في وقت يترقب الشعب الفلسطيني من جديد مرسوم رئاسي متوقع بشأن الانتخابات، يفاجئ الرئيس الفلسطيني الشعب بمراسيم جديدة بضربة واحدة تتعلق بالقضاء الفلسطيني، بعد أيام من إقالات بالجملة لتعيينات تمت من قبل بالجملة بقرارات رئاسية.
لا بد اننا كشعب نتحمل وزر ما يحدث، فسكوتنا على العيش بنظام يتفرد بقراراته كلها رئيس يَعِد بانتخابات لا تحصل وعلى إثرها يستمر بشرعنة ما يقوم به من تشريعات غير دستورية وغير قانونية الا من فتاوي يصدرها له شيوخ القانون من المنتفعين، نراهم بمناصب حدّثها الرئيس لتصدر احكام وقوانين تنفع الرئيس وحفنة المنتفعين حوله.
أحيانا أفكر إذا ما كان الرئيس الفلسطيني مغيبا عما يحدث. يعني لا يعقل ان ينشغل الرئيس بهكذا تفاصيل. بتفاصيل هي بالأصل ليست من صلاحياته. فالف باء ما تقوم عليه الأنظمة الطبيعية هو استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية مثلا. ولكن هنا نرى ان السلطة التنفيذية تقوم بسلطة التشريعات كذلك بغياب للمجلس التشريعي الذي يبدو لنا اليوم، ان وجوده كان مهما على الرغم من عدم تفعيله وانتهاء صلاحيته، لأنه منذ ان حله الرئيس في العام الماضي من اجل وعد لم يتحقق مرة أخرى بإجراء الانتخابات ويتفرد الرئيس بإصدار مرسومات تكاد تطال بكيفية حياتنا اليومية كذلك.
والحقيقة أن هذه العبارة لا يمكن ان تكون مبالغة، لأنه بالفعل هذا ما يجري، فاذا ما كان الرئيس يتحكم بالجهاز القضائي فهذا يعني أن أي قرار قضائي باي امر عادي قد يكون أمر البت فيه للرئيس، أو بالأحرى لمن نصبه الرئيس وكيلا للبت في هذه القرارات.
وهذا ما جرى بالقرار الأخير، المتعلق بالمجلس الانتقالي والذي يفترض أنه من خلال اسمه انتقالي، إلا أن ما جرى يؤكد على ثباته وانتقالنا نحن فقط إلى أين لا ندري طبعا، لأن هناك من يلعب بمصيرنا ويرمي بنا إلى هاوية لا قرار لها إلا قرارات الرئيس.
حيث أصدر الرئيس ثلاث قرارات: الأول قرار بقانون لتشكيل محاكم نظامية جديدة، والثاني قرار بإنشاء قضاء إداري مستقل على درجتين، والثالث قرار يتعلق بإدخال تعديلات على قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002م.
وفي ذات السياق أصدر الرئيس، قراراً بترقية عددٍ من قضاة البداية إلى قضاة استئناف.
كما أصدر، قراراً بإحالة ستة قضاة إلى التقاعد المبكر بناءً على تنسيب من مجلس القضاء الأعلى الانتقالي.
فعلى حسب المرسوم الرئاسي الجديد فإن الرئيس هو صاحب السيطرة على تعيين وانهاء خدمة رئيس مجلس القضاء الأعلى\ المحكمة العليا\ محكمة النقض.
ثلاث قرارات لها قوة القانون تتعلق بالشأن القضائي، تشمل تعديلات القرارات على صلاحيات مطلقة لرئيس مجلس القضاء الأعلى “الانتقالي” يستطيع من خلالها الإحالة للتقاعد والعزل والندب كيفما يشاء واستثناء شرط سن السبعين لمن يجب ان يكون في هذا المنصب لأن رئيس المجلس الحالي تجاوز الثمانين من عمره.
ما يجري هو إحالة قضاة الى التقاعد لم يتجاوز عمره الخمسين وحتى الأربعين لبعضهم، وإبقاء رئيس المجلس الذي تجاوز عمره الثمانين بوظيفته.
ألا تبدو هذه الكارثة أقرب إلى النكتة؟
إن التعديلات على قانون السلطة القضائية الأخيرة كما جاء على لسان القاضي أحمد الأشقر، الذي يبدو أنه أحيل إلى التقاعد المبكر كذلك- “أجهزت على ما تبقى من استقلال القضاء وتشكل مخالفة دستورية خطيرة تنسف النظام الدستوري برمته.” لأنه “لا يجوز تعديل قانون السلطة القضائية بقرار بقانون لكونه قانون أساسي ينظم سلطة دستورية توازي السلطات الأخرى”.
ربما هناك ما هو إيجابي بهذه الكارثة، هل يمكن أن يكون الرئيس جديا بإجراء انتخابات؟ وعليه يقوم بهذه التعديلات لكي يضمن سيرورة العملية الانتخابية لصالحه إذا ما شاء الله وحصلت؟
لأنه لا يمكن النظر إلى هذه التعديلات من خلال قرارات رئاسية بمعزل عن موضوع الانتخابات القادم.
الحقيقة في كل مرة أذكر فيها كلمة انتخابات، ترتد اصابعي وابتسم، واجد نفسي متسائلة، أيعقل؟
جعل الرئيس من الانتخابات حلما مستحيل الحدوث بالنسبة لنا، وبانتظارنا لمرسوم يحدد فيه موعد للانتخابات ليس الأول طبعا على مدار العشر سنوات الأخيرة، يضعنا مرة أخرى بشرك نتمسك به وننسى احتياجنا الأصلي لما نريد.
أصبحت الانتخابات وكأنها الغاية الأخيرة للإنسان الفلسطيني ونسينا بالفعل ماذا تعني لنا؟ ما الذي نريده من انتخابات يتنفذ فيها الرئيس بكل شيء.
ربما لو يخرج علينا الرئيس ويقول لنا بالفعل ما يريده منا لأعطيناه إياه بلا داعي لكل هذه الالتفافات التي تشد الخناق علينا وتشدها عليه. لأنه في كل مرة يتحول الى حاكم استبدادي يخشى بالفعل من كل شيء ومصاب بالهلع. بالسابق كان خوف الرئيس يبدو وكأنه مرتبط بأشخاص بعينهم، اشخاص ربما يتآمرون عليه بالفعل او لا، اشخاص ربما يشكلون تهديدا او منافسة- لا نعرف، ولكن اليوم يبدو وكأن خصام الرئيس معنا نحن الشعب. مشكلته لم تعد بفصيل يخشى ان يسيطر، او منشق من فصيله يخشى ان يسيطر كذلك. لأنه يبدو وكأنه يسيطر على كل ما يترك أي فرصة لمن يخشاهم، حتى صار الشعب بأكمله تحت دائرة الشك، وعليه حماية امكانياته منه.
وإلا كيف يمكن أن نفسر وضعه لمجلس القضاء بحضنه؟
لا أعرف بماذا يتمسك الرئيس ولم يعيش هذا الكم من الرعب من أي انسان يقترب منه، وعليه تبدو فكرة الانتخابات أكثر استحالة من قبل.
في السابق كان الرئيس يخشى أن تكسب حماس الانتخابات إذا ما حصلت، ومن ثم صارت خشيته فوز حماس بكفة وفوز الدحلان إذا ما فتح باب الانتخابات بكفة تحدي للرئيس، والآن يبدو أن هناك تحدي جديد تجاوز حماس والدحلان وصار تحديا يشكل تهديدا لأي انسان يمكن أن يخالفه الرأي. ولكن ما هو رأي الرئيس؟
ما الذي يريده الرئيس ولا نريده؟ ما الذي يخشاه منا ولا نراه؟
مع الأسف نحن جعلنا من الرئيس دكتاتورا بسكوتنا الذي أوصلنا إلى الخرس، وإذا ما صدر صوت اليوم فهو لا ينفع، لأن لا صوت للأخرس يمكن ان يعبر عنه، إلا ضجيج لا يفيد صاحبه ولا يفهم من يستمع اليه.
ولكن، لنعد للتحليل، ما الذي يريده الرئيس من هذه التعديلات؟ على الأقل نستطيع ان نقوم ببعض الضجيج، لأننا بالنهاية مجرد متلقين، الرئيس يصدر قرارات بتعيينات وإقالات، ولا يرى حاجة للتبرير لنا. فمن يسقط عنه الرضا بالإقالة يصمت إلى الأبد، لا احترامًا ولا رضا، ولكن مضطرا لأن محكمة الفساد اليت يتحكم كذلك بها الرئيس تنتظره بملفات فساد تفضحه.
الحقيقة أن طريقة الإقالات التي حدثت مؤخرا هي فضيحة تطال أصحابها من المعينين بقرار رئاسي، فرأينا كيف تم خلع النائب العام من منصبه كمن يخلع ضرسا ويرميه.
على كل، يبدو لنا- ولغاية أن يصدر المرسوم الرئاسي بإجراء انتخابات، طبعا لا نعرف متى ستحدد، أن هناك ضغطا حقيقيا ربما على الرئيس بموضوع الانتخابات، يعني إسرائيل تدخل الانتخابات للمرة الرابعة خلال أقل من سنتين، وأمريكا انتهت من انتخاباتها وتبدل رئيسها، وحماس وافقت على الانتخابات، والعرب كلهم صاروا بجيوب إسرائيل، والأخوة الأعداء في محيطنا تصالحوا، ونحن لا نزال ننتظر مرسوم رئاسة يقر بانتخابات.
طبعا، سنسمع عن اشتراط الرئيس لموافقة إسرائيل بإجراء الانتخابات بالقدس كذلك. واظن إسرائيل هذه المرة ستفشل مخططات الرئيس لأجل متعتها وستوافق، لنتفاجأ ربما بعزوف أهل القدس عن الانتخابات، فمن يريد أن يكون جزء من سلطة كهذه في القدس اليوم في ظل هكذا ظروف صارت إسرائيل تبدو وكأنها احتلال انقاذي!
يبدو وكأن الرئيس يستعد كذلك لاحتمال أن توافق إسرائيل وعليه أن يحمي نفسه من مغبة أي احتمال لا يصب بما يريده هو بكل تفاصيله، وعليه تكون السيطرة على القضاء هي سيطرة الرئيس المحكمة على ما سيجري أن جرت انتخابات.
وعليه، كيف يمكن أن يكون هناك انتخابات في ظل نظام قضائي غير مستقل مرتبط بالرئيس شخصيا؟، هل سيقف الرئيس ويتحدى العالم مؤكدا نزاهة الانتخابات كما يؤكد خلو سلطته من الفساد؟
أذكر عندما جلس الرئيس محمود عباس على كرسي السلطة، كان يبدو وأنه انسانا براجماتياً يريد أن يؤسس لدولة مؤسسات، خصوصا بعد الرئيس السابق عرفات الذي تعامل مع مفهوم الدولة وكأنه دكان- هكذا بدا لنا الفرق بين الاثنين حينها-
اليوم وبعد أكثر من عشر سنوات- لم نعد نحسب بالحقيقية- يبدو الواقع هو واقع الدكاكين لا المؤسسات. وما ظنناه تقصيرا بطريقة عرفات يبدو اليوم تقدميا إذا ما نظرنا لما يجري حولنا.
أقولها وبكل صدق، أن ما يجري مع الرئيس الفلسطيني مؤسف. مؤسف بحقه وبحقنا، لا أعرف وبكل جدية أن كان لديه مشكلة معنا كشعب.
مع أنه لن يصادف شعبا أكثر تقبلا وتسامحا منا، ولكنه مصر على ضرب الركب وكأننا كل ما تحملنا أكثر كلما استطاع أن يضرب أكثر هل يريد سلطة بلا شعب؟
لعل التفسير الذي يقدمه المحامي الدكتور عصام عابدين بهذا الصدد يؤكد على ارتباط ما صدر من مراسيم رئاسية بهذه التعديلات بموضوع الانتخابات، حيث إن: ” محكمة قضايا الانتخابات المختصة بالطعون الانتخابية بموجب قرار بقانون الانتخابات العامة 2007 يتم تشكيها بمرسوم رئاسي بتنسيب من مجلس القضاء الأعلى الذي بات مسيطراً عليه بالكامل كما القضاة والقضاء من قبل رئيسه التابع تبعية كاملة للسلطة التنفيذية بموجب تلك القرارات بقانون التي أجهزت على القضاء الفلسطيني بشكل كامل.
والقرارات التي تصدر عن السلطة التنفيذية، في مسار العملية الانتخابية، غير المرتبطة بالطعون الانتخابية، والقرارات التي تصدر في المرحلة القادمة واستحقاقاتها باتت من اختصاص القضاء الإداري الجديد الذي دخل حيز التنفيذ اعتباراً من اليوم فور نشر قرار بقانون المحاكم الإدارية في الجريدة الرسمية وإلغاء الباب الخاص بمحكمة العدل العليا، القضاء الإداري الجديد المسيطر عليه بالكامل من السلطة التنفيذية. كما أن الجرائم الانتخابية هي من اختصاص القضاء العادي المسيطر عليه من قبل رئيس مجلس القضاء التابع للسلطة التنفيذية بموجب تعديلات اليوم على قانون السلطة القضائية التي نُشرت في الجريدة الرسمية.”
يعتبر الدكتور عصام عابدين أن ما جرى: “خيانة للدستور والعقد الاجتماعي وسيادة القانون وإرادة الناس مصدر السلطات، تمت بسرية كاملة ومطلقة، وأيُ خيانة! ما جرى اليوم خيانة للدستور، قضت نهائياً على القضاء الفلسطيني، وبات تابعاً بالكامل للسلطة التنفيذية وأجهزتها وأعوانها، إنه استكمالٌ للمجزرة الرهيبة التي جرت في القضاء الفلسطيني منذ تشكيل المجلس الانتقالي وعزل ربع القضاة الفلسطينيين، إنها ذات البصمات الغادرة التي اشترك فيها المستشار القانوني للرئيس ورئيس المجلس الانتقالي وبعض الأزلام في التعليم الجامعي القانوني والمجتمع المدني ومَن شارك وتواطأ بصمته على تلك الفظائع التي قضت على القضاء الفلسطيني على رؤوس الأشهاد. إنَّ نزاهة الانتخابات العامة مرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة باستقلال السلطة القضائية. إنها طعنة سوداء قاتلة للقضاء الفلسطيني والانتخابات العامة وسيادة القانون في آن معاً لا محالة. اللهمَّ إنّي بلّغت اللهمَّ فاشهد.