فقدان آثار طفلٍ في أي مكانٍ من العالم، يفتح الباب أمام تساؤلات معدودة على الأصابع والتكهنات تكاد محصورة، إلا في القدس المحتلة التي تعيش وضعًا استثنائيًا بحكم معاناة أطفالها الأمَريْن، ورغم تعدد السيناريوهات إلا أن قصة الشهيد الطفل محمد أبو خضير قفزت لذهن كل فلسطيني ومقدسي، رغم أن "لا شيء مؤكد ولا وجود لطرف خيط لمصير الطفل أبو ارميلة" وفقًا لمحافظ القدس عدنان غيث.

قيس أبو ارميلة القاطن في بلدة بيت حنينا شمال القدس المحتلة، ذو الثامنة ربيعًا، خرج من منزله نحو الساعة الرابعة مساء نحو بقّالة، لكنه لم يعد.

"ع الندهة".. هذا هو أبسط وصفٍ لنخوة الأهالي للبحث عن مصير الطفل أبو ارميلة. نفيرٌ عامٌ عاشته القدس المحتلة خلال دقائق، وآلاف الشبّان الفلسطينيين لم ينتظروا شرطة الاحتلال، تمامًا كما اعتادوا، فهم أهل الأرض ويفرضون واقعهم كأصحاب حق، سواء عندما يتعلق الأمر بالدخول للمسجد الأقصى -معركة البوابات- أو حتى عندما يتعلق بقضية مجتمعية ومسؤولية أهلية.

عمليات البحث عن الطفل المفقود تعكس تكاتف الأهالي وحرارة الروح الواحدة، فبلدة بيت حنينا شمالًا وصلها الشبّان من كل حدب وصوب، شرقًا وجنوبًا وغربا.

شبّان يضغطون على شرطة الاحتلال لتبدي جدية أكبر، فتندلع مواجهات وتخلف إصابات، أما المستعربون فلم يقضوا "عطلة سبتهم" بل انسلّوا بين جموع الغاضبين واختطفوا شبّاناً فلسطينيين أيضًا.. الرقم (23) هو عدد الإصابات خلال المواجهات مع الاحتلال في ببيت حنينا.

لا يوجد طرف خيط ومصير الطفل مجهول حتى الآن والوضع ضبابي، لكن صورة أخرى من المشهد ليست ضبابية في القدس، إنه صراع الإرادات والاعتماد على الذات الفلسطينية وفرض الوقائع على الأرض.

هو صراعٌ، بين أن تلتزم بيتك بحكم أنك "تحت حكم الاحتلال" أو أن تتمرد وتبحث عن الإجابات وحدك، صراعٌ بين التسليم بحجة "القضاء والقدر" و"لا علاقة لي" و"الله يرجعه سالم" من جهة، وبين "كلنا واحد"، "نحن الشعب ونحن فلسطين ونحن شرطة الشعب والشرطة ينبغي أن تكون حقًا في خدمة الشعب"!.

إن بحث شرطة الاحتلال عن الطفل المفقود ليست منّة منها، بل هي مسؤوليتها طالما أنها "تقول وتشور بالقانون"، وأيضًا ينبع من التخوف الموجود حول سيناريو الطفل أبو خضير، فليس من مصلحة الاحتلال أن تتكرر مثل هذه الحادثة، فهي تأريخٌ كان لها ما قبلها وما بعدها عام 2014، والمقصود الهبّة الجماهيرية الغاضبة.

من كل حدب وصوب قَدِم الشبّان، بعضهم درجة غليان النخوة في عروقه كانت أكثر حرارة من درجة برودة الطقس، فغطسوا في المياه وبحثوا عُراة الجسد ولم يأبهوا بشيء.

التكبيرات أصبحت تفرض واقعًا، فهي تصلح لكل شيء بالعاصمة الفلسطينية المحتلة وأكنافها، "الله أكبر" هو الهتاف عند البحث عن طفلٍ مفقود!، لماذا؟!.

في القدس يتحول كل شيء لرباط، فالوجود في هذه "الجوهرة اللغز" بحد ذاته رباط، فليس غريبًا أن يتحول البحث خلف مصير طفلٍ مفقود إلى "فجرٍ عظيمٍ" آخر، إذ أدّى المصلّون فجرهم قرب منزل الطفل وفي محيط مكان اختفائه آخر مرة!، للقدس لغزٌ لا يفهمه سوى أهلها في كل مكان، وأهلها كل عشّاقها الشغوفين بها.

ختامًا، كل الأمنيات والدعوات للطفل أبو ارميلة أن يرده الله لأهله سالمًا.