تحتفي الحركة الأسيرة الفلسطينية بشهر النساء، وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة ويوم الأم، في ظروف داخلية انقسامية، وكذلك دولية غاية في التعقيد والقلق، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وما كشفته من عنصرية أوربية وازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين، وارتكاب جرائم حرب يدفع ثمنها الضحايا.
بالتوازي مع ذلك تدعي إسرائيل التضامن الإنساني والأخلاقي مع الشعب الأوكراني، وهي مستمرة بارتكاب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتهم الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والذين يهددون بالإعلان عن البدء في الإضراب المفتوح عن الطعام، ويواصل الأسرى الإداريون في سجون الاحتلال مقاطعة المحاكم الإدارية لليوم الـ 80 على التوالي، للمطالبة بإنهاء سياسة الاعتقال الإداري تحت شعار "قرارنا حرية".
تحول الاعتقال الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ النكبة ، وحتى يومنا هذا، إلى عرف وتقليد فلسطيني دائم ويومي، وسعت إسرائيل إلى تحويله إلى حالة طبيعية، واعتقالهم في مخالفة لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وطالت الاعتقال التعسفي وجميع إفرازاتها كل عائلة فلسطينية.
ضمن منظومة القمع والردع وأشكالها المختلفة، وفي سياق عسكري استعماري استيطاني عنصري. كرستها إسرائيل خلال 74 عاماً. وتطور أدواتها باستمرار كأدوات للسيطرة والهيمنة والإخضاع، وكسر إرادة الشعب الفلسطيني، والاعتقال بالنسبة لإسرائيل هو وسيلة لتشديد الرقابة وقبضة الاضطهاد، وفرض العقوبة على كل من يخرج عن الطابور.
السجن للفلسطينيين هو مؤسسة ديكتاتورية شمولية يستهدف الإنسان الفرد، وتفاصيل حياته وصفاته الشخصية، وتحويل الإنسان إلى مجرد رقم، وإعادة صياغة وهندسة الإنسان من جديد زمانياً ومكانياً.
وبمناسبة عيد الأم، الذي يصادف 21 من آذار/ مارس، تواصل سلطات الاحتلال اعتقال عشر أمهات، من أصل 31 أسيرة في سجن الدامون، وتحرم أطفال وأبناء الأسيرات الأمّهات من الزيارات المفتوحة، ومن تمكينهن من احتضانهم، وحرمان البعض منهن من الزيارة، وعرقلتها في كثير من الأحيان، ورفض إدارة السجون توفير هاتف عمومي لهن للاتصال بالعالم الخارجي.
التوقف عن الشعور بالأمومة والبعد والحرمان من الشعور بالفرح، والإحساس بالحزن، والصدمة والذهول المستمر، وتحول الخوف والقلق على الأبناء، وهم يكبرون بعيداً عن امهاتهم، هاجساً يومياً، ومقياس لمدى صمودهن وصلابتهن.
إن الإحساس بالبعد عن الابناء والأمهات تحد مؤلم، روحياً وعقلياً، وهو الإحساس، بعدم العيش تفاصيل حياتهم ومتابعتهم ومراقبتهم، وهم يكبرون بعيداً عن أمهاتهم، وهن يحسبن اليوم بالثانية والدقيقة والساعة، وهم في بداية أيام المراهقة أو نهايتها.
إسرائيل العنصرية المنزوعة من الإنسانية والأخلاق تمارس، جميع أنواع التعذيب بحق الأسيرات والأسرى الفلسطينيين، بدءً من الاعتقال من المنازل فجرًا والنقل إلى مراكز التوقيف والتحقيق، واحتجازهن في السجون وإبعادهن عن أبنائهن وبناتهن لمدة طويلة، ويتعرضن لجملة من السياسات الممنهجة التي ترافقهن طول فترة الاعتقال، والإهمال الطبي، ومحاولة إدارة السجون المستمرة سلب حقوقهن.
تشكل السياسات التي يستخدمها الاحتلال بحق الأمهات، واعتقالهن كوسيلة للضغط على أبنائهن المعتقلين أو أحد أفراد العائلة، وإيقاع أكبر قدر من الإيذاء النفسي كما جرى مع الأسيرة عطاف جرادات، والدة الأسرى (عمر وغيث، ومنتصر) جرادات، حيث لم يكتف الاحتلال باعتقالها وأبنائها بل أقدم على هدم منزلها.
سعى الاحتلال عبر القمع ومحاولته كسر إرادة الفلسطينيين وعوائلهم باستهداف الأمّهات الفلسطينيات، واستخدم الاحتلال الأمهات، للنيل من أبنائهن المعتقلين، عدا عن أن الآلاف من أمهات الأسرى، اللواتي حرمن من أبنائهن على مدار سنوات وسلب حقهن بالزيارة.
وفقدت بعض الأسيرات أمهاتهن او بناتهن مثل الأسيرة خالدة جرار الذي فقدت ابنتها وهي في السجن ورفضت سلطات الاحتلال وداعها، وهو حال المئات من الأسرى الذين فقدوا أمهاتهم خلال سنوات أسرهم دون السماح لهم بإلقاء نظرة الوداع,
كما تواجه زوجات الأسرى تحديات كبيرة وعلى مستويات مختلفة، في ظل استمرار الاحتلال باعتقال أزواجهن، ويضاف إلى ذلك معاناة وقهر الأمهات والزوجات اللواتي استشهد أبنائهن وأزواجهن في السّجون، فقد عاشوا حرمان الأسر والفقدان.
مع كل هذا الألم والحزن، يهدد الأسرى بالإضراب، ويواصل الأسرى الإداريون مقاطعة المحاكم الإدارية، ولم يحظى هذا التعليق والتهديد بالاضراب ومعاناة الاسيرات، بحملة وطنية وفق خطة وطنية لإسناد وتضامن فلسطيني مع أنفسهم، في ظل انقسام فلسطيني قميئ وتراخي فلسطيني. وتحولت حركة التحرر الوطني للشعب الفلسطيني إلى قبائل سياسية، تعمل وفق مصالحها، وماذا نتوقع من القبائل السياسية غير السلوك والممارسات القبلية!
على الرغم من هذه المعاناة والظلم، والواقع الداخلي وهشاشة الحالة الوطنية الجمعية والتغيرات الدولية، أتمنى لشعنا وقواه السياسية أن يعبد التفكير وإعادة الإعتبار لهذا النظام المتقادم، والبدء بعملية الإصلاح الداخلي، دون حاجة لاطراف إقليمية.
يبدو أن القيادة والقوى السياسية لا يسمعون آهات وآلام الأسرى، وأنين الأمهات الأسيرات، وصمموا جداراً زجاجيًا أسوداً قاتماً، كزجاج سياراتهم الفخمة المعتمة بالسواد، ويفصل بين الناس وقضاياهم الوطنية وتغول المشروع الاستعماري الاستيطاني.