شبكة قدس الإخبارية

عساف والأسرى

٢١٣

 

بلال ذياب
في الوقت الذي يجب أن تكون البوصلة موجهة نحو الأسرى الذين يتفنن العدو بعذابهم ويتلذذ بجراحاتهم، وفي الوقت الذي يجب أن تكون كل الجهود موحدة لنصرة الأسرى، ومن أجل تثبيت حقوقهم التي انتزعت بجوعهم وأمعائهم الخاوية، نجد أن البوصلة موجهة لما هو غير ذلك! ولم يأت تنصل الاحتلال من الاتفاق الموقع في سجن عسقلان مع الأسرى بعد معركتهم الشرسة الطويلة العام الماضي إلا بعدما شاهد العدو ضعف الوقفة الشعبية والرسمية مع الأسرى. والذي زاد الجرح ألما ودفعني للحديث بهذا الوقت الأليم والأحداث المؤسفة التي نعيشها وأقولها بكل ألم وجرح نازف لحالنا ما يسمى اليوم الذي أشغل كل شعبنا وأنفقت الأموال واستنزفت الطاقات والتعليمات والتصريحات من المؤسسات الرسمية وبعض القيادات صاحبة مسؤولية في هذا المجال التي أوعزت إلى كل سفراء دولة فلسطين في العالم من شرقه إلى غربه أن يقفوا بكل ما يستطيعوا من دعم مادي ومعنوي وإعلامي - وهنا أركز على كلمة اعلامي - من أجل برنامج غناء الذي سوّق إلينا تحت ما يسمى الفن والترفيه عن النفس. وذلك في الوقت الذي دماء المسلمين تنزف ليلاً نهاراً في كل مكان، وجراحاتهم تزداد ألما وأعراضهم تنتهك.. والاستيطان يزداد وحشية والاحتلال بواصل مشروعه الصهيوني النازي في المنطقة وبالأخص في القدس الشريف حدث ولا حرج عن التهويد وتدمير المنازل وتدنيس الأقصى ليلا نهارا وكتاب الله الكريم الذي ركله حاقد من بني صهيون. والذي أخرجني عن صمتي الذي لازمته طويلاً بعد أن انتظرتُ موقفاً واضحاً من أصحاب المسؤولية يتحدثون فيه عن خطورة الأمر، هو الرسالة التي كتبها أحد مناضلي الشعب الفلسطيني الأسير حسام شاهين الذي حاول أن يستغل نقطة يتهافت إليها أبناء شعبنا للفت النظر إلى معاناة الأسرى لأنه شاهد أن الشعب اهتم ببرنامج "عرب ايدول" ونسي أن هناك آلاف الأسرى يعانون لأشد المعاناة داخل سجون الاحتلال وحاول أن يذكرهم أن هناك أسرى في السجون تناساهم البعض. ولكن للأسف السيد راغب علامة تجاهل كلّ الرسالة التي تشرح معاناة الأسرى والتقصير العربي معهم واختصر على ما يناسبه، وهو موضوع مشاهدة فضائية "الإم بي سي". وهنا يجب أن تكون كلمة الحق وهي أنني قد تشرفتُ بمعرفة الأخ المناضل حسام شاهين وتقاسمنا معاً المعاناة والألم، ورأيتُ فيه الكثير من الصفات المميزة التي تجلب الاحترام والتقدير الكبير، وقد امتاز بدوره الكبير كونه من النشطاء الأوائل في انتفاضة الأقصى ووقتها كان طالباً في جامعة بيرزيت، وكان عضواً فعالاً في حركة الشبيبة الطلابية لطلبة الجامعات الفلسطينية في الوطن العربي. من هنا أوجه رسالة لكل من ظنَ أن الأسير يتحول من مجاهد ومناضل إلى أسير يخوض الإضراب من أجل مشاهدة الفضائيات، بل الأسرى هم من ضحوا ودافعوا عن القضية الفلسطينية حتى وهم بين الجدران ما زالوا يقودون المعركة بجوعهم وتحديهم للاحتلال. وبوصفي أسيراً محرراً اختارني الله لأحمل هذه الأمانة العظيمة وهي معركة الأمعاء الخاوية، أقولها بكلّ وضوح ولن أدع مجالاً للتشكيك أو التأويل هو أنني لن أقبل كما أن كلّ الأسرى لن يقبلوا، أو حتى يُفكروا بالإضراب من أجل مشاهدة فضائية معينة، بل هي من ضمن المطالب التي ننتزعها من مصلحة السجون الإسرائيلية، وهدا حقّ كفلته كل القوانين الدولية لأن الأسرى بشر يريدون انتزاع حريتهم ولو دفعوا حياتهم ثمناً لذلك، وقد أقسمت على ذلك في لحظة ما برفقة الأخ الأسير المريض ثائر حلاحلة. ولأن محمد عساف الشاب الفلسطيني الذي خرج من تحت الدمار والمعاناة والذي نمى موهبته من صوت الرصاص والأسلحة الفسفورية التي أضاءت سماء غزة وأصبح يحظى بقبول واسع في الشارع الفلسطيني، يتوجب عليه أن ينقل معاناة أبناء شعبه، تلك التي كتبها حسام شاهين في رسالته إلى البرنامج، وكذلك أن يذكر اسم عميدة الأسيرات لينا الجربوني وعميد الأسرى كريم يونس الذي أمضى 30 عاما في السجون وليكن اليوم فرصته الأخيرة لإظهار دعمه للأسرى وقضية أبناء شعبه. وختاماً أقول، لو أن نسبة قليلة من التعليمات والتصريحات والحملات المنظمة التي بذلت و تبذل من أجل دعم الشاب محمد عساف مادياً وإعلامياً، قد قُدِّمت للأسرى في السجون والمناضلين على مناطق التماس، لما اضطر الأسرى للجوء للإضراب من أجل رفع الظلم عنهم ولا رأينا مستوطناً واحدا يبطش كل هذا البطش في وضح النهار على نظر من الجميع!