أمام مقر الرئاسة أو المقاطعة كما نعرفها هناك حديقة مزروعة بالسرو، العشرات من أشجار السرو موزعة في الإتجاهات الأربعة للحديقة بنظام وجمال، إن حدث ودققت النظر يوما في سروات المقاطعة وأنت على الجانب الأخر من الشارع سترى جميع أشجار السرو بلا رأس.
لقد تم قص رأسها حتى لا تكبر، كل المطلوب من هذه الشجرات أن تملأ المكان وتقوم بمهمة الشجر الجمالية المعروفة منذ الأزل، لكن بشروط ..ممنوع لهذا الشجرات أن تكبر ممنوع أن يكون لها رؤوس، لذلك فإنها تكبر كيفما تريد . مش مهم ...المهم أن لا تكبر ليكون لها رأس ويرتفع هذا الرأس نحو السماء
في كل مرة أمر من هناك مشيا أو من شباك السيارة أراقب الشجرات المقطوعة الرأس لكنها ما زالت على قيد الحياة ..إنها تشبهنا إلى حد كبير من جهة يجب أن نعيش ونقوم بمهماتنا الحياتية والبيولوجية ونكون رقما مهما عند الحديث عن التسويات السياسية مع الاحتلال أو المساعدات الاقتصادية من العالم لكن الأهم يجب أن نعيش بلا رأس
مطلوب أن نكون شعب لنبرر وجود قيادة وسلطة وأجهزة أمن ورواتب ومساعدات وعضو في مجموعة الصين وال77 ..اه والله .. بس كأفراد بلا رأس ..لا تتحدث عن حرية التعبير والنشر والصحافة .. لا تنشر المظالم الفردية التي تنتشر هنا وهناك مثل صرخات استغاثة لسفينة تغرق أستاذة تحمل الماجستير في اللغة الانجليزية تحرق شهاداتها بعد أن تم إحالتها للتقاعد القسري وهي في عقدها الثالث لأنها شاركت يوما في حراك المعلمين المطلبي.. إبنة مفجوعة بأم توفت إثر نوبة ذعر وهاي هي تستغيث بدولة شقيقة تحمل الأم جنسيتها وتقولها عبر الفيديو"لا أثق بكم"
عندما تكون بلا رأس فأنت لاتتحدث عن دولة عميقة بلا دولة ..ولا عن أمن يراقب كل شيء .. ولا عن ضابط أمن يضع قوانين سيعاني منها أبناؤنا الذين سيولدون أيضا بلا رؤوس... ولا عن وظائف تم هندستها وانتخابات نقابية تم دوزنتها ولا انتخابات مجلس وطني وتشريعية ورئاسية .ولا إصلاح حقيقي لمنظمة التحرير .. ولا عن قرارات بقانون ترسخ الديكتاتورية ...ولا عن طبقة سياسية واقتصادية منتفعة من الاحتلال، ولا أحزاب أصبحت مثل الدمل على الوجه ..يجب أن تبقى بلا رأس حتى ما توجع رأس السلطة ... تتنفس تقوم بالعمليات البيولوجية ويتم احتسابنا أرقامًا لتبرر وجود السلطة بالضبط مثل سرو المقاطعة.