شبكة قدس الإخبارية

هل تعرفون "بركة السلطان"؟ إليكم قصة الإرث المملوكي بالخليل

88
خلود الملاح

الخليل- خاص قُدس الإخبارية: في وسط مدينة الخليل تتوسد "بركة السلطان" وتحديداً إلى الجنوب الغربي من المسجد الإبراهيمي الشريف، بعمق 22 قدماً تقريباً، وبمساحة 133 قدماً مربعاً، وقد بنيت بحجارة منتقاة مصقولة، واتخذت الشكل المربع.

وتحيط بها عدة حواري تاريخية، "حارة قيطون من الجنوب، حارة المشارقة الفوقا من الشمال، ومن الغرب تل الرميدة، ومن الشرق حارة المشارقة التحتا".

تعدُ هذه البركة من الإرث المملوكي في الخليل فبانيها هو السلطان سيف الدين قلاوون الألفي وذلك بعام (682هـ/ 1282م) ، ويعد هذا السلطان السابع من سلاطين الدولة المملوكية، حكم في الفترة بين (678-689هـ) (1279-1290م)، وقد واجه في فترة حكمه غزوات التتار والصليبيين، فخلص الكثير من البلاد من هذين الغزوين، عدا عن جهوده الجهادية فقد عمّر عدة إنشاءات في الخليل، وعلى رأسها عمارة الرباط المنصوري، وعمارة البيمارستان المنصوري.

كما قام بإعمار أحد أبواب الإبراهيمي الشريف، بالإضافة إلى قيامه برصد جزية أهل الذمة بالقدس، والخليل، وبيت لحم وبيت جالا لعمارة "بركة السلطان" موضع حديثنا.

كان هدف السلطان سيف الدين من بناء هذه البركة؛ هو سقاية الزوار القادمين من بلاد الشام، وشمال فلسطين، لزيادة الإبراهيمي، بالإضافة إلى أنها كانت تسهم –أيضاً- في سقاية جند المسلمين المدافعين عن الأرض المباركة من هجمات التتار والصليبيين.

وقد كانت هذه البركة مركزاً لتجمع مياه الأمطار فيها؛ وذلك لأنها تقع تحديداً في مصب مياه وادي الخليل والذي يستمر متجهاً إلى غزة و"عين جدي".

ماذا حدث فيه؟

حال هذا الإرث التاريخي لم يبقَ منتعشاً لفترة طويلة؛ فقد أهملت بفترة الاحتلال البريطاني، فلم تهتم بإعمارها أو ترميمها، ولما أصبحت هذه البركة من ممتلكات دائرة الأوقاف الإسلامية، ارتأت (بعد حالات غرق كثيرة فيها، وتجمع لحشرات البعوض، وانبعاث الروائح الكريهة) إلى ضرورة تفريغها من المياه، وتجفيفها، وإغلاق القنوات المؤدية إليها، وتم ذلك تقريباً في نهاية القرن الماضي، ورفض إقامة أي مشروع عليها حفاظاً على التراث الإسلامي والتاريخي.

بركة السلطان بعد تجفيفها من قبل الأوقاف الإسلامية

وكالعادة فإن سلطات الاحتلال منذ احتلالها الضفة عام 1967م وهي تتحين الفرص دائماً، فبعد عملية الدبويا الفدائية عام 1984م، والتي قُتل فيها ستة مستوطنين؛ سيطروا على الكثير من المعالم الأثرية والدينية بالبلدة القديمة في الخليل، مدعين أنها من بقايا حارتهم التي كانوا يسكنونها في الفترة العثمانية! ومن هذه المعالم كانت "بركة السلطان" و"التكية القديمة"، هذا عدا عن سيطرتها على المسجد الإبراهيمي، وتحويل الجزء الأكبر منه لليهود، ولم تكتفِ بذلك بل عملت جاهدة على إغلاق مناطق داخل البلدة القديمة وعدم السماح للفلسطينيين بدخولها، واستغلت مجزرة الإبراهيمي عام 1994م، فبثت سيطرتها على أسواق وأحياء البلدة القديمة المحيطة "ببركة السلطان"، وغدت المنطقة منطقة عسكرية أمنية مغلفة.

ولكن المصيبة أكبر! فقد أصبح هذا الأثر التاريخي وللأسف الشديد مكباً للنفايات ومستقراً للمياه العادمة القادمة من الحي الاستيطاني المتمركز بقلب المدينة المباركة.

غابت شمس التاريخ عن "بركة السلطان"، وأصبحت متوارية وراء ستار التاريخ، فبعد أن كانت محطة استراحة للقادمين والزوار، يجلسون على أطرافها، يستريحون، ويشربون منها ماءً زلالاً، ويغسلون تعب يومهم عن أياديهم ووجوههم، ويسقون جمالهم ومواشيهم، غدت الآن تفوح منها رائحة الحقد الاستيطاني، وتنبت فيها براثن الاحتلال، فما لها إلا أن تستنجد من التاريخ لينصفها!

المصادر:

• المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك/ جزء 1/ قسم 2، 1997م.

• مجير الدين العليمي، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل/ جزء 2، 1999م.

• مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين/ الجزء 5/ قسم 2.

• المركز الفلسطيني للإعلام.

• بلدية الخليل.