شبكة قدس الإخبارية

حِراك الترنس يجمعنا

05io0
محمد حامد العيلة

قبل كل شيء يجب التأكيد على أن لكل مواطن فلسطيني الحق في التعبير عن رأيه بالوسيلة السلمية التي يراها، بغض النظر عن خلفيته السياسية أو المسافة التي يقفها من أي سلطة حاكمة، وفلسطين التي نقاتل لأجلها نريد أن تتسع للجميع، للحاكم والمحكوم، ولا نريدها أن تضيق إلا على المحتل.

ظهر حِراك (الترنس يجمعنا) في ظل حالة يأس شعبية وغياب للأمل وتردي مستمر للأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، ويأتي كتراكم لتجربة تظاهرات سابقة شهدها مخيم جباليا، وأخرى داخل القطاع، و موجّه بشكل أساسي ضد إدارة حركة حماس للقطاع، لكن أسوء آثار هذا الحراك حالة الاستقطاب الشعبي داخل المجتمع، وانقسام الشعب بين موالاة ومعارضة، في حين أن المتظاهرين وأنصار حركة حماس يقع عليهم ذات المقدار من شظف العيش، وأنهم متفقين على مطالب الحراك، لكن الإختلاف على من يُوجَّه اللوم.

فالمطالبين بالحراك لديهم مطالب اقتصادية-اجتماعية محددة، ويعتقدون بأن حركة حماس هي المتسبب الأول في مأساتهم، في حين لا يوجد لديهم رفض لبرنامج حماس السياسي القائم على المقاومة والدين. ولدى أغلب الجموع الشعبية المتوقع خروجها تجربة سابقة اكتسبت منها وعي واهتزاز للحاجز النفسي الذي يمنعهم الخروج للشارع، إضافة إلى أن الحراك الحالي ينطلق من مبدأ إمكانية الإصلاح وضرورته. وشريحة أضيق من الجموع ترى أن على الحركة تسليم قطاع غزّة لأي سلطة قادرة على تلبية المتطلبات المعيشية.

في المقابل، لدى أنصار حركة حماس رفض تام للحراك، ويقع على رأس الأسباب الدافعة لهذا الرفض وجود قناعة متينة لديهم بأن حماس ضحية وليست المتسببة في تردى الأوضاع الإنسانية في غزة، وأن المتسبب المباشر هم مثلث الحصار -الإحتلال والسلطة ومصر-
ويعزز هذه القناعة عقوبات عبّاس الجائرة التي أجهزت على بقية الحياة في غزة، واعتبارها عقوبات صريحة جاهر بها عبّاس وعدد من أعضاء مركزية فتح، كما أنها تأتي بعد سلسلة طويلة من العقبات التي كانت تضعها السلطة أمام إدارة غزّة دون أن تعترف بالوقوف خلفها؛ وعليه يرون أن الخروج ضد قيادة السلطة الفلسطينية أولى.

إضافة إلى أن الدافع وراء فكرة فرض العقوبات على قطاع غزة هي تثوير المواطنين وفقًا لعدد من قيادات فتح، وهذا في الوعي الجمعي لدى أنصار حماس منطلق شرعي لضرب شرعية أي حراك. وبالرغم من أن عنوان الحراك "ضد الضرائب وغلاء الأسعار" فإن أنصار حركة حماس يرونه إعادة لإستنتساخ تظاهرات سابقة خرجت ضد حكم الحركة، والعنوان الحالي يهدف لإستقطاب أوسع شريحة من المواطنين.

وهنا يلفت انتباهي، أن النظم السلطوية في الشرق الأوسط تثير فزّاعة الحرب الأهلية في سوريا لوأد أي حراك شعبي يخرج ضدها لتضرب شرعيته، في المقابل يقع الإسلاميين في مقاربة مشابهة متمثلة في فزّاعة "عزل مرسي"، المرتبطة بالتعامل الناعم مع المعارضة السياسية. والمثير أن قواعد الحركات الاسلامية والقيادات المتوسطة فيها هي من تثيرها، ويسود بينها القلق بدرجة أكبر من الصف القيادي، وتلعب دورًا في دفع القيادة إلى اتخاذ خطوات أكثر خشونة. وبرأيي أن حركة حماس في ظل شعبيتها وشرعيتها الثورية، وبنيتها التنظيمية ونفوذها في قطاع غزة؛ يجعل حراك الشارع بعيد عن أي تهديد وجودي لها.

في الختام،، طالما هنالك مظلومية ودافعيّة للثورة فخروج الناس مسألة حتمية، والحكمة القائمة على الاستماع للجماهير أولى من أي تعامل خشن مع المواطنين، فجميعنا مظلومين.