العيسوية دائماً كانت تكون في قلب الحدث، وهي بكل مكوناتها ومركباتها الوطنية السياسية والمجتمعية والشعبية، لم تنزل عن جبل أحد، ولسان حالها يقول هذا زمن المغارم لا زمن المغانم، ولذلك كانت دوماً عرضة لكل أشكال العقوبات من قبل أجهزة الاحتلال الأمنية والمدنية، جيش وشرطة ومخابرات ينكلون بالمواطنين ويتفننون في قمعهم واذلالهم، عقوبات جماعية، إغلاقات متكررة لمدخل البلدة بالمكعبات الاسمنتية، عمليات دهم وتفتيش واعتقالات، وإطلاق للرصاص الحي والمطاطي والقنابل المسيلة للدموع والقنابل الصوتية، ومنع أي نشاط او فعالية مهما كبرت أو صغرت، حتى لو كانت مخيم صيفي، أو افتتاح ملعب وليس استقبال أسير محرر من سجون الاحتلال.
وبلدية الاحتلال حاضرة دائماً وبشكل شبه يومي في تحرير مخالفات البناء تحت حجج وذرائع البناء غير المرخص وأوامر الهدم والقيام بعمليات الهدم لبيوت ومنشآت أهالي العيسوية وتجريف أرضهم، ومصادرة حتى حيواناتهم، ودائرة معارف إسرائيلية وبلدية لا توفران الغرف الصفية لطلبة العيسوية، وتسعيان إلى أسرلة المنهاج الفلسطيني في مدارسها، والهدف واضح " تطويع" و"صهر" وعي طلبتها، وتفريغهم من محتواهم الوطني والنضالي.
العيسوية كباقى القرى المقدسية، الاحتلال وبلديته وداخليته، رفضوا إقرار مخطط هيكلي للبلدة يتلاءم واحتياجات السكان، ويصرون على محاصرتها بالمستوطنات، ويصادرون أراضيها من أجل ما يسمى بالحدائق الوطنية " التلمودية" لمنع تمددها الجغرافي، ولذلك الضائقة السكنية وعدم وجود أراضي للبناء تدفع بسكان العيسوية للبناء غير المرخص، من اجل إسكان أبنائهم كنتيجة للزيادة الطبيعية للسكان، وتلك الأبنية تكون بلدية الاحتلال ووزارة الداخلية، حاضرة لها بالمرصاد، إما بالهدم في المراحل الأولى من البناء، أو فرض غرامات باهظة على البناء غير المرخص بعد بنائه، ومن ثم دورة من الذل والمهانة لصاحب البيت في المحاكم الإسرائيلية تمتد لعدة سنوات أقلها خمس سنوات، وتصل أحياناً إلى خمسة عشر عاماً، وما يتكبده من خسائر كبيرة مصاريف للمحامين والمهندسين والمساحين، من بعد ذلك غرامات باهظة على البناء.
وفي أغلب الأحيان، لا يستطيع الإنسان المقدسي ترخيص ما بناه وبالتالي يكون مصير ما بناه إما قيام جرافات وبلدوزرات الاحتلال بعملية هدم البيت، وتحميل صاحب البيت تكاليف عملية الهدم (60 – 80 ) ألف شيكل، أو إجبار الإنسان المقدسي على هدم بيته بيديه، وهنا قمة الإذلال وامتهان الكرامة.
العيسوية وجبل المكبر ومخيم شعفاط والبلدة القديمة وسلوان من أكثر الأحياء المقدسية التي تعرضت لعقوبات جماعية، والاحتلال سعى إلى كسر إرادة سكانها وتحطيم معنوياتهم عبر أشكال عقابية متنوعة ومتعددة، وبسبب هذا الصداع الدائم من تلك البلدات والأحياء، طرح قادة أمنيون وعسكريون حاليون ومتقاعدون ووزراء وأعضاء كنيست، فكرة الانفصال عن أحياء كالعيسوية وجبل المكبر ومخيم شعفاط وصور باهر ، ووضعهم في جيتوهات مغلقة يتحكم الاحتلال في مداخلها ومخارجها، بحيث لا يكونوا ضمن مسؤولية السلطة أو جزء من المناطق التابعة لبلدية الاحتلال بلدية " القدس".
سكان بلدة العيسوية في ظل حالة القمع والتنكيل المتواصلة بحقهم من قبل أجهزة الاحتلال المدنية والأمنية " طفح بهم الكيل"، ولذلك لم يكن أمامهم أي خيار سوى الصمود والمقاومة ولذلك هم انتفضوا في وجه الاحتلال وكانت انتفاضتهم متزامنة مع عقد ورشة البحرين الاقتصادية، المستهدفة تصفية القضية الفلسطينية ومرتكزات مشروعها الوطني وفي المقدمة منه القدس ولذلك جاءت هبة وانتفاضة أهل العيسوية، لكي تعبر عن الرفض المقدسي لما يجري في البحرين من تطاول على حقوق شعبنا وقضيتنا الفلسطينية حيث تجري عملية تصفية القضية بمشاركة عربية وأموال عربية ولعله من الهام جداً القول إنه لأول مرة في التاريخ يتم دفع أموال إلى من قام بسرقة الأرض لكي يحتفظ بهذه الأرض.
العيسوية قالت لا لورشة البحرين الاقتصادية كأداة لصفقة القرن التصفوية، وهي لم تكتف بمعارضة تلك الصفقة قولاً، بل أتبعت ذلك بالفعل عبر مواجهة مع الاحتلال مستمرة ومتواصلة، دفعت فيها الشهيد الأسير المحرر محمد سمير عبيد، وعشرات الجرحى والعديد من الأسرى، وهي ترسل رسائلها للمحتل، بأنه مهما قمعتم ونكلتم ومارستم عقوباتكم الجماعية فالعيسوية لن تركع ولن ترفع الراية البيضاء.
وكذلك هي ترسل رسائل إلى القزم الصحفي السعودي فهد الشمري وأمثاله من المرتزقة والمأجورين والمنهارين ومن تسيطر على عقولهم ثقافة استدخال الهزائم و"الاستنعاج" من قادة النظام الرسمي العربي المتعفن بأن القدس لن تتلقح بغير العربية والأقصى لن يكون معبداً يهودياً وشعبنا لديه من العزة والكرامة ما يكفي لكي يوزعها على كل دول العالم وهو لم يكن متسولاً أو " شحاداً" في يوم من الأيام فشعبنا له الفضل الكثير، رغم كل ما حل به من نكبات، في تطور ونهضة دول الخليج وتعليم أبنائها ونحن لا نمن على أحد، ونعرف بأن الشمري وأمثاله من المرتزقة ليسوا القدوة والأنموذج والمثال على شعبنا العربي في الخليج.
ففي الوقت الذي ارتضت فيه بعض المشيخات الخليجية أن تصطف خلف" إمامة" ترامب وأن يواصل" استحلابها" المالي تحت حجج وذرائع حمايتها من عدو افتراضي" البعبع" الإيراني، وجدنا بأن هناك دولاً خليجية، وقفت مواقف مشرفة، مواقف عزة وكرامة.
وقالت لن نطبع علاقتنا مع دولة الاحتلال على حساب حقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية نعم نحن نعتز ونفخر بدولة الكويت قيادة وبرلماناً وشعباً عل مواقفهم المشرفة بعدم حضور ورشة البحرين الاقتصادية لتصفية قضيتنا الفلسطينية، قضية العرب والمسلمين الأولى.
الاحتلال يمارس كل اشكال البلطجة والزعرنة بحق شعبنا الفلسطيني عامة وشعبنا واهلنا في مدينة القدس خاصة، مسكوناً بنظرية العرق الآري "التفوق العرقي"، معتقداً بأن عطايا المتصهين ترامب بنقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدس والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال، توفر له الفرصة المواتية لاستثمار ذلك سياسياً، بطرد وترحيل شعبنا قسراً من مدينة القدس.
ولذلك نحن نشهد " مجزرة" بحق الحجر الفلسطيني على طول وعرض مدينة القدس، في واد الحمص وواد يا صول واحياء البستان ووادي الربابة وبطن الهوى في سلوان وكبانية ام هارون وكرم الجاعوني في الشيخ جراح..الخ.
نتنياهو وجوقة المتطرفين معه مع كل مكونات ومركبات الطيف السياسي الصهيوني من اليمين الديني والعلماني، يعتقدون واهمين بأن المقدسي الذي لا يخضع بالقوة، يخضع بالمزيد منها، وفي قاموسهم لا يوجد هناك شعب فلسطيني، بل تجمعات سكانية، هكذا وصفنا مهندس ورشة البحرين الاقتصادية المتصهين كوشنر، الناس في غزة، الناس في الضفة الغربية، وكأننا لسنا شعب، بل مجرد أرقام بدون أسماء او أرقام هوية.
على نتنياهو وجوقة الرداحين معه من قوى اليمين الصهيوني المتطرف، أن يدركوا بأننا لن نكون هنوداً حمر ولن نتبخر او نختفي، وصغارنا لن ينسون، مهما كانت المرحلة رديئة و"حراشية"، وها هي العيسوية بصمودها ونضالاتها تعيد اتجاه البوصلة لكل العرب والمسلمين، بأنها القدس ولا شيء آخر غير القدس.