شبكة قدس الإخبارية

"الصهيونية الدينية" تطلق حربها على الضفة... دولة المستوطنين تبتلع الأرض

438089943_465481439371511_586994035856494963_n
هيئة التحرير

رام الله - خاص قدس الإخبارية: "لا يوجد شيء اسمه ’دولتان لشعبين وأرض إسرائيل لنا"، من هذه الجملة المفتاحية يمكن الانطلاق نحو فهم حركة وزير المالية والوزير في وزارة جيش الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش، في برنامجه الذي يعمل على تطبيقه منذ صعوده في الحياة السياسية الإسرائيلية.

الجملة هذه من مقال كتبه سموتريتش الذي يمكن اعتباره الرجل الأكثر استراتيجية في تيار "الصهيونية الدينية"، الذي يضم عدة أحزاب، بينها حزب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، أعلن فيه صراحة عن أفكاره لتدمير أي طموح للفلسطينيين لإقامة أي كيان قومي على أرض فلسطين التي يسميها "أرض إسرائيل"، وفقاً لمفاهيمه التوراتية، حتى لو على أقل من الحق التاريخي للشعب الفلسطيني.

وينطلق سموتريتش زعيم حزب "الصهيونية الدينية" الذي سيطر في حكومة نتنياهو على مفاصل مهمة في إدارة دولة الاحتلال من استراتيجية أساسية لحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني تقوم على: "أي حل يجب أن يقوم على بتر الطموح لتحقيق الأمل القومي العربي بين الأردن والبحر"، حسب وصفه، وهو يرى أن "إدارة الصراع" سياسة استراتيجية خاطئة ويجب تجهيز مجتمع المستوطنين لحسمه بالقوة العسكرية وإغراق الضفة الغربية المحتلة بالاستيطان لمنع الفلسطينيين من الاتحاد في أي كيان قومي.

مصير الفلسطينيين في خطة سموتريتش إما أن يكون القتل أو القمع إذا قرروا مقاومة إخضاعهم لهذا النسق الاستعماري، أو أن يقبلوا بأن يكونوا مواطنين في "دولة اليهود" بحقوق أقل تمنحها لهم سلطات الاحتلال، أو أن يختاروا التهجير "الترانسفير" إلى خارج فلسطين المحتلة.

إغراق الضفة بالاستيطان

سموتريتش الذي ولد وكبر وتعلم في عائلة من المستوطنين الذين يعتقدون بوجوب احتلال كامل فلسطين، والعمل بكل الوسائل لطرد العرب منها، وحتى مد الدولة اليهودية إلى دول عربية مجاورة كما ظهر في صورة نشرها وزير المالية في حكومة الاحتلال لخارطة خلفه تضم الأردن مع فلسطين في "إسرائيل" المستقبلية التي يحلم بها مع تيار "الصهيونية الدينية"، يعيش في مستوطنة "كدوميم" شمال الضفة المحتلة لإثبات أفكاره التي روجها بين أنصاره حول ضرورات دعم المستوطنين.

تربى سموتريتش في مستوطنة "بيت إيل" التي تعتبر من أهم مراكز ميليشيات المستوطنين، في الضفة المحتلة، وتلقى تعليمه على يد والده الحاخام الذي نقل إليه أفكاره حول تهجير الفلسطينيين والسيطرة على كل البلاد، وفي سنوات استطاع الصعود في الحياة السياسية بدولة الاحتلال وهو يحمل معه برنامجه لتشجيع الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة على طريق تدمير "أمل" الفلسطينيين بإقامة دولة حتى لو على جزء من أرضهم.

تيار "الصهيونية الدينية" الذي يمثله بشكل مركزي سموتريتش وبن غفير في مؤسسات دولة الاحتلال، يرى في الضفة الغربية المحتلة التي يسميها "السامرة" استناداً إلى عقائده التوراتية مكاناً لتطبيق أفكاره حول "الخلاص" الديني ولها مكانة "دينية" في المفاهيم التوراتية أكثر من أماكن أخرى في فلسطين المحتلة، وهو بذلك يفترق عن تيارات أخرى كانت لها السيطرة في دولة الاحتلال، تقدم البعد الأمني - الاستراتيجي في النظرة للاستيطان على أبعاد "دينية - توراتية".

ومنذ وصوله إلى حكومة الاحتلال وسيطرته على وزارة المالية التي تمنحه صلاحيات التحكم بالصرف لصالح الاستيطان، وفي ملفات هدم البناء الفلسطيني وترخيص المستوطنات داخل وزارة الجيش، عمل سموتريتش على تسمين الاستيطان بمزيد من الضخ في سنوات شهدت هجمة استيطانية من حكومات سابقة من تيارات أخرى غير "الصهيونية الدينية".

في آب/ أغسطس 2023 أي قبل شهرين من انطلاق حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، قرر سموتريتش صرف ميزانية تقدر بــ700 مليون شيقل لصالح الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وأكدت منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية أن ذلك العام شهد أكبر مصادقة على بناء وحدات استيطانية، وأشارت في تقرير إلى أن حكومة الاحتلال صادقت على إقامة 12 ألفاً و885 وحدة استيطانية، وتوزعت هذه المخططات على مستوطنات "معاليه أدوميم" و"عيلي" و"كوخاف يعقوب" و"جفعات زئيف" و"ألكناه" و"كريات أربع" و"كدوميم" وغيرها من التجمعات الاستيطانية التي تشكل عقبة وكتلاً تقطع التقاء التجمعات الفلسطينية وتزيد من تحويل فرصة إقامة دولة فلسطينية إلى مستحيلة وهو الهدف الاستراتيجي الأبرز لزعيم حزب "الصهيونية الدينية" وحليفه بن غفير وأنصارهم.

ميلشيات المستوطنين… أداة تطهير الضفة من أهلها

السنوات الماضية شهدت اندفاعاً لميليشيات المستوطنين على مستوى زيادة الهجمات ضد الفلسطينيين، في الضفة الغربية، وفي سياق العمل على نمط الجيش الذي له سلاح خاص وقيادة وتنظيم ويتلقى تدريبات ويهاجم مواقع يعتبرها استراتيجية، كما يجري منذ شهور في هجماتها على التجمعات البدوية في المناطق المصنفة "c" وفقاً لاتفاقية "أوسلو"، التي ترى فيها الجماعات الاستيطانية مواقع يجب تطهيرها من الفلسطينيين والسيطرة عليها لتحقيق السيادة والسيطرة.

منذ الدقائق الأولى لإعلان نتنياهو عن تشكيل تحالفه الحكومي بعد التحالف مع سموتريتش وبن غفير، أعلن قادة "الصهيونية الدينية" عن نيتهم شرعنة 155 بؤرة استيطانية سرقت من القرى والبلدات الفلسطينية مئات الدونمات. هذه البؤر الاستيطانية التي تنتشر عبر الجبال والمناطق الزراعية من شمال الضفة الغربية المحتلة إلى جنوب جبل الخليل، يعيش فيها عناصر ميلشيات المستوطنين مثل "فتيان التلال" وغيرها الذين يقودون الهجمات الإرهابية ضد التجمعات الفلسطينية.

حظيت هذه الميلشيات في السنوات الماضية بدعم قوي من حكومة الاحتلال، وأقطاب "الصهيونية الدينية" فيها، وكان سموتريتش من أشد المدافعين عن سلوكها حيث دعاها إلى محو قرية حوارة جنوب نابلس عن الوجود، ورغم محاولاته التملص في الخطابات من دعم مباشر لهذه العمليات الإرهابية، إلا أنه "قصوراً" في قمع جيش الاحتلال للفلسطينيين، حسب زعمه، هو ما دفع ميلشيات المستوطنين لارتكاب جرائم مثل حرق عائلة دوابشة، ودعا الجيش في أكثر من مرة إلى زيادة المجازر التي يرتكبها في الضفة الغربية المحتلة كما في منشوره عبر حسابه في "تويتر" الذي طالب فيه الجنود بإطلاق النار على الأسيرة المحررة عهد التميمي.

سموتريتش الذي اعتقل من قبل جهاز "الشاباك" في 2005 بتهمة المشاركة مع مستوطنين آخرين في محاولة إحراق بنية تحتية إسرائيلية لمنع تنفيذ خطة رئيس حكومة الاحتلال حينها أرئيل شارون في الانسحاب من غزة ومستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، يرى أن ميلشيات المستوطنين التي أصبحت تعمل في عدة مواقع إلى جانب جيش الاحتلال في حرب الوجود على الفلسطينيين، بعد أن تغلغلت تيارات "الصهيونية الدينية" في الوحدات القتالية خاصة، "أبطالاً" يجب الاحتفاء بهم وزيادة الدعم لهم، لأن منطلقاته الأيدلوجية تتشابه معهم وخاض تجارب مشابهة لهم قبل وصوله إلى الحكم في دولة الاحتلال.

وهو في هذا يتشابه مع إيتمار بن غفير حليفه الذي كان لسنوات متهما بـ"الإرهاب" من قبل أوساط سياسية وأمنية في دولة الاحتلال، بسبب انتمائه إلى حركة "كاخ" ولأفكار الحاخام مائير كاهانا، وهو التيار الذي خرج منه الإرهابي باروخ غولدشتاين منفذ مجزرة المسجد الإبراهيمي في الخليل، وحرض أيضاً على اغتيال رئيس حكومة الاحتلال السابق اسحاق رابين بسبب ما اعتبر أنه "تنازلاً عن حقوق اليهود في كامل البلاد"، حسب تعبيرهم.

حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة ترافقت مع إطلاق يد ميلشيات المستوطنين لتهجير عدة تجمعات بدوية فلسطينية، وسجلت المراصد الحقوقية الفلسطينية تشريد سكان أكثر من 28 تجمعاً، خلال هذه الشهور فقط، بعد أن تعرضت لهجمات منظمة من المستوطنين بحماية من قوات الاحتلال، في ظل غياب استراتيجية فلسطينية رسمية أو شعبية لتثبيت هذه التجمعات ودعمها في وجه قوة مدعومة بالسلاح والمال ومن أعلى المستويات في دولة الاحتلال.

تفكيك السلطة الفلسطينية 

من ضمن الأهداف التي تقع في طموح سموتريتش وبن غفير تفكيك السلطة الفلسطينية، باعتبارها "كياناً" قد يمثل طموحاً لدى المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة لتأسيس دولة، لذلك يعمل من خلال برنامج واضح على استغلال كل فرصة لقطع الأموال عنها ومحاولتها دفعها نحو الانهيار في ظل الأوضاع الاقتصادية القاسية التي يعيشها المجتمع الفلسطيني المحروم من بناء اقتصاد مستقل وتجري معظم التداولات الاقتصادية فيه على الرواتب والوظائف والعمل في الداخل المحتل.

يختلف سموتريتش مع أقطاب المؤسسة الأمنية والعسكرية التقليدية في دولة الاحتلال الذين يرون في وجود السلطة الفلسطينية ضرورة "استراتيجية" إسرائيلية، من ناحية العمل على إدامة "الاستقرار" في الضفة الغربية المحتلة، وفقاً لتعبيرهم، عبر آليات "التنسيق الأمني" الذي يسمح باستمرار بتوجيه ضربات أمنية لفصائل المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى أنها شكلت عامل إزاحة لهم إدارة الشأن المعيشي والحياتي اليومي خاصة في مجال الخدمات عن كاهل المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية.

في السنوات الماضية عملت حكومات الاحتلال على تفريغ السلطة من مضمونها "السياسي"، الذي انطلق على أساسه وهو الوصول إلى دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، وأصبحت تعمل على إعادة تقوية صلاحيات ما تسمى "الإدارة المدنية" خاصة في المناطق المصنفة "c" وتركيز الخطاب والعلاقات مع السلطة على بند "الأمن" و"الاقتصاد"، دون أي حديث عن أفق لحل سياسي أياً كان شكله حتى لو بدولة أقل من حدود الضفة الغربية وقطاع غزة كاملة.

لكن سموتريتش يرى أن تفكيك السلطة النهائي هو هدف يجب تحقيق للوصول إلى ذروة مشروعه لــ"حسم" الصراع مع الفلسطينيين، الذين يطمح لحشرهم في تجمعات ضيقة منفصلة، لا يملكون فيها سوى خدمات بلدية وحق الخروج للعمل في الصباح، دون أي طموحات قومية أو سياسية، ومن يخالف عن هذا الأمر يجري قتله أو قمعه.

حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة كانت فرصة سموتريتش لزيادة خطواته في اتجاه هذا الهدف الاستراتيجي، فقرر منع تحويل أموال الضرائب الفلسطينية للسلطة نهائياً، وهو ما زاد من أزمة الرواتب التي ألقت بثقل كبير على المجتمع الفلسطيني وتزامن مع منع مئات آلاف العمال من الدخول للعمل في الداخل المحتل، ورغم تصريحات الإدارة الأمريكية عن وجوب تسليم الأموال للسلطة إلا أن رأس الصهيونية الدينية قرر المضي قدماً في مشروعه.

وعقب إعلان دول أوروبية اعترافها بالدول الفلسطينية قرر سموتريتش زيادة جرعة الإجراءات العقابية ضد السلطة، مستغلاً كل فرصة لإثبات برنامجه الاستراتيجي الذي يتزامن مع استيطان مكثف وزيادة قوة ميلشيات المستوطنين، وعدوان لا ينقطع على الضفة الغربية وقطاع غزة.

يجمع سموتريتش وبن غفير ومن يمثلون من تيار الصهيونية الدينية بين رؤية "توراتية" ترى في السيطرة على الضفة الغربية المحتلة "خلاصاً" ومقدمة لنزول "المخلص" بالمفهوم "الديني" الذي يبيح قمع الفلسطينيين والعرب وتهجيرهم إن رفضوا الخضوع، ورؤية استراتيجية تريد تحقيق "حسم" الصراع وقتل أي أمل أو طموح للشعب الفلسطيني بدولة أو كيان قومي.

#المستوطنات #الاستطيان