المخرج الأكبر لنتنياهو في حال إنتهاء العملية العسكرية في مدينة رفح، بحيث يشن عملية عسكرية محدودة في الشمال تمنع الاستقرار داخل مجتمع الاحتلال، الأمر الذي يوفر غطاء لنتنياهو من أي استحقاقات سياسية تُفرض عليه بما يتعلق بالإخفاق في رفح وقطاع غزة.
فيما يضيف بشارات لـ "شبكة قدس" "أن تصريحات بنيامين نتنياهو يوم أمس توضح أن الحرب مستمرة وجاء الخطاب كتأكيد على إطالة أمد الحرب دون أي سقفٍ زمني، لا سيما بتطرق نتنياهو إلى موافقته بتنفيذ صفقة تبادل جزئية."
وكتحليلٍ للخطاب يوضح سليمان بشارات أن قراراتٍ كهذه تدعم نتنياهو في إتجاه الهرب من أي التزاماتٍ سياسية والمحافظة على الائتلاف الحكومي، غير أن حجم الاستنزاف الذي يتعرض له جيش الاحتلال في قطاع غزة يشكل مأزقاً حقيقياً لم يستشتعر خطورته نتنياهو؛ بسبب الفجوة بين المؤسسة العسكرية للاحتلال وقتالها على الأرض، وبين مطالب الحكومة السياسية.
ما بعد رفح..المرحلة الثالثة من الحرب، بين الرغبة والخوف
يرغب جيش الاحتلال منذ شهور بالانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب، وهي إنسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة والمركز في المحاور الرئيسية كمحور نتساريم ومحور فيلادلفيا، وانتهاء القتال المباشر، واقتصار وجود الجيش على تنفيذ مهماتٍ عسكرية محددة في قطاع غزة بغطاءٍ جوي، وهذا ما أكد عليه نتنياهو أمس بقوله أن "العمليات القتالية الشديدة" ستنتهي في رفح قريباً.
غير أن هذه الرغبة تشكل خشيةً لجيش الاحتلال كما يقول المختص في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة، وسبب هذا الرعب هو قوة المقاومة في مناطق قطاع غزة وقدرتها على مهاجمة قوات جيش الاحتلال الموجود في المحاور الرئيسية، والقدرة العالية في التصدي لأي عملية اقتحام يشنها الجيش.
ويضيف هلسة لـ "شبكة قدس" أن "خطوة الانتقال للمرحلة الثالثة تأتي في ظل التأهب على الجبهة الشمالية والحاجة الملحة لحشد الجنود والآليات هناك، والإعلان عن هذه الخطوة يأتي كحافظٍ على ماء الوجه والإدعاء بتحقيق إنجازاتٍ، لم تُحقق في رفح ولا في كافة مناطق قطاع غزة".