شبكة قدس الإخبارية

من موسكو إلى وارسو.. استخدامات أم خدمات؟

mm-20
رضوان الأخرس

حدثني باحث أفغاني عن مؤتمر جمع قادة أفغانستان من الحكومة والأحزاب، في إحدى الدول، وكان موجوداً لغرض الترجمة بحكم أنه يتكلم عدة لغات، وقد ثار فضوله بعد انتهاء الاجتماع، وعدم شعوره بمخرجات حقيقية ذات قيمة له، فذهب يبحث عن الغاية من المؤتمر ويسأل القائمين عليه عن أهدافهم وغاياتهم منه وسبب دعوتهم لقادة أفغانستان!

حتى وصل لشخص من المنظمين للمؤتمر، وشعر بأن عنده السر، وبعد إلحاح أخبره بالحقيقة وقال له: أنا من جمع هؤلاء القادة هنا، فسأله الباحث الأفغاني: وما غايتك من ذلك؟، قال: هل صدقت بأننا نريد أن نحل المشاكل الأفغانية؟!، الموضوع باختصار هو أنه لدي بحث ما حول القضية الأفغانية، وبدل أن أقابل هذه الشخصيات كل على حدة، ويستغرق مني الأمر شهوراً في التنسيق والمتابعة لجمع الأقوال والأفكار والخلاصات حول القضية، جمعتهم هنا ووضعت ضمن أوراق وحلقات النقاش التي ستجري موضوعات ونقاط المشكلة البحثية، فسأل الباحث عن التكلفة وأجابه المنظم بأن هناك من يتكفل بها!

بغض النظر عن طبيعة البحث هنا إن كان علمياً أكاديمياً أم أمنياً، تقف وراءه جامعة أو وزارة الثقافة أم الخارجية أم الداخلية، إلا أنه أمر طبيعي ومتوقع فالدول تنفق الكثير من الأموال من أجل الحصول على المعلومات أو الوصول إلى دراسات حقيقية تستعرض الواقع وتستشرف المستقبل بما يساعدها في اتخاذ القرارات، وهذا للأسف مفقود إلى حد كبير في الدول العربية والإسلامية، لذلك ربما يجهل بعض القادة أنهم أحيانا مجرد مشاركين في حلقات وبرامج تخدم الدول التي تستضيفهم أكثر من أي شيء آخر.

قبل أيام كانت وفود الفصائل الفلسطينية في موسكو، اجتمعوا وتناقشوا هناك، بعض الناس رفع سقف توقعاته من تلك اللقاءات دون أن يعلم بأن الدعوة للفصائل جاءت بالأساس من مركز دراسات يتبع للدولة الروسية، لذلك لا أظن أن خلاصة الغاية الروسية منه تختلف عن الغاية التي حددها منظمو «المؤتمر الأفغاني».

لكن الإشكالية تبقى في مدى فهم القيادات لخطواتهم ومساعيهم، كما لا ينبغي ولا يليق أن يتعاملوا مع أنفسهم كما لو كانوا مجرد ناشطين في مجالات ثقافية أو فكرية أو باحثين دورهم الإدلاء بآرائهم ومقترحاتهم، دون السعي لإيجاد حلول حقيقية، ثم لماذا لا يصارحون شعوبهم بطبيعة لقاءاتهم واجتماعاتهم، خصوصاً تلك التي يعول عليها؟ حتى لا يرفع الناس سقف توقعاتهم!

الأمر أكثر فداحة في وارسو مع وجود (قادة وزعماء) تقاسموا الخبز مع نتنياهو الذي يجوع الأطفال في غزة ويقتل ويعذب إخوانهم الفلسطينيين، وينتهك مقدساتهم في فلسطين، ويستمر في سلب الأرض العربية والإسلامية، وكان لافتاً هذه المرة حرص الاحتلال على إظهار هذه اللقاءات وإبرازها للعلن، حتى أنه لا يجد غضاضة في إخراج هؤلاء المسؤولين العرب بصور فيها إساءات واضحة، كالتقاط الصور لهم وهم يدخلون إلى نتنياهو من مرفأ السيارات في بهو الفندق. 

لا شك أن الاحتلال مستفيد ويستخدم هذه الصور التي تجمعه بالزعامات العربية لتمرير مشاريعه وإظهار تفوقه وعمق علاقاته، في حين تشهد القضية الفلسطينية فتوراً في الاهتمام وتهميشاً، إلا أنه لا يغيب عن الحسابات أنه قد يكون من هذا الاجتماع هدف خاص بعيد عن كل الحسابات الدولية والإقليمية المعقدة، يتعلق بشخص نتنياهو، وأنه يستخدم مثل هذه النشاطات والصور لتعزيز موقعه وحضوره في الانتخابات القادمة بدعم من إدارة ترمب.