"من هم الدروز؟ هل فيهم الوطنيون الفلسطينيون المنتمون لهذه القضية؟ أم يصدق فيهم كلهم التنميط على أنهم يخدمون في جيش الاحتلال؟" اسئلة تبدو بديهية لمن تربى ولا يعرف عن الدروز إلا هذه الصورة النمطية "للخائن".
في محاولة لنفض الغبار عن هذه الصورة، وعرض الصورة المعاكسة لها، وإبراز التاريخ النضالي للفلسطينيين الدروز، نظمت مجموعة "ندوات فلسطينية" يوم الثلاثاء الماضي ندوة استضافت فيها المحامي يامن زيدان من قرية بيت جن الدرزية للحديث عن ذلك.
المحامي يامن، تربى كما قال "بين الأعلام الإسرائيلية والدرزية"، كل ما يعرفه عن نفسه في ذلك الحين، أنه درزي، لم يعرف "العروبة" أو "الانتماء الفلسطيني". جلّ طموحه أن يكبر ويصبح إما مثل والده شرطياً في شرطة الاحتلال، أو جندياً في جيش الاحتلال مثل أخويه اللذين قضيا في حروب "إسرائيل" ضدّ العرب.
تحدث يامن باختصار عن نشأة مذهب التوحيد "الدرزي" وعن رسائل الحكمة التي يقدسها الدروز وهي تفسيرات قرآنية. كما أشار إلى التعتيم الذي يحيط بالدروز عامة خاصة بعد نكبة عام 1948، وبالأخص التعتيم العربي الفلسطيني، وعدم الاطلاع الكافي على دور الدروز والمراحل التاريخية التي مروا بها.
ضرب يامن مثالاً للنضال الدرزي الفلسطيني قائلاً "إن أول قريتين فلسطينيتين تم تهجيرهما بسبب المشروع الصهيوني هما قريتي الجاعونة والمطلة وهما قريتان درزيتان، وتم طرد أهاليهما في القرن التاسع عشر مع بدايات الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، مشيرا أنهم لم يكونوا بعيدين عن الجو الفلسطيني العام الذي تبنى الكفاح المسلح في أوائل القرن العشرين.
وذكر يامن أن بعض الشباب الدروز حملوا السلاح في ال1916 وهاجموا مستوطنة "كفار جلعادي" التي أقيمت على قرية الجاعونة. كما شاركوا في منظمة الكف الأخضر عام 1929 وكان من شبابهم مجاهدون شاركوا في الهجوم على مواقع صهيونية في صفد وعكا والجليل خلال ثورة الثلاثينات. وكان في تنظيم الثورة الفلسطينية في ال 1936 لواء في الجليل عرف بفرقة بني معروف الدرزية.
كما شارك الدروز في جيش الإنقاذ عام 1948، وقدر عدد الدروز فيه بحوالي 500 متطوع من سوريا ولبنان وفلسطين. وذكر المحامي يامن أسماء شخصيات فلسطينية درزية شاركت في النضال ضد الحركة الصهيونية مثل شكيب ارسلان، وعجاج نويهض، والشيخ أمين طريف وعادل ارسلان.
وبهذا يؤكد يامن أن الدروز جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني ولكنهم وقعوا ضحية المؤامرة وتم تشويه تاريخهم ومحاولة إذابتهم في المجتمع الإسرائيلية. ومن ثم يبدأ بسرد سلسلة من القوانين والاجراءات الاسرائيلية التي ساهمت في عزلة الدروز وتغريبهم عن بعدهم العربي والإسلامي. يذكر يامن من ضمن هذه السلسلة فرض التجنيد الإجباري على الشباب الدروز رغم الرفض الذي عم أوساط الشباب في الخمسينات. إضافة إلى ذلك وفي محاولة لخلق "هوية وانتماء" جديد للدروز بعيداً عن مجتمعهم الفلسطيني قامت سلطات الاحتلال بالاعتراف بالدروز كطائفة دينية مستقلة عام 1959. وفي 1964 انشأت محاكم خاصة للدروز، وتم الغاء عطلة عيد الفطر لهم واستبدالها بما يسمى "عيد النبي شعيب".
لم تتوقف الإجراءات الإسرائيلية عند ذلك الحدّ، فقد تم تشكيل لجنة مكونة من أكاديميين وسياسيين ورجال مخابرات في سبعينات القرن الماضي هدفها الأول بحث كيفية تعزيز الانتماء الطائفي للدروز في محاولة لخلق "قومية درزية" وبالتالي فصلها عن انتمائها الفلسطيني الأصلي. كان من توصيات هذه اللجنة التي تم تطبيقها فصل منهج التعليم العربي في المدارس العربية، فأصبح هناك منهجان: واحد للعرب، وواحد للدروز. وبدأت وزارة الداخلية الإسرائيلية بكتابة وصف "درزي" في خانة القومية في بطاقات الهوية، وقامت بفصل المجالس المحلية الدرزية عن العربية.
وينبه يامن هنا إلى أن كل هذه السياسة الإسرائيلية لأسرلة الدروز وفصلهم عن امتدادهم العربي يجب أن تواجه بما هو أكبر من التوعية، قائلاً إن احتلال الأراضي يمكن أن يُحل، ويمكن للأراضي أن تسترد، لكن احتلال الفكر وتهجينه أصعب من ذلك بكثير.
وفي نهاية الندوة، تطرق يامن إلى قضته الشخصية ورحلته في العودة إلى الذات، إذ عمل سجاناً في مصلحة السجون الإسرائيلية في سجن هداريم حيث يقضي عدد من القيادات الفلسطينية محكومياتهم العالية. وهناك بدأ احتكاك يامن "بالفلسطيني" الذي لم يعرفه مسبقاً. يقول يامن عن ذلك إنه قبل أن يحتك بالأسرى الفلسطيني كان يعتقد جازماً أنهم "مجرمون ومخربون"، ولكن انبهر فجأة بأخلاقهم ومستواهم الثقافي وطريقتهم الرزينة في الحديث".
ومن خلال حديث متبادل مع أحد الأسرى عن الدروز ومن هم، قرر يامن إهداء الأسرى بعض الكتب التي تتحدث عن الدروز، لأنه ظن أن معرفة الأسرى بهم قليلة ومختزلة، وهنا أحضر يامن بعض الكتب ولكنه اضطر لقراءتها قبل اهدائها، وبدأ بالتعرف على ذاته.
شيئاً فشيئاً من خلال الاحتكاك مع الأسرى قرر يامن أخذ عطلة طويلة من عمله، إلى أن استقال منه ورجع فعلياً إلى ذاته، وتخرج من كلية الحقوق وأصبح محامياً يدافع عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وكان أول من أعطاه توكيلاً بالدفاع عنه الأسير اللبناني سمير القنطار.
هذه العودة إلى الذات كلفت يامن تعباً فكرياً طويلاً، وملاحقات ومضايقات إسرائيلية لا تتوقف، ولكنه مصر عليها، ومصر على نقل تجربته لبقية الشباب الدرزي وعلى توعية أطفاله لقضيتهم الفلسطينية.