حضرة الشهيد غدرا الباقي حرا نزار بنات.. سلام الله عليك
تأخرت في الكتابة إليك وما زالت الصدمة تسكنني في كل تفصيل من تفاصيل رحيلك، أكتب إليك ولسان حالي يُعبر عن كثيرين من الذين طوقتهم سجون الاحتلال، وقضمت القضبان سنوات أعمارهم وما كانت جنايتهم إلا مثل جنايتك: أنهم أحرار يرفضون الذل، ويعملون على زواله بما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
لعلك تذكر حديثنا قبل اعتقالي وأن الطريق الذي اخترته ملغوم بكل ألوان الأذى واحتمالات الموت، كونك تدوس ولو بكلماتك خطوط الفساد الحمراء، تضيء بشمعتك ظلمة الفساد وتلعنها بلهجتك القاسية على كل مفسد، قساوة صخور جبال الخليل التي لا تستوعب الدخيل، احتلالا كان أو فسادا.
بصفتك تحب المتسلسلات المنطقة في توصيف الأمور، فإنه أولا وآخرا ما جرى معك، بمعناه الإنساني: همجية، وبمعناه الوطني: خيانة، وبمعناه القانوني: جريمة، أما اغتيالك فهو بالمعنى القدري: لعنة ستبقى تطارد كل مشارك فيها وفي تبريرها وتغطيتها، يرقب أثرها ولو بعد حين.
لا زلت أحاول أن أشعر بالأسى على شبابك وفقدانك، ولكن لا أستطيع، ليس لشيء، إنما الطريق التي تسلكها توجب عليك مثل هذه النهايات، وهي بالمناسبة نهايات ظرفية، حيث أنه - كما يبدو- حين حاول غادروك جعلك من القول الماضي أخرجوك، -بغبائهم واستبدادهم- فعلا مضارعا مستمرا يقض مضاجعهم ويهزأ بكل أدوات الإجرام التي تبقى مجرمة مهما تلبست لبوس القانون.
ولعلك وأنت في "منجرتك" كنت تنشر الفساد بالحقائق وتدق أسافين نعشه المرتقب عبر تسجيلاتك المصورة، لعلك بعزمك على خوض الانتخابات التشريعية والتي اغتيلت قبلك، كنت تصر على أن تغيّر الواقع، وإصلاح الخلل يستوجب مشاركة فاعلة مع القول المؤثر.
لكنك الآن بموتك تحرق أشواك الفساد المغروسة في حلق هذا الشعب المقهور على حريته بالاحتلال، والمخنوق في رزقه وحاضره ومستقبله بالفساد.
عزيزي نزار.. ليست الرسالة رثاء ولا حديثا عن مناقبك، لا أرى الأمر يناسب طبيعتك ولا طبيعة رحيلك المؤسف لنا كشعب تحت الاحتلال، لكن هناك نقاطا مهمة أرى من واجبي "تذكيري وتذكيرنا" بها:
1- التضامن فعل وقول شريف حين يكون صادرا تجاه قضية بعيدة عنك في الجغرافيا أو المشتركات الواضحة، أما حين تكون القضية قضيتي فالتضامن فعل سخيف واستهلاك ساذج وجبن مقنّع ببطولة زائفة.
قضية نزار – كجزء من قضيتنا الفلسطينية – توجب على كل حر التفاعل والانسجام والمشاركة، وتقييم الحجة على كل فلسطيني بأن الساكت عن الحق عبد ٌ أهبل، وثور متلون مأكول، وإن الاصطفافات والتحزبات في داخل الجسم الفلسطيني كلها ساقطة أمام الدم ما لم تفق في وجه الغدر والفساد، الفساد الذي لم يكن عنده مانع أن يستثمر مرض الناس وموت الناس، لذلك أقل الواجب أن يحاكم قاتلوا نزار، قاتلوه كلهم من الرأس وحتى أدوات القتل، محاكمة لا تمثيلية، والذي لام نزار على رسالته للاتحاد الأوروبي يوم إلغاء الانتخابات، ليوفر على أهله وشعبنا الذهاب لمحاكم دولية تطالب بالقصاص من قاتلي نزار.
2- أؤمن بأنك واحد في طريق مملوء بالثائرين المستعدين لدفع ثمن العزة والكرامة، وضريبة عدم القعود، عدم القعود على الفساد كثابت في حياتنا، وعدم القعود على المفسد كأنه المخلّص لنا من مآسٍ هو أساسها، وعدم اعتياد التصفيق للذباب وهو يخطب عن النظافة.
في مقابل الإيمان بأن ضريبة الحرية التي يمكن أن يدفعها شعب أو إنسان يقاوم الاحتلال والفساد، أقل بكثير من أقساط الذل الذي يدفعها وهو يقول نعم أو يسكت، بل إن الموت الشريف في سبيل ما تؤمن به لا يقارن بالموت البطيء في سبيل الخوف والترقب.
3- يظن كثيرون أن معركة الأحرار مع الاحتلال والفساد معركة الذي ليس عنده شيء ليخسره، وما أراه ونعايشه وما ضربه نزار من مثل يؤكد أن الناهضين بآمال شعبهم والمطالبين بحقوقهم وحريتهم عندهم الكثير ليخسروه، وعندهم الكثير ليسكتوا لأجله ويضعوا رؤوسهم بين الرؤوس لقطّاعها، لكنهم يؤثرون أسلوبا غير ذلك، ليس لعبثيتهم ولا لأنهم مقامرون بحياتهم، وإنما لمعان ليس يفهما إلا واحد سار في طريق نزار حتى النهاية المشرقة، بغض النظر عن وضاعة ولؤم وغدر أدوات الاحتلال ومعاول الفساد.
لكنها الغايات هي التي تفرق بين العزيز والذليل والنهايات كذلك.
لك الرحمة يا نزار، ولكل الضحايا الأبطال الذين فتك بهم الفساد والاحتلال، ولأهلك الصبر والسلوان، وأن يأخذوا هم وفلسطين حقهم من كل من له يد أو لسان في اغتيالك.