شبكة قدس الإخبارية

عجباً لحال "نخبتنا المثقفة"

٢١٣

 

أمل هاني زايد

هناك اختلاف بين الناس في كيفية تعريف كل من "النخبة" و"المثقفين" في المجتمع، وتختلف معايير تحديد ذلك من شخص لآخر، فهناك من يرى بفئة المتعلمين نخبة المجتمع والفئة المثقفة منه، في حين يكون لدى آخرين اعتبارات أخرى قد تكون مبنية على أساس اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي أو غيرها. وهنا، – ومع بعض التحفظات عليه- سألتزم بالتعريف والمفهوم الأول الذي يعتبر بموجبه المتعلمون هم "النخبة المثقفة" في مجتمعنا.

منذ مدة يخالجني نوع من الشعور بـ"الاستفزاز" من هذه الفئة وبعض ممارساتها "الثقافية" على الساحة الفلسطينية، وكنت غالباً ما انتقد هذه الممارسات وأثير التساؤلات حولها وحول الدافع وراءها خاصة خلال المؤتمرات الأكاديمية والمهنية التي تعقد في بلادنا المحتلة.

هل فعلاً هناك مثقفون عرب حقيقيون؟! أم أنهم عرب فقط بالاسم؟

لماذا يستغني المثقف مباشرة عن ثقافته ولغته، فلا يعود للحديث بالعربية، فلم أرَ يوماً أمريكياً يلقي محاضرة باللغة العربية مهما كان طليق اللسان فيها، أو أوروبياً أو غيره، ولكن العربي مهما كانت لغته العربية فصيحة لا يستخدم سوى الانجليزية وثم يتم إحضار مترجمين لترجمة النصوص. السؤال هنا: بما أن المترجم موجود، لم لا يتحدثون بلغتهم العربية ومن لا يعرف العربية يستعين بالمترجم؟

لماذا أصبحت الترقيات ونشر الكتابات والدراسات مشروطة بالكتابة باللغات الأجنبية؟ أليست لغتنا لغة الضاد أفصح اللغات وأعظمها؟ أليست الثقافة العربية شهد لها العالم على مر العصور بالتميز والإبداع؟

لماذا بتنا اليوم إن أردنا الشروع ببحث معين لا نكاد نجد مرجعاً بالمستوى المطلوب في اللغة العربية، جميعها بالإنجليزية، رغم أن عدداً لا بأس به من هذه المراجع الأجنبية هي بأقلام عرب؟؟

لم لا ننشر بلغتنا ونتعلم ونخرج علوماً جديدة بلغتنا... فقد يأتي يوم يحتاج الأجنبي لتعلم العربية للحصول على معلومات ثمينة كتبها ووجدها عرب؟...

لماذا يعتقد غالب الناس أن "المثقف" يجب أن يكون علمانياً أو غير متدين؟ لماذا هذا التصوير النمطي للمتدين على أنه بعيد عن الثقافة أو حتى "متخلف"؟ ألا يمكن للشخص أن يحترم دينه وقناعاته وتكون له ثقافته في آن واحد؟

لماذا الغالبية العظمى من الحضور في المؤتمرات المتعلقة بقضايا حساسة وهامة في المجتمع الفلسطيني هم من الأجانب وليس الفلسطينيون أنفسهم؟

لماذا لا تشارك "نخبتنا المثقفة" في هذه المؤتمرات إلا في حال كان الشخص منهم متحدثاً؟ يجني المال لقاء بضع صفحات يلقيها على الجمهور، في حين تأخذه مشاغل الدنيا عن هذه المؤتمرات إذا تمت دعوته للاستماع؟

لماذا يحترم الأجنبي حضوره للمؤتمر فتراه يدون ويكتب ولا يغادر القاعة قبل انتهاء المؤتمر مهما طال، في حين يأتي "آخرون" لفترة وجيزة يقضونها متنقلين بين الباب والنافذة؟

أصبحنا أمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تصنع، وتقرأ مما لا تكتب.... حتى تاريخنا بات يكتبه الآخرون وبلغة الآخرين! مشاريعنا ووظائفنا من هذا الآخر. ليس التحضر والتقدم بتبني لغة الأجنبي وعادات الأجنبي ودين الأجنبي وثياب الأجنبي.... علينا صنع حضارتنا لا اقتراضها... أو بالأحرى.. علينا إعادة إحياء حضارتنا والحفاظ عليها لا تشويهها.